بقلم كواعب أحمد البراهمي
لو اردنا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كفى عمرنا كله . ومهما كتبنا عن سيرته وخلقه وتعامله فلن نعطيه حقه . وقد قال الله سبحانه وتعالى عنه : و إنك لعلى خلق عظيم .
ولكن سوف اقصر كتابتي اليوم على بعض المعلومات عن نشأته , وبداية الرسالة .
فقد نشأ -صلى الله عليه وسلم- في أسرة كريمة وعريقة هي بني هاشم و التي هيأت له أسباب الرعاية، واهتمت به اهتماماً بالغاً بسبب يتمه، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، فتولى أمره جده عبد المطلب، فاعتني به أفضل عناية ورعاه حق الرعاية، وأختار له من المرضعات أكفأهن، فاسترضع له امرأة من بني بكر وهي حليمة السعدية فنشأ أول حياته في بادية بني سعد، فأولته حليمة عنايتها وحرصت على بقائه عندها حتى بعد إكمال السنتين، لما رأت من البركة في وجوده بينهم، فجاءت به لأمه -بعد أن أكمل سنتيه- وأقنعتها بأن يرجع معها، قالت حليمة: وهي تروي خبرها، فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرجو من بركته، فكلمتُ أمه، وقلت لها: لو تركت ابنك عندي حتى يشتد عوده، فإني أخشى عليه وباء موجودا بمكة، قالت فلم نزل بها حتى أقتنعت وردته معنا.
وهكذا بقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بني سعد، حتى كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده،
ثم ردته حليمة السعدية إلى أمه، فمكث في رعايتها إلى أن بلغ من العمر ست سنين، فتوفيت أمه، فكفله جده عبد المطلب فحنَّ عليه ورقَّ له رقة شديدة، حتى إنه من شدة حبه له واعتنائه به، كان يقدمه على سائر أبنائه ويؤثره عليهم.
ولما بلغ من العمر ثماني سنوات توفى جده عبد المطلب، فكفله عمه أبو طالب وقام بحقه حق القيام، فضمه إلى أولاده، وقدمه عليهم واختصه باحترام وتقدير زائدين، واستمر أكثر من أربعين سنة يعزز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويُصادق ويُخاصم من أجله.
عمل صلي الله عليه وسلم-في طفولته يرعى الغنم في بني سعد وفي مكة لأهلها. ولما بلغ الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجراً إلى الشام في مال لخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من البركة والأمانة ما رأت، رغبت في الزواج منه، فتزوجها، وكانت أول امرأة تزوجها -صلى الله عليه وسلم-، فكانت خير معين له على أعباء الحياة، ومن ثَمَّ على أعباء الرسالة، لمَاَّ نزل عليه الوحي.
وقد كان يكني بالصادق الأمين فامتاز في قومه بصفات حميدة، وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلُقاً، وأصدقهم حديثاً، وأكثرهم أمانة، ولم يشهد عليه أحد أنه كذب أبدا .
بل كان كما وصفته أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-: يحمل الكَلَّ، ويكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويُعين على نوائب الحق.
وقد روي في صدقه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : لما نزلت الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد النبي على الصفا فجعل ينادي : ” يا بني فهر ، يا بني عدي – لبطون قريش – حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ، قال : ” فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ” ، فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب .
كان سيدنا محمد يذهب إلى غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة فيأخذ معه السويق والماء فيقيم فيه شهر رمضان. فيختلي فيه وذلك قبل نزول القرآن عليه بواسطة أمين الوحي جبريل ويقضى وقته في التفكر والتأمل.
وعن نزول الوحي تذكر كتب السيرة النبوية أن الوحي نزل لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، حيث جاء الوحي عن طريق الملك جبريل، فقال له: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» – أي لا أعرف القراءة، قال: «فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني» فقال: اقرأ، قلت: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني» فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، ثـم أرسلني»، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ , خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .”
فأدرك محمد أن عليه أن يعيد وراء جبريل هذه الكلمات، ورجع بها يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة، فقال: «زَمِّلُونى زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لزوجته خديجة: «ما لي؟» فأخبرها الخبر، «لقد خشيت على نفسي»،
فقالت له السيدة خديجة: «كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»،
ثم انطلقت به أمنا خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان حبراً عالماً قد تنصر قبل الإسلام، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخًا كبيراً فأخبره خبر ما رأى، فقال له ورقة: «هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى.
وقد جاءه الوحي جبريل أخرى جالسا على كرسي بين السماء والأرض، ففر منه رعباً حتى هوى إلى الأرض، فذهب إلى زوجته خديجة فقال: «دثروني، دثروني، وصبوا علي ماءً بارداً»،
فأنزل الله قوله: “يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِر وَرَبَّكَ فَكَبِّر وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ”.
وهذه الآيات وما قبلها هي بداية رسالته ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع لمدة ثلاثة وعشرين عاماً حتى وفاته. صلوات الله عليك يا حبيبي يا رسول الله .