الإسلام دوما يعلي من قيمة العقل ويعتبره أبدا مناط التكاليف الشرعية، ومستقبِل الأحكام الإلهية، فجاء القرآن الكريم بتعاليمه وتوجيهاته يعمل على بناء العقلية العلمية المستقيمة، ويهدم العقلية الخرافية التي تسير على غير هدى، وتتبع بلا دليل، وتدعي دون برهان، فالعقل الإنساني محدود المعرفة بحدود القدرة والخبرة البشرية، فضلا عن حدود الزمان والمكان، مما جعل كثيراً من المعلومات والأفكار تحجب عنه ولا يستطيع إدراكها. ومن هنا فإن العقل الرشيد يفتقر إلى الوحي الرباني يرشده إذا ضل، ويعلمه إذا جهل ويذكره وقت النسيان وينبهه عند الغفلة، فالوحي بالنسبة إلى العقل هز نجم الاهتداء ومنار الظلمات والعاصم من الزلل.
وبناء على ذلك فالوحي الإلهي لم يلغ عقل الإنسان في توجيه إرادته وحرية اختياره ولا في فهم النصوص وتفسيرها واستنباط الأحكام وترجيحها بل ترك له حرية التدبر والاستنباط والتأمل شريطة الانضباط بالنصوص المعصومة.
يقول الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) سورة سبأ:(٤٦).