د.محمد حواش: أدعو الأجيال لقراءة السيرة النبوية والاستفادة منها في حياتهم
د.مؤمن الخليجي: رسولنا رحمة الله المهداة لإخراج البشر من الظلمات إلى النور
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بجامع سيدنا عمرو بن العاص بالقاهرة، بالتعاون بين عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري،وزير الأوقاف، تحت عنوان:” وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ” أن الاحتفال بالمولد النبوي والفرح بهذه الذكرى العطرة واجب على كل مسلم غيور لدينه ومحب لنبيه صلى الله عليه وسلم.. وأشاروا إلى أهمية الاقتداء بخاتم الأنبياء وقراءة سيرته العطرة التي فيها الصلاح والفلاح لمن يريد خير الدنيا والآخرة.. وطالبوا بأن يكون الفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم بمزيد من الطاعات وكثرة الصلاة عليه وخاصة أن الله صلى عليه وأمرنا بكثرة الصلاة عليه لأن فيها البركة والخير ويكفيه أن يكون من أقرب الناس مجلسا منه يوم القيامة، بدأت الندوة بتلاوة قرآنية مباركة من الشيخ أشرف خلف.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتى، أن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعد أهم حدث في تاريخ البشرية لأنه أخرج البشرية من عبادة الأصنام إلى التوحيد، ومن الظلمات إلى النور، فيكفيه وصف ربه له” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، ووصفه لنفسه بقوله:” إنَّمَا أنَا رحمةٌ مُهداةٌ”، وستظل هذه الذكرى الغالية باقية في قلب وعقل كل مسلم غيور على دينه ومحب لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه القائل:” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ”، قال ﷺ عن نفسه متواضعا:” أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ، وأنا أولُ مَن تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخرَ، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ”، فيحق لنا أن نحتفل ونفرح به ونكثر من الصلاة عليه طوال العام، وليس يوم مولده فقط رغم أنف المتنطعين.
ذكرى عطرة
أكد الدكتور محمد حواش، عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بديون وزارة الأوقاف، النبي صلى الله عليه وسلم الذي نحتفل بذكرى مولده في شهر ربيع الأنور هو دعوة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام عندما وضع القواعد من البيت مع ابنه اسماعيل عليه السلام :”رَبَّنا وابْعَثْ فيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عليهِمْ ءاياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ”، فاستجاب الله تعالى دعاءه في بارسال نبينا ، كما أنه بشرى المسيح عيسى ابن مريم وسجل القرآن هذه البشارة على لسانه:”وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يأتِي مِنْ بَعْدِي اسمُهُ أَحْمَدُ”، اصطفاه ربه من الأصول الطاهرة من الذبيح الأول إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، حتى والده عبد الله بن عبد المطلب الذبيخ الثاني، وقال عن هذا النسب الشريف:« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسماعيل، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، وسُئِلَ ﷺ عن نفسِهِ فقالَ:” أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ”
أضاف قائلا: يجب علينا الاحتفال بمولد رسولنا صلى الله عليه وسلم بالأعمال الصالحة ما ظهر منها وما بطن، والابتعاد عن البدع والمعاصي، لأن لا يمكن فصل طاعة الرسول عن طاعة الله القائل:” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، وحذرنا الله من مخالفة تعاليم الإسلام وما جاء به رسولنا فقال الله تعالى:” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”، فالحب الحقيقي للرسول يكون باتباعه وطاعته، والحب ليس مجرد شعارات جوفاء، أو التمايل والتراقص الذي لا معنى له، أو القيام بأفعال أو أوقال منافية لصحيح الدين، ولهذا قال الله تعالى:” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، وقال النبي:” مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ” النّبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ”. وقال ﷺ:” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”، وهذا الحب للنبي لم يأت من فراغ وإنما لأن ربه كرمه وحدد الأهداف السامية لرسالته بقوله:” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا.وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا”
وأضاف قائلا: نتشرف بذكرى المولد النبوي، وأؤكد أن حال الأمة كلها أفرادا وجماعات سيتغير للأفضل إذا تعرفت على السيرة النبوية، وطبقت ما جاء به الإسلام من أوامر إلهية تجعلها تستعيد خيريتها التي قال عنها الله تعالى:” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”، فهل طبقنا شروط الخيرية ويرتبط بستعادة الخيرية البعد عن التنازع وعوامل الضعف التي جعلتنا مطمع للأعداء بعد أن كنا سادة العالم حيث استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سنوات معدودات من تحويل العرب من الضعف إلى القوة، ومن مفاسد الأخلاق إلى مكارمها، ومن عبادة الأوثان والأصنام إلى عبادة الله، ولم يحدث ذلك إلا عندما امتثلوا لأمر ربهم القائل:” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
وطالب كل المسلمين أن يحسنوا قراءة السيرة النبوية والتخلق بأخلاق النبي، فقد كان الصحابةُ – وهم خير خلق الله بعد الرسل والأنبياء- يحرصون على التخلق بأخلاق النبي ويتساءلون عن أخلاقه، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ:«كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ»، بل إنه أخبرنا أن الهدف من بعثته غرس مكارم الأخلاق فقال:” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ”، وقال أيضا:” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا”. فحسن الخلق طريق إلى الجنة، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ”
