بقلم الدكتور عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
فمنذ أن أخذت على عاتقي مهمة التنوير والتوعية متخذا لنفسي مشروعا حضاريا أطلقت عليه التأويل والتجديد ، وأنا اعلم أن المهمة شاقة وحبالها طويلة وتحتاج مجهودا خرافيا لما لأننا سنجد من يؤيد ومن يعارض ومن يصمت ومن يتهكم ويسخر ، لكن هي مهمة قبلناها طواعية حسبة لله تعالى ، نكتب متى اقتضت الضرورة لذلك ، منهجنا إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ، طرحنا أولئك المثبطين الذين يقولون وماذا ستفعل كان غيرك اشطر ، نقول لهم كتبت الإجابة لمن أدمن الطرق ، ونذكرهم بقول الله تعالى إن عليك إلا البلاغ ، حتى لا يتحقق فينا قوله تعالى (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)فالتنوير والإصلاح رسالة لا تختلف عن رسالة الأنبياء والرسل.
نعم كثيرة هي مشكلاتها التي لا تعد ولا تحصى ، وكثير هي مثبطاتنا وكثيرة هي الأشياء التي تدعو إلى الحزن والكآبة ، وتلك هي حياتنا ألم يقل الله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد)
ألم يقل في سورة البقرة (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات)، الجزاء ، (وبشر الصابرين)، من هؤلاء (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و انا إليه راجعون)، متابعة الجزاء (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة أولئك هم المهتدون)، فالله تعالى ذكر فى مطلع الآية كلمة شئ ، أي جزء بسيط من الخوف ولم يقف في قلوبنا الخوف كله ، وشئ من نقص فى الأموال والأولاد والأنفس ، وكل هذه الأمور تجعل الإنسان في ضيق وحزن وقلق وقد يصل به الأمر إلى الانطواء ومقاطعة الناس ، لكن الله ييسر من سيصبر ويحتسب.
انظروا إلى حال الصديق رضي الله عنه عندما قال للنبي صل الله عليه وسلم لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، انظروا إلى رد الصابر المحتسب المؤيد برب الملكوت ، يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، يا أبا بكر لا تحزن ، ونسقط هذه الآية الكريمة على واقعنا الذي نحياه ، تخبط ، حيرة ، فتن كقطع الليل المظلم ، ضاقت الأرزاق ، ضاقت الأرض على الناس بما رحبت ، زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، الحق أصبح باطلا ، والباطل أصبح حقا ، لا نستطيع التمييز بين الخير والشر.
لكن أليس الله تعالى بكاف عباده ، أليس الله أقرب إلينا من حبل الوريد ، أليس الله تعالى معنا ويرانا ومطلع علينا ، أليست كل هذه البلايا اختيارات منه تعالى ، ألم يقل جل وعلا ، إن مع العسر يسرا.
نظر النبي صل الله عليه وسلم في جنبات مسجده فوجد رجلا داخل المسجد في غير أوقات الصلاة ووجده حزينا مهموما فسأله النبي ما بك ،قال يا رسول الله هموم لازمتني،قال طبيب القلوب لا يزال لسانك رطبا بذكر الله.
فاعلم يا أخي أنه ليس هناك هموم طالما أنك تبيت آمنا في سربك معافا في بدنك ،نمت علي كلمة التوحيد واستيقظت وجدت لسانك رطبا بها .
فاعلم أنك حزت الدنيا بحذافيرها ونلت رضا الله تعالى وفزت أيضا بالدار الآخرة، فليس بعد الشرك ذنب ،(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
أما أنك ثقلت عليك هموم دنيوية ضيق في عيش وعدم سعة في الرزق.
أقول لك ابحث واسعى واطلب الرزق من الرزاق وانظر إلى اسم الله الرزاق اسم وصفة ورزاق زنها علي فعال أى أنه رزقه ما له من نفاد. فالذي يرزق النملة السوداء في الليلة الظلماء تحت الصخرة الصماء لن يعجزه رزقك وهو القائل (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).
وهو القائل(وفي السماء رزقكم وما توعدون).
