د. أحمد ربيع: العبرة بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب
د. علي مطاوع: الطعن في الصحابة مؤامرة وجريمة لهدم الدين
أدارها: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد الإمام الشافعي بالتعاون بين عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية وزير الأوقاف السابق الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة، والأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف الحالي، تحت عنوان:” الهجرة النبوية وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار” الهجرة النبوية تعد من أعظم الأحداث في التاريخ البشري وليس الاسلامي فقط لأنها كانت رحلة فارقة بين نور الايمان ،وظلام الشرك.. وأوضحوا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تشاور مع الصحابة بشأن وجود تقويم إسلامي فتم الاتفاق على الهجرة وأن تكون بداية العام الهجري شهر الله المحرم.. وأشاروا إلى ضرورة دراسة تاريخ الهجرة والاستفادة منها وأخذ العبر والدروس لتغيير واقع الأمة للأفضل لتكون قوية وعزيزة وموحودة، لتكون كما أرادها الله خير أمة أخرجت للناس..حضر الندوة د. فودة السيد فودة، خطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتى، أن شباب المسلمين يتعرضون لحملة ضارية لتشويه تاريخنا الإسلامي ولهذا لابد من توعية الأجيال بتاريخنا المجيد ، وفي القلب منه الهجرة النبوية التي كانت فارقة بين الضعف والقوة ،وبداية لتأسيس دولة الإسلام، وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والأنصار الذين حملوا للبشرية كلها رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وأسسوا أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها تأسست على” الإيمان والعلم والعمل وفضائل الأخلاق”، وللأسف فقد تعمد أعداء الأمة الطعن والتطاول على الصحابة لهدم الإسلام من داخله، ويحزننا الغزو الحضاري الذي تتعرض له أمتنا بعد أن أصبحت “غثاء السيل”.
التوكل والأسباب
أكد د. أحمد ربيع، العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، جامعة الأزهر، أن كل هجرة تسببت في كوارث إلا هجرة المسلمين من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فلم يتضايق الأنصار، ولم يتضايق أهل المدينة، بل كانوا في حب دائم لتنفعهم من أحداث الهجرة، فلابد من الأخذ بالأسباب أولا في أي أمر من الأمور:” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”. كما أن القرآن الكريم مليء بالآيات التي توضح مبدأ التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب فمثلا يتم إنبات النبات يتم بقدرة الله سبحانه وتعالى مع الأسباب المباشرة للإنبات مثل قول الله تعالى:” وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ. وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ. رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ” ديننا يرفض التوكل ليس مع عامة الناس بل مع والرسل الأنبياء مع أنهم خير خلق الله من البشر، ولكنهم القدوة في التوكل والأخذ بالأسباب وهذا ما رأيناه في حياة النبي وصحابته الكرام، وتعد الهجرة نموذجا نموذجا عمليا لذلك، فلم يدخر النبي سببا إلا وأخذ به.
أوضح د. ربيع أن النبي في حادث الهجرة توكل على ربه، واعتمد على التخطيط والإعداد المنطلق من الواقع، واختيار الأجهزة التي تتعاون معه خلال هجرته، وهذا ما جعلها أعظم حدث تاريخي في تاريخ الإسلام، ونأخذ من ذلك أن القرآن كان يتنزل بعد الحوادث الكبيرة، فمثلا بعد غزوة بدر الكبرى نزلت سورة الأنفال، وبعد غزوة أحد نزلت سورة آل عمران، وبعد غزوة الأحزاب نزلت سورة الأحزاب، وبعد صلح الحديبية نزلت سورة الفتح، ولكن لم ينزل القرآن لا قبيل الهجرة ولا في أثنائها ولا بعدها آية تتحدث عن الهجرة إلا الآية التي نسمعها في احتفال الهجره كل عام، وهي قول الله تبارك وتعالى” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” والعجيب أن هذه الآية نزلت بعد الهجرة بتسع سنين، لأنها نزلت في سورة التوبة بعد غزوة تبوك، والسر في أن الهجرة لم ينزل لها آيات قرآنية كثيرة خاصة بها لأنها كانت حدثا كبيرا وممتدا، فهي لم تبدأ بظهور دعوة النبي من مكة المكرمة ووصوله إلى المدينة المنورة، وإنما بدأت قبل ذلك بهجره الصحب الكرام فرادى وجماعات إلى المدينة المنورة، وسبقتها الهجرة إلى الحبشة، ولم تنتهي الهجرة بوصوله وأصحابه إلى المدينة المنورة، وإنما امتدت بعد ذلك حتى فتح مكة، وبعد الفتح لا هجرة ولكن جهاد ونية.
