بقلم: مستشار يحيى خضرى
نائب رئيس مجلس الدولة وعضو المجلس الخاص السابق
نختتم بالحلقة الثالثة من مقالنا بالتأكيد على أن من صور الاعتداءات قيام اسرائيل بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية وقررت منظمة الأمم المتحدة بعدم شرعية بناء هذه المستوطنات وكثير من دول العالم وبالإضافة لكل ما تقدم فإن اسرائيل تقوم باعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس فضلا عن حوادث القتل للفلسطينين بالضفة وبالإضافة إلى الإيذاء المعنوي للشعب الفلسطينى وبأشكال مختلفة منها تهديد قادته بالقتل فى أى مكان بالعالم وكذلك تصريحات المسئولين فى الحكومة الأسرائيلية ورئيس وزرائها بعدم الإعتراف بأى وجود لدولة فلسطينية ولما كانت تلك الإنتهاكات التى اقترفتها اسرائيل تمس السلم والأمن الدوليين وفق للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة فإنه يمكن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية أو المدعى العام لهذه المحكمة فى الحالات التي تجيز ذلك أو اللجوء لمحكمة دولة تطبق مبدأ الأختصاص القضائى العالمى ويجب على القائمين على السلطة الفلسطينية والمساندين لها من الدول الصديقة و أحرار العالم والتحرك بجدية فى سبيل رفع الظلم عن الشعب الفلسطينى وإقامة العدل والتصدي لمحاولات إسرائيل قلب الحقائق ومحاولتها أن تلبس الضحية ثوب المتهم لإظهارها بمظهر الجانى وما يملكه الإعلام الإسرائيلى والمؤيد بالإعلام الغربى من قدرة فائقة على توجيه عقول المتلقين وتشكيل آرائهم و قناعاتهم بدليل أن الرأي العام العالمي لم يتحرك تحركا جديا تجاه الإعتداءات الإسرائيلية على أرض فلسطين وما اقترفته من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان فى الأراضي الفلسطيني وخاصة منذ عام 1967 وحتى الأن نظرا لغياب الضمير العالمى عن منطقة الدول العربية وكأن شعوبها تنتمي لفصيلة أدنى من البشرية بسبب عدم وجود حكومة واحدة للشعب الفلسطينى تركت الساحة لإسرائيل لكي تصف تصرفات الشعب الفلسطيني بالإرهاب رغم أنها كانت من قبيل الدفاع الشرعي ولم تقابله بردود إعلامية قوية مؤيدة بأدلة الأمر الذى يترتب عليه تمكن اسرائيل من التنكيل بالشعب الفلسطينى دون لوم أو استفزاز الضمير العالمى فضلا عن التحيز الأعمى لأمريكا بجانب اسرائيل شجعها على الأستخفاف بالفتاوى و الأحكام الصادرة من القضاء الدولى بل عدم احترام القيم الأساسية للمجتمع الدولى إلا أن أحداث غزة أيقظت الضمير العالمى وكشفت كيف تم تزييف الوعى العالمى وطمس الحقائق بإعلام غربى منحاز لأسرائيل ويعلى من شأنها ويخفى بشاعة ما اقترفته من جرائم فى حق الشعب الفلسطينى و العمل على طمس حقائق المشكلة الفلسطينية وجذورها والمتمثلة فى اغتصاب الأراضي بالقوة وحرمان الشعب الفلسطيني من أبسط الحقوق المتطلبة لحياة كل انسان- بل من الحياة نفسها وعلى ذلك يكون لازما على القائمين على السلطة الفلسطينية والدول العربية دول العالم الحر وأحرار العرب اتخاذ كافة الوسائل الكفيلة باقناع الرأى العام العالمي بعدالة القضية الفلسطينية عن طريق كشف الحقائق المحيطة بهذه القضية بلغة خطاب يفهمها العالم الخارجى وبسلوك قومى يدعم ما يطالب به الشعب الفلسطينى من حقوق مشروعة وبإعلام صادق يسبقه وعى كامل بالحقائق وبأبعاد الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة فى حقه.
من الجدير بالذكر فى هذا الصدد أن المنطقة العربية فى حاجة الى انشاء قضاء عربى يتمتع باختصاص القضاء الدولى وهذا الأمر تقدره وتبحثه جامعة الدول العربية أسوة بالدول التى منحت لقضائها الوطنى اختصاصا دوليا.
ليس الهدف من هذا المقال إجراء تقييم لموقف كل طرف من أطراف هذه الحرب و مدى صواب كل موقف وخاصة تقييم توقيت فصائل المقاومة الفلسطينية بالدخول فى هذه الحرب من النواحى الاستراتيجية و العسكرية والسياسية و مدى دراستها لأبعادها وتبعاتها وكيفية مواجهة أثارها ولا يدخل فى هدفها أيضا ايجاد تصور لحل مشكلة فلسطين التى تقلق بال الجميع أو كيفية اخضاع المنظمات الفلسطينية لسلطة حكومة واحدة رغم أن الشعب الفلسطينى يعيش فى منعطف تاريخى خطير يستلزم وجوبا وجود سلطة فلسطينية واحدة و خاصة بعد تقاعس المجتمع الدولى عن حل مشكلته و بالنسبة لهذه الموضوعات أجدنى فى موضع غير المتخصص و غير المختص بذلك و إنما الأمر فى ذلك معقودا للجهات المتخصصة قانونا والمؤرخين ولكن أريد التحدث عن الظلم التاريخي الذى أصاب الشعب الفلسطيني من جراء العدوان سالف الذكر ومدى صمود هذا الشعب الاسطورى فى مواجهة الطغاة الجبابرة و تمسكه بحقوقه المشروعة ومتحديا الصعوبات والعقبات التى صنعتها اسرائيل و أمريكا و دول أوربية أخرى لشعب غزة الأعزل الصابر واستمراره في المقاومة والجهاد – نصره من نصر – وخذله من خذل.
