من العيب بمكان، ومن دروب الجنوح عن العدل والأحكام، أن نعرض سلوك الحكام على ميزان الأعلام، الصديق أبو بكر، والعادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وذو النورين عثمان بن عفان، وحبيب قلبى على بن أبى طالب، والزاهد عمر بن عبدالعزيز وغيرهم، ولا نعرض سلوكنا كشعوب على ميزان الصحابة والتابعين الذين حكمهم هؤلاء.
وهنا تكتنفنا أنفاس إبليس فتدفعنا لفعل الآثام والمعاصى وسوء الأخلاق ونلقى التبعة على الحكام، نفعل كل الرذائل ونحن مطمئنون مرتاحو البال، مبررون ذلك بأننا شعب مظلوم والحكام هم الذين يسعون فى الارض فسادًا، وفى الحقيقة «وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .»
هذه قضية طرحها رجال الإصلاح فى العالم الإسلامى منذ فترات، هل صلاح المجتمع يأتى من القمة أى صلاح الحكام؟ أم من القاعدة أى إصلاح الشعب؟ الذى يأخذ بالطرح الأول وهو إصلاح الحكام هو إنسان ثائر يختصر الطريق، يبرر العنف ويسعى للكبرياء، بل يكون كل همّه السلطة والاستعلاء.
أما من يتمسك بالطرح الثاني، أى إصلاح القاعدة “الشعب” فهو إنسان متفان، متواضع، صادق النية، قوى العزيمة، لين ، بشوش، رقيق النفس، طويل البال، يتمنى أن يعيش وسط جنَّة فيحاء تجرى من تحتها الأنهار، ولكن لا يهمه أن يمتلك تلك الجنات، فالأول يسعى أن يمتلك الجنة والبساتين مهما تحولت إلى رماد، والثانى يأمل أن يعيش فى تلك البساتين ولا يشترط تملّكها.
هذه النقطة الفلسفية الدعوية التاريخية تدعونا أن نتوقف على سير المجتمعات الحديثة، وهنا نفترض جدلاً أن حكام المسلمين غاية فى السوء، فهل نحن غاية فى الفضيلة؟!
فإذا كان الحاكم متكبرا ظالما لا يقبل من يعارضه، فهل نحن كأفراد وجماعات نقبل من يعارضنا؟! ونتقبل الرأى الآخر؟! هل يقبل أى مسئول خاص أو عام أن يعارضه من هو أقل منه أو تحت إمرته؟!
أعتقد ان الإجابة هنا ستكون لصالح الحكام. إذا كان الحكام يسعون فى الارض فساداً لمصالحهم الخاصة، فمن منا يسعى إلى إصلاح الأرض على حساب نفسه؟ مثلاً، من منا يعمد لرفع الأذى عن الطريق؟ من منا لم يضع أخدودا أمام بيته كى يوصل لداره الماء والكهرباء ويترك الحفر تهلك من يمر عليها؟ من منا رفع الألم عن مريض فقير بكشف زهيد؟! والحقيقة تقول اننا نزيد الألم على المرضى الفقراء بالمغالاة فى الكشف والعلاج! من منا عفَّ لسانه فى حالة الغضب عن جاره أو زميله أو صديقه أو حتى قريبه؟
حالات الغش والتلاعب بأقوات الشعب، والكذب، والنصب، كلها يقوم بها الأفراد وأصبحت بديهيات فى سلوكيات المجتمعات، فمن الظالم إذن؟
علينا أن نتخلَّق بأخلاق الصحابة حتى نُحكم بأخلاق، أبى بكر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبدالعزيز.