بقلم الدكتورة حنان شبانة
الأستاذ المساعد بجامعة تبوك سابقا
اختيار جنس المولود يشير إلى التقنيات والإجراءات التي يستخدمها الإنسان لتحديد ما إذا كان الجنين سيكون ذكرا أم أنثى تشمل هذه العمليات اختيار الحيوانات المنوية والفحص الجيني للأجنة، مما يعكس التقدم في مجالي التقنية الحيوية والعلوم الجينية.
وكما يقال، “الأطفال هم زهور الحياة وزهور المستقبل التي ستزين العالم بألوانها المتعددة.” في هذا السياق، يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تجعل بعض الأزواج يفضلون إنجاب ولد أو بنت، وكيف يمكن أن تساعدنا التقنية الطبية الحديثة في تحديد جنس المولود.
ويعتبر اختيار جنس الجنين موضوعا يثير العديد من النقاشات والأفكار المثيرة، فهو ليس مجرد قضية طبية، بل يتداخل مع العديد من الأبعاد الشخصية، والثقافية، والاقتصادية. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب المختلفة وراء هذا الاختيار، بدءا من الضرورات الطبية وصولا إلى التفضيلات الشخصية والاجتماعية.
تخيل أنك تقف أمام قرار يتطلب منك اختيار جنس مولودك القادم. ما هي العوامل التي ستؤثر في قرارك؟ هل هي المخاوف الصحية؟ أم التطلعات الشخصية؟ أم ربما الضغوط الاجتماعية والتقاليد العائلية؟ سنسلط الضوء على كيفية تأثير الأمراض الوراثية التي تنتقل عبر الصبغيات الجنسية على هذا القرار، وكيف يمكن أن تلعب التفضيلات الثقافية والمعتقدات القديمة دورا في تفضيل جنس على آخر. كما سنناقش الدوافع الاقتصادية والسياسية التي قد تدفع بعض المجتمعات إلى تفضيل إنجاب الذكور، بالإضافة إلى الأسباب الشخصية التي تجعل بعض الأزواج يسعون لتحقيق التوازن الأسري.
وتعتبر الأسباب الطبية لاختيار جنس الجنين من أبرز الدوافع فبعض الأمراض الوراثية تنتقل عبر الصبغيات الجنسية، مما يجعلها تصيب جنسا دون الآخر. على سبيل المثال، مرض الناعوري، الذي يسبب نزيفا -تلقائيا- وقد يكون مميتا، يظهر غالبا بين الذكور. كذلك، مرض الضمور العضلي يؤثر على الذكور أكثر من الإناث. في هذه الحالات، يمكن للأطباء التوصية بإجراءات تضمن إنجاب جنس معين لتجنب هذه الأمراض، مما يعد خطوة وقائية مهمة.
إلى جانب الأسباب الطبية، يمكن أن تؤثر العوامل الاقتصادية على قرار اختيار جنس الجنين. في بعض المجتمعات، يعتقد أن الذكور أكثر قدرة على القيام بأعمال معينة نظر لتكوينهم الجسماني. هذه الفكرة، على الرغم من أنها قديمة نوعا ما، إلا أنها لا تزال موجودة في بعض الثقافات.
وتندرج الأسباب الشخصية لاختيار جنس الجنين تحت قسمين رئيسين. أولا، يمكن أن يكون للأزواج أطفال من جنس واحد ويرغبون في إنجاب طفل من الجنس الآخر لتحقيق نوع من التوازن داخل الأسرة. ثانيا، قد يكون لدى البعض تفضيل لجنس معين، وهي ظاهرة شائعة في عدة مناطق حول العالم، حيث يفضل الذكور على الإناث في بعض الأحيان.
من ناحية أخرى، هناك من يعتقد أن زيادة عدد الذكور يمكن أن تعزز من القوة العسكرية للدولة. يظن هؤلاء أن الذكور أكثر استعدادا للمشاركة في الحروب والمعارك. وبالمثل، يمكن أن تكون هناك دوافع سياسية لزيادة عدد الذكور لدواع أمنية أو اقتصادية.
وتلعب العادات والتقاليد دورا كبيرا في تفضيل جنس معين على الآخر. وقد يخضع الأفراد للضغوط الاجتماعية التي تملى تفضيلاتهم فيما يتعلق بجنس المولود. فهذه الضغوط قد تنبع من موروثات ثقافية أو معتقدات قديمة.
ومن هنا تبرز أهمية النظر في الأحكام الشرعية المتعلقة باختيار جنس المولود.
في الشريعة الإسلامية، تختلف آراء الفقهاء حول مسألة اختيار جنس المولود. فبينما يجيز بعضهم هذه الممارسة، يمنعها آخرون، ويتوقف بعضهم عند شروط محددة. والرأي الأكثر ترجيحا هو الجواز بشرط الالتزام بضوابط معينة لتفادي الأضرار المحتملة. ومن هذه الضوابط اقتصار اختيار الجنس على الحالات الضرورية فقط، وعدم الترويج لها كسياسة عامة. ويجب أن يقوم بهذه العملية طبيب مسلم موثوق به.
علاوة على ذلك، يتعين اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ماء الرجل وتجنب الاختلاط، وضمان الحفاظ على العورات وصيانتها. كما ينبغي مراقبة نسب المواليد بشكل مستمر، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع أي اختلال في هذه النسب. وفي النهاية، ينبغي الإقرار بأن هذه الوسائل تخضع لمشيئة الله وتقديره.
بهذا السياق، تتداخل العادات والتقاليد مع الأحكام الشرعية، مما يجعل من الضروري التوفيق بينهما بما يحقق المصلحة العامة ويحفظ التوازن الاجتماعي والديني.
وفي ضوء ما سبق، نجد أن اختيار جنس الجنين ليس مجرد فلسفة؛ إنه أسلوب حياة يجسد قيم المجتمع والمعتقدات الشخصية في كل جوانبها. إن التقنية الحديثة توفر لنا إمكانات غير مسبوقة، لكنها تأتي أيضا بمسؤوليات كبيرة. فاتخاذ قرار بشأن جنس الجنين ليس مجرد إجراء تقني، بل هو رحلة تتطلب منا التأمل العميق في قيمنا ومعتقداتنا. فهل نحن على استعداد لاستخدام هذه القوة بحكمة ورزانة؟
علينا أن نتذكر دائما أن كل طفل يولد هو بادرة أمل جديدة وفرصة لصنع مستقبل أفضل بغض النظر عن جنسه، يجب أن نحتفي بقدومه إلى هذا العالم، وأن نغمره بالحب والدعم غير المشروطين. قد تكون خياراتنا معقدة، لكن الحقيقة البسيطة هي أن كل إنسان، بتنوعه الفريد، هو نعمة عظيمة.
وكما يقال: “التحديات هي التي تجعل الحياة مثيرة، والتغلب عليها هو ما يجعل الحياة ذات معنى”، فلنتخذ قراراتنا بوعي، مستندين إلى قيمنا الإنسانية العميقة، ومعززين الاحترام والتقدير لكل حياة جديدة. لنكن حكماء في اختياراتنا، مستلهمين من رؤى مستقبلية متفائلة، ومتمسكين بالأمل بأن كل مولود يأتي إلى هذا العالم يحمل في طياته إمكانات لا حدود لها.
فكر: إذا كانت لديك القدرة على تحديد جنس مولودك، كيف ستؤثر قيمك ومعتقداتك في قرارك، وما هي المسؤوليات التي ستتحملها تجاه هذا القرار؟.