فصبرا صبرا یا شعب فلسطين – صبرا يا أهل غزة – صبرا يا سكان الضفة الغربية – صبرا يا مرابطي القدس- فالنصر قريب باذن الله.
و سلام الله على روح كل شهيد – والدعاء لله بالشفاء العاجل لكل مصاب وأن يلهم سبحانه وتعالى بقدرته القوة والصبر والتوفيق لهذا الشعب العظيم و أن يعينه على تحمل هذا الابتلاء وإن نصر الله القريب.
التحية كل التحية والتقدير للمقاومة الفلسطينية الباسلة التي شكلت نموذجاً بشرياً مثالياً ونادر ما يجود به الزمن لمقاومة المعتدى سواء في میادین القتال ضد جيش مدجج بالسلاح و مدعوما بمشاركة من جيش أمريكا و جيوش دول غربية أخرى و فى الداخل بعنف و صلف المستوطنين اليهود فى المستوطنات المقامة على أرضه فضلا عن كفاح ممثليه عند اجراء المفاوضات فهم يتفاوضون مع اسرائيليين بوجوه أمريكية و مع أمريكان بوجوه اسرائيلية – فكان الله فى عونهم و أمدهم بالعافيه و القوة – فالمجد و الخلود و العزة و الإكبار للشعب الفلسطيني البطل – أما الطغاة والمجرمين والكذابين الأشرار فمصيرهم إلى مزبلة التاريخ والنصر لشعب فلسطين.
ختاما أسجل شعورى بالفخر من موقف جمهورية جنوب أفريقيا بمسلكها الانسانى و الشجاع برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد اسرائيل بسبب اعتداءاتها على الشعب الفلسطينى فكل التحية و التقدير لتاريخها المشرف فى محاربة الاستعمار الأستيطانى و التفرقة العنصرية بين الشعوب، متمنيا لشعبها مزيدا من التقدم و النجاح.
وحيث أنه فى ضوء الثابت من الأحداث الموثقة- من أن اسرائيل مستمرة فى حربها ضد الشعب الفلسطينى وتتهرب من وضع نهاية لها فقد اقترفت جميع أنواع الجرائم المنصوص عليها فى المواثيق الدولية و منها الاعتداء الاجرامى على مخيم رفح بمنطقة آمنة حددتها اسرائيل رغم علمها بوجود مدنيين فى هذا المكان فقد قصفت بصواريخ أشعلت حريق فى خيام النازحين وذلك مساء يوم الأحد الموافق 26 مايو 2024 مما ترتب عليه سقوط ضحايا حرقا غالبيتم من النساء و الأطفال.
وعلى ذلك أرى على الدولة الفلسطينية – ومهما كانت الصعوبات التى تصادفها عند سلوك طريق التقاضى الدولى- يجب عليها ألا تثنيها تلك الصعوبات عن الولوج الى هذا الطريق و أن تعمل بداءة و بمعاونة جامعة الدول العربية و الدول الصديقة على توثيق جرائم اسرائيل توثيقا كاملا و دقيقا لكافة ما اقترفته من جرائم هزت بشاعتها ضمائر البشر و عليها اتباع الاليات التى يسمح بها النظام الدولى لمقاضاة اسرائيل عن كافة جرائمها و من تلك الاليات اللجوء الى قضاء دولة من الدول التى يختص قضائها بمحاكمة جرائم الحرب طبقا لمبدأ الأختصاص القضائى العالمى أو مطالبة مجلس الأمن بتشكيل محكمة جنائية خاصة أو المطالبة بتشكيل بمحكمة شعبية دولية لمسائلة اسرائيل مثل المحكمة الشعبية التى شكلت بشأن جرائم الحرب المرتكبة فى فيتنام و كذا مطالبة اسرائيل بالتعويض عن كافة الأضرار الناشئة عن الجرائم المرتكبة من قبل جيشها أو المستوطنين وكذلك لوجود سوابق قضائية بذلك أمام محكمة العدل الدولية. و إنه إزاء ما تناقلته بعض الصحف من أنباء بشأن شكوى بعض القضاة الدوليين من تدخل بعض الدول فى عملهم وإرهابهم لإرغامهم على مباشرة عمله القضائى على نحو معين و نظرا لأن القضاء الدولى بكافة تشكيلاته أصبح يمثل الان المجتمع الدولى بأسره و مما لاشك فيه أن مثل هذه التدخلات من شأنها أن تحول بين القضاء الدولى و أدائه لوظيفته و اضعاف الدور الذى أنشأ من أجله و أن يعجزوا عن تحقيق العدالة على المستوى الدولى و أرى أن لمنظمة الأمم المتحدة و كذا كبار المفكريين الدوليين و كبار فقهاء القانون الدولى بحث كيفية مواجهة هذه التدخلات فى العمل القضائى الدولى للمحافظة على ثقة دول العالم فى هذا القضاء و لضمان عدم عودة دول المجتمع الدولى الى عصر شريعة الغاب و الذى لاتتمتع فيه الدول الضعيفة بالأمان.