وأشار د. ربيع إلى أن الناظر في الهجرة يجد أن النبي أخذ بالأسباب، فقد كان من الممكن أن ينتقل النبي من مكة إلى المدينة بالبراق كما حدث في ليلة الإسراء، ولكن كان خروجه مع ترقب القوم له، ورصدهم لقتله، ومحاولتهم استماله القاتل بمئات الإبل التي يدفعونها لمن يقتل النبي بعد خروجه من مكة الأخذ بالأسباب، وللأسف الشديد إننا الآن، ولا نأخذ بالأسباب الإنسان قد يجلس ويدعو ويدعو وفي النهايه يقول” إن الله لا يستجيب لي” لم يأخذ بالأسباب أوله وبعد أن تأخذ بالأسباب تلجأ إلى مسبب الأسباب يواصل ، فدخلت المسجد وهذا تعبير الامام الغزالي، ثم بعد ذلك نجد أن النبي حينما دخل المدينة بدأ بثلاثة أمور كما قلنا، وفي المدينة بدأ اكتمال الدولة من حيث الأرض الواحدة، والدستور الواحد وهو القرآن الكريم، ورئيس الدولة وهو النبي الذي أجمع كل الناس عليه، وأول كلمة قالها رسول الله- كما قال عبدالله بن سلام-:” أول كلمه نطق بها في المدينة المنورة قال رسول الله: “أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام” كما أن النبي حينما دخل المدينة بدأ بأمور أهمها: بناء المساجد، وخاصة مسجد النبي كان طوله 100 ذراع وعرضه 70 ذراعا وكانت أرضه من الحصباء من التراب، وسقفه من جريد النخل، وليس عليه باب، ربما أمطرت السماء فتوحلت أرض المسجد ، وربما تفلتت الكلاب الضالة ليلا، ولكن هذا المسجد المتواضع أخرج للبشرية مؤدبو الجبابرة وملوك الدار الآخرة، الأمر الثاني: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان لا تذيع تفاصيل حياتك على الناس، والأمر الثالث والأهم: التوكل على الله.
وأنهى د. ربيع كلامه بالتأكيد على أهمية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وضرب فيها المسلمون أروع الأمثلة في استقبال الأنصار – رضوان الله عليهم- للمهاجرين، فمثلا هذا هو سعد بن الربيع رجل من الانصار آخى النبي بينه وبين المهاجر عبد الرحمن بن عوف، فقال سعد بن الربيع لعبدالرحمن:” أنا مالي كذا وكذا، أقسمه نصفين، نصف لك ونصف لي، ولي زوجتان أختار واحدة منهما، فأطلقها لك لتتزوجها، ولي دار، فعليك اختيار أحداهما ” فقال عبد الرحمن بن عوف امام هذا الكرم الكبير من سعد بن الربيع:” بارك الله لك في مالك وأهلك ودارك، دلني على السوق”، وذهب عبد الرحمن بن عوف ليتاجر وربح أموالا كثيرة، وكان من أثرياء المدينة، وهنا نقف عند كرم سعد بن الربيع وسخائه وسخاوته والتي قابلها تعفف من عبد الرحمن بن عوف، ومن جميل أقوال الشيخ الغزالي:” قبح الله وجوه قوم انتسبوا للإسلام فأكلوه أو أكلوا به حتى ضيعوا معالم الحق في هذا العالم”.
التقويم والصحابة
يؤكد د. على مطاوع، رئيس قسم الأدب والنقد والبلاغة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر، الهجرة النبوية من أعظم وأهم الأحدداث في تاريخ الإسلام حين انتقل المسلمون من دار الكفر والشرك والاضطهاد إلى دار الايمان والسكينة والسلام، وبدأ التقويم الهجري أو التقويم الإسلامي أو العربي هو تقويم قمري، أي أنه يعتمد على دورة القمر لتحديد الأشهر، مكون من 12 شهرًا قمريًا في عام ذي 354 أو 355 يومًا، ويستخدمه المسلمون حاليًا خاصة في تحديد شهر رمضان، والأشهر الحُرُم، وأشهر الحج، والأعياد، وعدة الطلاق، وعدة الحامل، ودفع الزكاة، وتتخذ بعض البلدان الإسلامية التقويم الهجري تقويمًا رسميًا لتوثيق المكاتبات الرسمية في دوائر الدولة، تؤكد المصادر الإسلامية أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو الذي اعتبر الهجرة النبوية مبدأ للتاريخ الإسلامي وجعل هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة في 12 ربیع الأول الموافق 21 سبتمبر عام 622 م، مرجعا لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته بالتقويم الهجري، إلا أن عدد من الباحثين في الشأن التاريخي يرون أن أول من أعتبر تاريخ الهجرة النبوية بداية لتاريخهم هو النبي مستشهدين على ذَلك بأن النبي كان يؤرّخ رسائله وكتبه إلى أُمراء العرب وكبار الشخصيات وزعماء القبائل بالتاريخ الهجري، روي عن سعيد بن المسيب:” جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ فَسَأَلَهُمْ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ يُكْتَبُ التَّارِيخُ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:«مِنْ يَوْمِ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَرَكَ أَرْضَ الشِّرْكِ» فَفَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”، وعلى الرغم من أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين، إلا أن أسماء الأشهر والتقويم القمري كان يستخدم منذ أيام الجاهلية، وشهور التقويم الهجري اثنا عشر شهرًا، أربعة منها حُرُمٌ، وهي: رجب، والأشهر الثلاثة المتوالية ذو القعدة ، وذو الحجة ومحرم، وتُعرف هذه الشهور بأسمائها العربية كما وجدها رسول الله حينما بُعث. لكنها عُرفت بأسماء مختلفة عند العرب قبل اجتماعهم على الأسماء الحالية قبل البعثة النبوية بقرنين.
