بقلم المستشار يحيى خضري
نائب رئيس مجلس الدولة وعضو المجلس الخاص السابق
نواصل ما بدأناه في المقال السابق ونؤكد أنه ثبت بتقارير موثقة من منظمات دولية وغيرها كل ما فعلته اسرائيل من قتل وابادة واصابات وصدمات نفسيه للشعب الفلسطينى وأثبتت تلك التقارير مدى جسامة الأضرار المادية والأضرار المعنوية فدمرت اسرائيل الأخضر واليابس فهدمت مساكنهم وقضت على سبل معيشتهم و جميع مرافقهم الحياتية وفى مقدمتها المرفق الصحى بمستشفياته ومراكزه الطبية والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والأسواق والطرق و المزارع و ثروتهم الحيوانية وغير ذلك من كل صور وأشكال التخريب الشيطانى وذلك بتقارير موثقة من الموظفين ممثلى تلك المنظمات، فضلا عما يقاسى منه المعتقلون والمعتقلات فى سجون اسرائيل من معاملات غير انسانية وصور من التنكيل تتسبب فى معاناتهم أو إصابتهم بأذى بدنى أو نفسى وذلك على نحو ما تسجله تقارير المنظمات الدولية المختصة.
لما كان المشهد الكارثى للشعب الفلسطيني المشاهد أن اسرائیل أحكمت حصارها لاقليم غزة من جميع الجهات وتحكمت في المعابر الموصلة اليها فضلا عن الحصار الأمريكي والدول الغربية المؤيدة لاسرائيل وعدم اتخاذها موقف ايجابي سواء بالنسبة لوقف اطلاق النار أو نحو الزام اسرائیل بإدخال المساعدات إلى شعب غزة بقدر حاجته وخاصة بعد فرضها اجراءات معقدة فى التفتيش نفاذا لسياستها في التجويع للشعب الفلسطينى رغم أنه يواجه القتل والموت في كل لحظة وفي كل يوم من أیام حیاته على مرأى ومسمع كل شعوب العالم وعلى ذلك فان كل ما أصاب غزة من كوارث ترتب عليها تداعيات خطيرة فقـد أعادت مدينة غزة إلى الوراء – إلى ماضي بعيد مئات السنين واعتبرت إسرائیل أن ما حدث فى غزة نموذجا هددت به جیرانها العرب مثل لبنان
ثبت بتقارير منظمات دولية وغيرها مدى التوحش والاجرام فى الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة والمستمرة والتى كشفت عن أقصى درجات الاستخفاف بحياة الانسان الفلسطينى وكأنه من جنس أدنى من البشر ولم تقدم أى دليل أنها حاربت جيش أو معسكرات جنود وإنما كان معظم الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ. كما قامت بدك المدن و الأحياء والتجمعات السكنية لمدنيين عزل وكانت آهلة بالسكان المدنيين فضلا عن عدم امداد غزة بالغذاء والمياه والدواء والغاز وتخريب مصادر الطاقة والمياه وجميع الطرق البرية والموانئ البحرية وكل سبل المعيشة و بذلك قامت اسرائيل بتدمير الحياة ومرافقها وجميع الأسباب الكفيلة باستمرارها وما اقترفته اسرائيل بشكل جرائم ابادة لا تسقط بالتقادم مما يوجب على الدولة الفلسطينية ومعاونة الدول الصديقة والمحبة للسلام مساعدة دولة فلسطين وحتى تنال عضويتها الكاملة بمنظمة الأمم المتحدة وذلك لصعوبة التجائها إلى القضاء الجنائي الدولى سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الجنائية الخاصة، وكذلك الالتجاء إلى مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومراعاة أن تقوم الدولة الفلسطينية والجامعة العربية توثيق جرائم الإبادة وإذا تعذر اللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي لأي سبب من الأسباب (کاستخدام حق النقض الفيتو) من دولة تتمتع بالعضوية الدائمة بمجلس الأمن فإنه بعد ذلك يمكن اتباع أحد السبيلين الأثنين :
الأول: اللجوء إلى تشكيل محكمة من المجتمع المدنى للنظر في الجرائم المرتكبة بما يعرف بالمحاكمة الشعبية مثل: المحكمة الشعبية لمحاكمة شارون أو اللجوء إلى رفع دعوى أمام قضاء دولة يملك الاختصاص العالمي في مجال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهناك دول أعطت لقضائها الوطنى مثل هذا الاختصاص مثل أسبانيا وبلجيكا وفرنسا وهذه المحاكمات لاتوقع عقوبة وإنما تشهر وتفضح مرتكبى هذه الجرائم مما يشين كبار المسئولين من مرتكبى هذه الجرائم ومما يشكل إدانة تاريخية علنية وفى ذات الوقت من شأنها إرضاء لنفوس الضحايا و إشعارهم بالتضامن الشعبى معهم.
الثانى: يمكن للضحايا اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة والمختص بادانة مرتكبى جرائم ضد الإنسانية والدولة المعتدى عليها إذا أصابتها أضرار يمكنها اللجوء لمحكمة العدل الدولية طبقا للاجراءات المقررة ومطالبتها بإلزام الدولة المعتدية بدفع تعويضات عما أحدثته من أضرار على شعبها.
