لاشك أن رحلة التعليم بمراحله المختلفة من أطول الرحلات وأكثرها مشقة في حياة الإنسان، إنها رحلة مليئة بالمصاعب، محفوفة بالجهد والتعب، حافلة بالمثابرة والكفاح .
ولا يمكن أن ننكر على الطالب فرحته بانتهاء هذه الرحلة الطويلة، وحصوله على شهادة تخرجه الجامعية _ وإن كان التعلم أمرا ملازما للإنسان طوال حياته، فهو مطلوب من المهد إلى اللحد_لكن الأمر الذي يصعب تقبٌّله هو ما نراه من سلوكيات منافية للحشمة والوقار، منتهكة للقيم المجتمعية فيما يسمى حفلات التخرج.
ولست أعني بهذه الحفلات ما تقيمه الكلية أو المعهد أو الأكاديمية من احتفالات لتكريم المتفوقين، والاحتفاء بالخريجين داخل الحرم الجامعي، فإن مثل هذه الاحتفالات بلا شك تكون محاطة بإطار من القيم والتقاليد والأعراف، وبرعاية ورقابة من الأساتذة والقيادات .
لكن المشكلة تكمن في هذه الاحتفالات التي تقام في القاعات والأندية الخاصة بتنظيم من الطلاب أنفسهم بعيدا عن إدارات الجامعات .
وقد رأينا في الآونة الأخيرة ما اشتملت عليه هذه الحفلات من سلوكيات تخالف الدين، وتنتهك الأعراف الاجتماعية، والتقاليد المجتمعية.
فالاختلاط يتصدر المشهد، والموسيقى الصاخبة سيدة الموقف، فضلا عن الملابس غير المحتشمة، والرقص والتمايل على مرأى ومسمع من الحاضرين، وعدم إنكار من الأهل والأقارب، بل رأينا الوالد يشارك ابنته في فقرة الرقص بدعوى هذه الفرحة المزعومة.
إن هذه المشاهد لمما يدعو إلى الأسف، ويبعث الحسرة على القيم التي ضاعت من المجتمع أو كادت، وعلى الحياء الذي ذهب من الوجوه أو قلّ .
والذي زاد الطين بلة أن بعض المواقع الإعلامية والصحفية تروِّج لهذا الأمر، وتشيد بأصحابه مما قد يزيد من هذه المشاهد غير الأخلاقية حبًّا في الشهرة، وطمعًا في ركوب الـ(التريند).
لقد سمعنا فيما مضى عن مواقف صنعها الطلاب في يوم تخرجهم تستحق أن تكون هي القدوة التى تُحتذى، والنموذج الذي ينبغي أن يروج له.
فرأينا طلابا يتبرعون بالمبلغ الذي جمعوه لحفل تخرجهم لدور الأيتام، وآخرين يشترون به جهازا لإحدى المستشفيات، وهناك من يتبرع به للجمعيات الخيرية، أو لتجهيز العرائس غير القادرات .
وقد رأيت بنفسي عندما كنت أقوم بالتدريس في كلية البنات بالأقصر كيف أقامت الطالبات حفل تخرجهن في مستشفى الأورمان لعلاج الأورام، لم يكن حفلا تقليديا، بل زيارة للمرضى والتبرع لهم بمبلغ مالي كبير كانت الطالبات قد جمعنَهُ وخصصنهُ لحفل تخرجهنّ .
إن مثل هذه النماذج هي التي ينبغي أن تتصدر المشهد لتكون قدوة لغيرها، بدلا من الترويج لهذه الاحتفالات التي تخالف قيم المجتمع وتنتهك تقاليده.