ولكن خذ بالأسباب وتوكل علي رب الأسباب. ليس معني ضيق في الرزق يقودك إلى الاكتئاب والضيق والضجر ويقودك إلى التهلكة كأن تلقي بنفسك أمام قطار أو أن تشعل النار في نفسك أو تلقي بنفسك من مكان شاهق الارتفاع بغية التخلص من متاعب الحياة.
إنها الحياة التي تحمل ماتحمله من المتناقضات فهاهو يوم سعيد وهاهو يوم غير سعيد ولا تحسبوه شر ربما يحمل خيرا أفضل .
إنها الحياة يوم ضيق وآخر رغد.
ألم يقل المعصوم صل الله عليه وسلم اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم .
أو يحدث لك اخفاق في أمر ما كأن ترسب في ترقيتك مثلا، أو لم يصبك الدور في منصب قد رشحت له، هل تهيم على وجهك وكأن الحياة توقفت،هذا استسلام وانهزام والله أمرنا بعدم الاستسلام وإنما إعادة المحاولة مرات،وفي النهاية ستتحقق أمانيك.
ألم يكن لنا في رسول الله الأسوة الحسنة أوذي وتورمت قدماه الشريفتين وأدميتا ولم يكل ولم يمل الدعوة إلى أن أظهر الله دينه وأصبح دين القيمة، أصبح دين عالمي دخل فيه الناس أفواجا.
حتى وإن أصبت بفاجعة فقدان الابن أو الأخ أو الأم أو الأب أو الزوجة،تذكر يا أخي هل هناك فاجعة أعظم من فقدان النبي صل الله عليه وسلم وموته.
أصبت بكذا أو كذا أو كذا يا صديقي، إنها فلسفة الحياة لاتدوم علي وتيرة واحدة .
علاجنا بأيدينا العودة قلبا وقالبا عود بالكلية إلى الله لأن الله وحده كافيك وحسبك ، اطرق بابه وألح في الدعاء فكتبت الاجابة لمن ألح فى الدعاء .
وعليك بالصلاة (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، ولاتقنط من رحمة الله قد تتأخر الإجابة لكنها حتما ستأتي ،وداوم على الطاعات والعبادات فبدلا من الانتحار والله تعالى وهبك الحياة لتعيشها وتحياها وتعمر الأرض حرثا ونسلا لا أن تهلكها باهلاكك لنفسك، فتخسر الدنيا والاخرة وذلك هو الخسران المبين.
دوام وواظب علي الاستغفار ،ضاقت عليك الأرض بما رحبت استغفر الله ، ضاق رزقك استغفر الله ، مشاكلنا كثيرة نعم لاننكر ذلك ولكن رحمة الله أوسع.
همومنا تنوء من حملها الجبال لكن فرجه قريب،،قل يا الله.
(أمن بجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) .
قل يا مغيث اغثنا، ركعتين بسجدتين بدمعتين فهو الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين،فهو الذي يسمع دعائك وهو الرءووف الذي يرأف بك أكثر من والديك فكيف تقف بابه ويردك،وكيف يردك وأنت الذي شهدت له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة،كيف يردك وهو لا يرد الكافر والملحد .
كيف تلق الله ياأخي وقد فرطت في أمانته التي جعلك رقيبا عليها كيف تلقاه ماذا ستقول له يوم تلقاه ويسألك لماذا قتلت نفسك ،لماذا لم تسألني لم تعجلت الاجابة.
يا سادة أدعوكم وادعو نفسي إلى زيادة التقرب إلى الله بصدق واخلاص النية .
جميعنا لديه مشاكله ومشاغله وهمومه ، ولكن كيف نهتم ونغتم ولنا رب كريم ، رب رحيم ، لا يغفل ولا ينام ، فهيا بنا نتوجه إليه وندعوه به ونقسم عليه به غير متألهين خاضعة رقابنا إليه لاهجة ألسنتنا بذكره قائلين ما لنا رب سواك ، لوذنا بحماك ، فاصرف عنا السوء بما شئت وكيف شئت.
(فستذكرون ما أقول لكم وافوض امري الي الله ان الله بصير بالعباد).
أرواحنا ليست ملك لنا وإنما نحن مستأمنون عليها فحافظوا عليها واتركوها لصاحبها يأخذها في وقت قد وقته لها،جاهدوا أنفسكم ولاتجعلوا للشيطان عليكم سبيلا.
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين