بقلم جهاد شوقي السيد
يبدأ الإنسان رحلته وهو لا يعلم شيئا، ولا يحمل ضغينة بداخله ،كالصفحة البيضاء ، يحمل فقط الغريزة والفطرة الطيبة التي خلقها الله بداخله، ويضمن له رزقه، ويزرع الحب في قلب أمه وأبيه ، ويصبح شغلهم الشاغل هو توفير الراحة والرخاء له وهو لا يعلم شيئا عن هذا، فقد هيأ الله له الأسرة لاستقباله، ويبدأ هذا المخلوق يتعرف على العالم والبيئة المحيطة به ويكتسب بعض المهارات الأولية، وتدب روح المعرفة والفضول في جسده، ويتعرف على الجيد والسيئ من العادات، وتقوم الأم بتقييمه وتعليمه فنون الحياة، ويسخرها الله لهذا الكائن ويجردها من أي أنانية فتنسى متطلباتها وتضعه في قائمة الأولويات، وتكون مهمة الأب الاهتمام بهما هما الاثنين، وتهيئة جو يخلو من التوتر لهما، ويقوم هو بالأمور المادية حتى يتيح الفرصة للأم لتقوم بدورها تجاه هذا المخلوق.
وهنا نرى رحمة الله الواسعة بعباده، فقد هيأ لهذا المخلوق الأوضاع قبل أن يأتي الدنيا، وألقى في قلوب والديه حبه وضمن له رزقه، فكيف تكون رحمة الله بعباده وهم يعلمون به ويسجدون له ويطلبون رحمته ويستغفرون ويطلبون الرزق منه، فقد ضمن رزق من لا يعلم وهو في بطن امه، فما بالك وانت تطلب من السميع العليم!!
وما أكثر مشاكل هذا العصر فالجميع يبحث عن الرزق، ويصيب بعض الناس اليأس عندما تقع في طريقهم العقبات وينسون أن هنالك خطة كبيرة يديرها الله لنا فكلنا تروس في منظومه كبيرة، ولنا في سورة الكهف الكثير من الأمثلة فعندما قام سيدنا الخضر بخرق السفينة، ظن سيدنا موسى أن هذا شر وقد يغرق أهلها وهو لا يعلم ان وراءها ملك يأخذ كل سفينة غصبا وقصة الغلام الذى قتله، فقتل النفس جزاؤه كبير عند الله، ولكن أيضا كان هذا لخير وعطاء آخر من عند الله، والجدار الذى يريد ان ينفض.
وكلها أمثله تواسي وتهدهد قلب المؤمن وتملؤه صبرا بما لم يحط به علما، فقد يكون ظاهر الأمر هو شر ولكن في طياته تكون خطة خالق الكون الواحد الأحد، فهو يعلم ونحن لا نعلم ببواطن الأمور، فنحن كالأطفال الذين لا يعلمون شيئاً ولكن يعلمون أن الله لن يتركهم، وأن اللجوء له مفتاح الخروج من كل كرب، فدوام الحال من المحال.
وقد تتغير الأوضاع كما تتغير فصول السنة فلا شيء يدوم، ولكن علينا أن نرسخ هذا في قلوبنا ونعلم أن خالق الكون معنا دائما فنحن صنعته التي يحبها فكيف لا ينجينا! انه فقط اختبار الصبر على ما لم نحط به علما وواجبنا تجاه انفسنا أن نحفظ قلوبنا ولا نملأها إلا بالخير الذى فطرنا الله عليه، وهنا تكون النجاة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.