وأشار د. مطاوع إلى أن القرآن الكريم أثنى على الصحابة من المهاجرين والأنصار فقال تعالى:” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَـاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ”، قال ابن كثير:” فعلمَ ما في قلوبِهِم: أي : مِن الصدقِ والوفاءِ والسمعِ والطاعةِ”، وقال سبحانه أيضا:” لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا”، وعن جابرِ بنِ عبداللهِ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ:” لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ ممَن بايعَ تحتَ الشجرةِ”. وكيف لا ؟ وهاتان آيتان عظيمتان في فضلِ المهاجرين والأنصارِ:” لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. فقد أصطفى الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين هاجروا معه وحملوا رسالة تبليغ الإسلام إلى العالم لأنه دين عالمي، وما واجمل وصف النبي لبعض أصحابه حين قال:” أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمرُ، وأصدقُهُم حياءً عثمانُ، وأقضاهُم عليٌّ، وأفرضُهُم زيدُ بنُ ثابتٍ، وأقرؤهُم أُبَيُّ، وأعلمُهُم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ، ألَا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا، وأمينُ هذه الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ”
أوضح د. مطاوع أن الصحابة بوجه عام، ومن رافقوا الرسول في رحلة الهجرة بوجه خاص، ومن استقبلوهم من الأنصار هم خير أجيال الإسلام، وما أجمل قول عبد الله بن مسعود:” إنَّ اللهَ نظرَ في قلوبِ العبادِ فوجدَ قلبَ محمدٍ ﷺ خيرَ قلوبِ العبادِ فاصطفاهُ لنفسِهِ فابتعثهُ برسالتِهِ ثم نظرَ في قلوبِ العبادِ بعدَ قلبِ محمدٍ فوجدَ قلوبَ أصحابِهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وُزَرَاءَ نبيِّهِ يُقاتلونَ على دِينِهِ فما رأى المسلمونَ حسنًا فهوَ عندَ اللهِ حَسَنٌ وما رَأَوا سيِّئًا فهو عندَ اللهِ سيئٌ، مَن كان مُستَنًّا فلْيَستَنَّ بمَن قد مات، أولئكَ أصحابُ محمَّدٍ ﷺ ، كانوا خيرَ هذه الأُمَّةِ، أبَرَّها قُلوبًا، وأعمَقَها علمًا، وأقَلَّها تكَلُّفًا، قومٌ اختارهم اللهُ لصُحبةِ نبِيِّه، ونَقْلِ دِينِه، فتشَبَّهوا بأخلاقِهم وطَرائقِهم، فهم كانوا على الهَدْيِ المستقيمِ”.ولم يقل ابن مسعود هذا الكلام من فراغ وإنما إنطلاقا من حديث نبوي رواه عن النبي قال:” خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، فإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ”، وقال رسول الله في حديث آخر:” لا تَسبُّوا أصحابي فوالَّذي نَفسي بيدِهِ لَو أنَّ أحدَكُم أنفَقَ مثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أدرَكَ مُدَّ أحدِهِم ولا نصيفَهُ” وقال أبو زرعة الرازي :” إذا رأيت الرجلَ ينتقصُ أحدًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ فاعلمْ أنَّه زنديقٌ؛ وذلك أنَّ رسولَ اللهِ عندنا حقٌّ والقرآنَ حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسولِ الله وإنَّما يريدونَ أنْ يجرحُوا شهودَنَا ليُبطلُوا الكتابَ والسنةَ، والجرحُ بهِم أولَى وهُم زنادقةٌ”.
وأنهى د. مطاوع كلامه قائلا:” فما أحوج الأمة الإسلامية وهي تحتفل باستقبال عام هجري جديد أن تتوحد وتكون وقوية لتقدم نموذجا للأمة القوية العزيزة لتكون بحق خير الأمم حيث وصفها الله تعالى بقوله:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”، وربط بين الله تعالى في القرآن بين فضل السابقين واللاحقين من المسلمين الحريصين على طاعة ربهم فقال:” وَالسَّـابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـاجِرِينَ وَلأنْصَـارِ وَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”، ونحن في رحاب الإمام الشافعي فما أجمل ببعض أبياته الشعرية الخالدة:
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي.. جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ .. بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما
فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل.. تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما فَلَولاكَ لَم يَصمُد لِإِبليسَ عابِدٌ.. فَكَيفَ وَقَد أَغوى صَفِيَّكَ آدَما.