لا يفوتنا التنويه فى هذا الصدد ان الشعب الفلسطيني في مسيس الحاجة وعلى وجه السرعة إلى كافة انواع المساعدات والحصول علی الخدمات العاجلة ومنها اللجوء الى القضاء الدولي والقضاء الوطني الذي يملك اختصاص دولي، كما أن اللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي ضرورة عاجلة لحماية الشعب الفلسطيني من البطش والإبادة التي تمارسها اسرائيل بطرق واضحة للعيان برغم قرارات منظمة الأمم المتحدة الملزمة. واحتجاجات المنظمات الدولية المختلفة وتعمد اسرائیل الاستمرار فى عدوانها ومسلكها فى إهدار آدمية الإنسان الفلسطينى وعدم احترامها للقيم التي تحكم الجماعة الدولية بل تماديها في إهانة النظام الدولي وذلك إذا صدر قرار دولي فى غير صالحها مما يستوجب اللجوء إلى مجلس الأمن أو الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة للتصدي للاعتداء الإسرائيلي الموجه لقيم المجتمع الدولى وازدراء سافر لها كما يحتاج الشعب الفلسطيني معاونته فى التصدي لآلة الإعلام الجبارة التى تمتلكها اسرائيل والدول الغربية المساندة لها وتفنيد الادعاءات والأكاذيب التي تبثها بإعلام صادق ورغم أن تلك الدول كانت فى حقبة من تاريخها المعاصر- كانت محتلة ومستعمرة من دول أخرى ورغم تشابه أحداث هذ التاريخ من تاريخ فلسطين وتلك الدول من حيث احتلال الأوطان حيث كانت أمريكا مستعمرة انجليزية وكانت فرنسا ودول أخرى محتلة من ألمانيا ورغم أن هذه الدول أقرت بحق شعبها فى مقاومة المحتل إلا أنها أنكرت حق الشعب الفلسطينى فى مقاومة الإحتلال الإسرائيلى الاستيطانى لوطنهم واقتصرت على تطبيق هذا المبدأ على ذاتها فقط بالمخالفة لمبادئ العدالة الدولية بعدم جواز الكيل بمكيالين.
على ذلك فإننى أتوجه مخاطبا كل شعب عربى حر وفى طليعته الشباب العربي الحر والشباب الذين شاءت أقدارهم الالتحاق بجامعات أجنبية وكذا كل انسان عربى حر يشغل وظيفة دولية أو دبلوماسية أو استاذ جامعة و غيرهم مما يعملون فى دول أجنبية ألا تغيب عن ذاكرتهم القضية الفلسطينية وما أحدثته إسرائيل من تخریب ودمار وقتل وإبادة وثابت ذلك بالصوت والصور بمستندات موثقة كما يجب التعريف بالقضية الفلسطينية وعدالة هذه القضية وعن القرارات الدولية الصادرة من منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والتحدث عن طبيعة الشعب الفلسطينى المسالم ومدى تعايشه السلمى مع الشعب اليهودي في فلسطين وأن يداه ما زالتا مفتوحتان للسلام فى مواجهة أيادى صهيونية ملطخة بالدماء ومتشابكة مع أيادى أمريكية وذلك بسبب الموقف الأمريكي المخالف للعدالة الدولية والقيم الأساسية للمجتمع الدولى ومساندة اسرائيل على هذا النحو قد شجعها على الاستخفاف بالقيم والمبادئ التى قامت عليها منظمة الأمم المتحدة و عدم احترام القرارات الصادرة من المنظمات الدولية و الاستهانة بآدمية الإنسان الفلسطينى ومواصلة اسرائيل القتل والإبادة للشعب الفلسطينى والانتهاكات الجسيمة التى امتدت الى تخريب المدن و الزرع وذلك من قبيل الجرائم الدولية مما جعل من مسلك اسرائيل يشكل تحديا للمجتمع الدولى بأسره.
لما كان الثابت فى ضوء ما يتم نشره فى وسائل الإعلام وغيرها ومما تدل عليه الشواهد المتاحة استمرار جيش دولة اسرائيل – وهى محمية بالفيتو الأمريكى- فى ارتكاب كافة الأنتهاكات الجسيمة المنصوص عليها فى المواثيق الدولية سواء كانت من قبيل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو ما يرقى الى جريمة الإبادة الجماعية وهى ما تعرف بجريمة الجرائم وفى مقابل ذلك لا يقبل الزعم ابتداء أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها طبقا لما سلف بيانه فضلا عن أن بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية يعد من جرائم الحرب ويسمح للطرف الفلسطينى المعتدى عليه بالدفاع عن نفسه وفى جميع الحالات خالفت اسرائيل كافة النظم القانونية الوضعية التى اشترطت فى حالة الدفاع عن النفس مراعاة مبدأ التناسب بحيث لا يكون الرد على القذائف البدائية للفلسطينيين باستهداف المدنيين والأطفال رغم معرفة أماكن تواجدهم بأسلحة حديثة تقضى على مظاهر الحياة تماما على النحو السابق الإشارة إليه ومما يكون جريمة إبادة جماعية متوافرة الأركان طبقا لنص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة ابادة الأجناس الصادرة عن الأمم المتحدة سنة 1948.
وكذلك فإن الأكذوبة الكبرى التى تتمسك بها اسرائيل أن حربها ضد حماس فقط فى حين أثبتت الأحداث أن عدوان اسرائيل ليس موجها ضد حماس وحدها وأن الجرائم البشعة التى تقترفها اسرائيل لم تقتصر على قطاع غزة بل امتدت الى الضفة الغربية بجانب اعتداءات جيش الإحتلال الإسرائيلى فإن المستوطنين اليهود يقومون باعتداءات وحشية على سكان الضفة الغربية فضلا عن التعدى على قوافل المساعدات الانسانية ومنع وصولها للفلسطينيين بقطاع غزة.