فى التاسع من مارس تحتفل مصر سنويا بذكرى يوم الشهيد، الذى يُخلِّد ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، عام 1969 إبَّان حروب الاستنزاف، وهو يتابع ويشارك جنوده معارك الوطن ضد المحتل الإسرائيلى، وقد أُصيب وهو فى الصف الأول من جبهة القتال عقب تنفيذ خطته العسكرية العبقرية لتدمير خط بارليف، وهى ذات الخطة التى تم تنفيذها فى حرب أكتوبر المجيدة التى حقَّقت نصر مصر والعرب بل المسلمين جميعا على عدو العصر، وكل عصر.
وإن كان 9 مارس هو يوم استشهاد “رياض” إلا أنه أصبح يوما مشهودا لكل شهداء الوطن الذين يُقدِّمون أرواحهم فداءً وذوداً عن الوطن الكريم، سواء كانوا من أبناء القوَّات المُسلَّحة أو الشُرطة البواسل أو من المواطنين الشرفاء، الذين يُضحّون بالغالى والنفيس من أجل مصرنا الحبيبة- دون انتظار المقابل- ومازالت تضحيّاتهم مستمرة فى معركتهم ضد خفافيش الظلام وأصحاب الأفكار المُخرِّبَة المُعاديّة للإنسانية والوطنيّة، ومازالت أرض المحروسة ترتوى من دماء أبنائها الأبطال لتمد الوطن وأهله بالحياة والاستقرار، أى أنهم يُضحّون بأرواحهم من أجل حياة الآخرين، ومن أجل استمرار وازدهار الوطن، وهذا من أعظم وأَجَلِّ المنازل، فحقّهم علينا أن نذكرهم دوما وأبدا جزاء ما قدّموا، هذا جزاء البشر فى الدنيا، فما بالنا بجزاء الله تعالى لهم فى الدنيا والآخرة؟! لاشك أنه أبقى وأعظم من أن يُحصى أو يُعدّ! وعلى القمّة منها أنه حىٌّ عند ربِّه، يشهد على العالمين ويشهد نعيم الجنَّة، وهو مشهود دنيا وآخرة، وروحه تسرح فى الجنَّة فى قناديل، وكأنه لا يرى أهوال يوم القيامة، وكأنه ليس بينه وبين الله سوى الموت، لذا فكل ما يتمنَّاه الشهيد يوم القيامة أن يعود إلى الدنيا حتى يُقتل ثانية وثالثة ورابعة، من عِظّم ما رآه من مكانة أعدَّها الله له.
ويكفى الشهيد فخرا ما بشَّره به سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- من مكانة ومنزلة عظيمة عند الله، حتى أن سيّدنا رسول الله- صاحب المكانة العالية والمنزلة الرفيعة- تمنّى أن يموت شهيدا- وهى الدرجة التى نالها نتيجة تناوله سُمَّ يهوديّة خيبر، فمازال يعانيه حتى نال ما تمنى بعد نحو عامين من وقوعها، وكان يقول: “سُمَّ خيبر قطع أبهرى” أى الأورطى، ليجمع إلى منزلته ومكانته العليّة مكانة ومنزلة الشهيد، وهو نفس حال الخلفاء الراشدين.
ومن رحمته- صلى الله عليه وآله وسلم- بأُمَّتِه أنه وسَّع دائرة الشهداء لتشمل تسعة أنواع، منها: المبطون، الغريق، الحريق، صاحب الهدم، المرأة فى نفاسها، الدفاع عن المال والعِرض والوطن، حتى من مات وهو خارج يسعى على والديه أو أبنائه أو يعف نفسه، فما أكرمك وأرحمك، وصدق من سمَّاك “الرءوف الرحيم” القائل “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
ومن عَظَمة ومنزلة ومكانة الشهيد أن خيره وتضحياته لا تقتصر على نفسه فحسب، بل تمتد لتصل أهله وأحبابه وأقاربه حتى أنه “يشفع فى سبعين من أهله” كما ورد فى الحديث الشريف.
وإذا أردنا الحديث عن الشهيد ومنزلته فلن تكفيه مجلَّدات، وإنما ندعو الله تعالى أن يُكرمنا بالشهادة فى سبيله، اللهم آمين.