هلَّ علينا شهرُ ربيع الأول، الشهر الأنور الذى يحمل كلّ أنواع وصور الفَرَح والسُرور، لتشرُّفه باحتضان ميلاد خير البريّة، سيّد ولد آدم، رسولنا الكريم- صلّى الله عليه وآله وسلّم- الذى أكرَمه ربُّه فاختار له التنقُّل بين الأصلاب والأرحام الطاهرة، وأدَّبَه فأحسن تأديبه، فكان كما وصفه ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” (سورة القلم:4).
وإذا كان الكونُ كلُّه قد امتلأ بالفرح والسرور، فَحُقَّ لنا كأتباع ومُنتسبين لدينه أن نكون ضمن هذا الكون الفَرِح المسرور، بإحياء هذه الذكرى الطيّبة المُباركة على قلب كلّ مؤمن مُحبٍّ.
وتزامن مع مولده بِشارات وعلامات عدّة، أولها ما جاء على لسان السيّدة آمنة بنت وهب- والدة سيّدنا النبى- لحظة ميلاده، مِنْ حَدِيثِ سيّدنا عبدالله ابْنِ عَبَّاسَ-: (لَمَّا أَنْ أَخَذَنِى مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِى أَحَدٌ لاَ ذَكَرٌ وَلاَ أُنْثَى، وَإِنِّى لَوَحِيدَةٌ فِى الْمَنْزِلِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِى طَوَافِهِ، فَسَمِعْتُ وَجْبَةً عَظِيمَةً وَأَمْرًا عَظِيمًا أَهَالَنِى، ثُمَّ رَأَيْتُ كَأَنَّ طَائِرًا أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِى فَذَهَبَ عَنِّى الرُّعْبُ وَكُلُّ وَجَعٍ أَجِدُهُ، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ فَتَنَاوَلْتُهَا فَأَصَابَنِى نُورٌ عَالٍ، ثُمَّ أُرِيتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ طِوَالاً، كَأَنَّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ مَنَافٍ يُحْدِقْنَ بِى، فَبَيْنَا أَنَا أَتَعَجَّبُ وَأَنَا أَقُولُ: وَاغَوْثَاهُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ، وَاشْتَدَّ بِىَ الأَمْرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِى كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمُ وَأَهْوَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ سَدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: خُذَاهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رِجَالاً قَدْ وَقَفُوا فِى الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ نَظَرْتُ، فَإِذَا بِقُطْفَةٍ مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِى، مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ، وَأَجْنَحِتُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ، فَكَشَفَ اللهُ عَنْ بَصَرِى، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَرَأَيْتُ ثَلاَثَةَ أَعْلاَمٍ مَضْرُوبَاتٍ؛ عَلَمًا بِالْمَشْرِقِ, وَعَلَمًا بِالْمَغْرِبِ, وَعَلَمًا عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَأَخَذَنِى الْمَخَاضُ فَوَضَعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم).
وبفضل الله لقدْ مَنَّ علىَّ- سبحانه وتعالى- مع مطلَع هذا الشهر الكريم، بحضور عدد من الفعاليات والاحتفاليات التى تعمُّ بالفرحة والبهجة لذكرى مَقْدَم خير البريّة فى مثل هذا الشهر من عام الفيل 571م، أوّلها احتفال المشيخة العامّة للطُرق الصوفية بتكريم عدد من العلماء العاملين المُخلصين وهم: د. أسامة الأزهرى، د. نظير عياد، د. على جمعة، د. شوقى علام، بحضور العلامة د. أحمد عمر هاشم، السيّد محمود الشريف.
وأكْرَمَنى المولى- عزَّ وجلَّ- بالمشاركة فى فعاليات المُلْتَقى العالمى للتصوّف فى نسخته الـ19 والذى تقيمه سنويّا فى هذا الوقت، مشيخة الطريقة القادريّة البودشيشية بناحية مداغ، مدينة وَجْدَة المغربيّة، تحت الرعاية الساميّة لجلالة الملك محمد السادس- حفظه الله- ورئاسة العارف بالله مولاي جمال الدين القادري بودشيش- رضي الله عنه- ومؤسّسة المُلْتَقَى، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، ومؤسّسة الجمال، بإشراف بِشَارة العارفين سيدي د. منير القادرى- رئيس مؤسّسة الملتقى، مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، نائب الطريقة القادرية البودشيشة- بحضور حوالى 500 عالم وصوفى من مختلف أنحاء العالم، فى تظاهرة صوفيّة تُعبِّر عن الحبّ والفرح والسرور بذكرى ميلاد سيّدنا الرسول.
فما علينا إلا الاقتداء والتأسِّى بسيّدنا الرسول فى أخلاقه وشمائله، حتى نَعْدِل ميزان حياتنا بما يحقّق السعادة لنا دُنيا وآخرة.
وكل عام وكل الإنسانيّة فى فَرَح وسرور وبهجة ومحبّة.