بقلم/ د. دعاء صبري عبدالرحمن
عضو المكتب الفني لرئيس قطاع المعاهد الأزهرية
يُعتبر العلم والأخلاق ركيزتين أساسيتين في بناء المجتمعات المتحضرة. فالعلم بدون أخلاق يفقد جوهره الحقيقي، والأخلاق بدون علم تفقد قدرتها على تحقيق التقدم والازدهار. ومما لا شك فيه أن العلم له هيبته ووقاره منذ بدء الخلق، وقد عظم الله سبحانه وتعالى قيمة العلم وقَدر العلماء وأَجْر طَلبتِه في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. فقد كرَّم العلماء بوصفهم ورثة الأنبياء (إنما العلماء ورثة الأنبياء)، وجعل الطريق إلى العلم مدخلاً يسيراً من مداخل الجنة، كما جاء في الحديث الشريف (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة).
من ناحية أخرى، هناك علاقة وطيدة بين العلم والأخلاق وتقدم الأمم، فكما قال الشاعر أحمد شوقي: “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. ونحن في زماننا المعاصر، نشهد طفرة في التقدم التكنولوجي، تبرز تحديات جديدة تهدد هذه القيم الأساسية.
فقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ما يحدث في بعض حفلات التخرج لطلاب الجامعات المصرية من أفعال وتصرفات يرفضها ويستنكرها كل من يقدر قيم العلم والأخلاق. هذه التصرفات لا تسيء فقط لصورة التعليم، بل تمثل تراجعًا مخيفًا في مستوى الوعي القيمي والأخلاقي.
أن يتجاوز الطلاب حدود اللياقة والأدب في محفل -وإن كان غير رسمي وبمكان عام- ويتم نشره وترويجه يمثل خطأً فادحًا يستوجب التوجيه والإرشاد والتقويم من المجتمع ومن قامات العلم والأدب بشكل عام، ومن أولياء الأمور والمربين بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن هذا يثير الاستياء، فإن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل وصل إلى حد صادم في إحدى الجامعات، داخل الحرم الجامعي في حفل تخرج رسمي بحضور قيادات الكلية وهيئة التدريس، وحدوث مثل هذه التصرفات في حضورهم يعد انتهاكًا لحرمة الحرم الجامعي، وعارًا حقيقيًا على المستوى العلمي والأخلاقي والمجتمعي.
هذه الوقائع تتطلب وقفة جادة من المجتمع بأسره، حيث يتعين علينا جميعًا التصدي لهذه الظواهر السلبية ومعالجتها بحكمة وعقلانية. علينا أن نعيد النظر في قيمنا وسلوكياتنا وأن نعمل على تعزيز احترام العلم والأخلاق في نفوس الأجيال القادمة. من خلال تضافر جهود الأسر، والمدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام، يمكننا أن نضمن بقاء مصرنا الحبيبة منارة للعلم والأخلاق كما كانت دائمًا.
ومن الجدير بالذكر أن نسلط الضوء على ما قد يغفل عنه شريحة كبيرة من المجتمع المصري، حتى لا يكون التركيز على ما هو سلبي فقط في هذا الشأن المستحدث على مجتمعنا. فمن بين ما يؤكد احترام هيبة العلم ورفعته هو ما يحدث في حفلات تخرج الأزهر الشريف بكلياته وفروعه في المحافظات، حيث ظهر الطلاب بمظهر مشرف، مما يشعرك بالفخر وتقدير قيمة العلم ومكانته، تتجلى في سلوكيات الطلاب الرقي واللياقة الرفيعة المستوى سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه.
لذا أؤكد أن الخير موجود في مجتمعنا المصري رغم بعض الشوائب التي تعكر صفو أصالتنا، ويحتاج إلى تسليط الضوء عليه ودعمه وتأكيده وتصدير صورته المشرفة إلى العالم أجمع.
وأخيرًا، حفظ الله طلابنا أخلاقًا وعلمًا، حفظ الله العلم والعلماء، وحفظ الله مصرنا الحبيبة وجعلها دائمًا منارة العلم والعلماء مهما مرت عليها رياح وعواصف عابرة.