وأشار الدكتور حواش إلى أن التأسي بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتنا الأسرية والاجتماعية يحل كثير من مشكلاتنا، فهو القائل عن حاله في بيته:”خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي”، وسأل الصحابة أم المؤمنين عائشة: ما كانَ النبيُّ ﷺ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ”، وسأل عروة بن الزبير خالته أم المؤمنين عائشة:” ما كان رسولُ اللهِ يعملُ في بيتِه قالت: كان يخيطُ ثوبَه، ويخصفُ نعلَه، ويعملُ ما يعملُ الرجالُ في بيوتِهم”، ووصف الإمام علي بن أبي طالب أخلاق وسلوكيات رسولنا فقال:” كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَوْسَعَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَلَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ”، بل إن مكارم أخلاقه الكريمة أشارت إليها التوراة والانجيل فقال عبد الله بن عمرو بن العاص:”واللهِ إنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفتِهِ فِي القُرْآنِ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وحِرزًا للأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ”
وأنهى الدكتور حواش كلامه مؤكدا أن كثير من الشعراء مدحوا رسول الله صلى الله عليه في كل مراحل حياته لبيان شمائله باعتباره خاتم الأنبياء، ومنها القصيدة الرائعة التي أبدعها أمير الشعراء أحمد شوقي عن مولد نبينا:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ..وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ..لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي..وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
هدية ربانية
أكد الدكتور مؤمن الخليجي، إمام وخطيب جامع عمرو بن العاص، أن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم خير هدية ربانية للبشرية، فهو نموذج للكمال ومكارم الأخلاق فوصفه بقوله:” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” ، وفصل بعض ما أجمله في مكارم الأخلاق النبوية فقال سبحانه:” لَقَدْ جَاءَكَمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”، وقد احتفل الرسول نفسه بيوم مولده بمزيد من الطاعة ، ففي حديث أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ عن صَومِ يومِ الاثنَينِ فقالَ:” ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ”، فالفرح بيوم وشهر مولده واجب شرعا، وهذا ما يراه جمهور العلماء حينما فسروا قول الله تعالى:” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” حيث فسروا ” وَبِرَحْمَتِهِ” أن المقصود بها الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ووصف نفسه بانه الرحمة المهداة من الله لعباده.
وأشار إلى أن احتفالنا وفرحنا بمولد رسولنا صلى الله عليه وسلم يكون بكثرة الطاعات وتطبيق سنته ودراسة سيرته لعطرة والإقتداء به طوال العام وليس يوم أو شهر فقط، ألم يصل عليه ربه وأمرنا بالصلاة عليه فقال سبحانه:” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم طوال حياتنا هو طوق النجاة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه:” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”، وقد اختار الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه” الخالدون مائة وأعظمهم محمد” كأعظم شخصية في تاريخ البشرية وتأثيره الإيجابي غير المحدود، بل إنه نموذج للكمال والعصمة البشرية.
وأوضح الدكتور الخليجي أن الصحابي جعفر بن أبي طالب لخص أمام النجاشي، ملك الحبشة، في وجود وفد قريش بقيادة عمرو بن العاص الذي تأثر بالخطبة البليغة قبيل دخوله الإسلام ويصبح أحد أهم قادته وفتح مصر في عهد الفاروق عمر بن الخطاب:«أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه.. دعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ..فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث”.
وأشار الدكتور الخليجي إلى أن اختيار الله تعالى لرسول إلإسلام ليكون خاتم الرسل هو نعمة عظيمة، وكان أهل الكتاب من بني اسرائيل وخاصة اليهود ينتظرون أن يكون نبي آخر الزمان الذي أخبرهم الله به في التوراة منهم، وكذلك المسيحيين الذين كانوا ينتظرون أن يكون النبي الخاتم من بني إسرائيل، فلما أنعم الله على العرب وأرسله منهم أعلن غالبية أهل الكتاب العداء لهم، وقد ساد العرب العالم بعد أن كانوا يعيشون في ظلمات الجاهلية والكفر وعبادة الأصنام فقال الله تعالى:” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، فهو نموذج للرحمة مع كل البشر حتى أنه أن يرفض الدعاء على المشركين، عن أبِي هريرة قال:” قيلَ: يا رسولَ اللهِ! ادعُ على المشركينَ، قال:” إنِّي لم أُبعث لَعَّاناً وإنما بُعِثْتُ رحمةً”، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- الذي نحن في رحاب جامع والده- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلَا قَوْلَ اللهِ فِي سيدنا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام:” رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وَقَولَ سيدنا عِيسَى:«إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :«اللَّهُمَّ، أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ»، وقال في القرآن الكريم:” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى”، وقال جمهور المفسرين أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله لأن الرسول لن يرضى وأحد من أمته في النار.
وأنهى الدكتور الخليجي كلامه مؤكدا أن الصحابة الكرام أحبوا رسول الله صلى الله عليه أكثر من حبهم لأنفسهم، فقد قال الفاروق عمر بن الخطاب: يا رسول الله! لأنت أحبُّ إِليَّ من كل شيءٍ إِلا من نفسي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لا والذي نفسي بيده! حتَّى أكون أحبَّ إِليك من نفسك» فقال له عمر: فإِنَّه الآن والله لأنت أحب إِلي من نفسي! فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الآن يا عمر»، وحبنا الحقيقي لرسولنا أمر إلهي حيث قال سبحانه:” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”، ومن جميل ما قاله حسان بن ثابت شاعر الرسول في مدح النبي :
وأفضلُ منكَ لن ترَ قطُ عيني** وأحسنُ منكَ لم تلدْ النساءُ
خُلِقتَ مُبرَّأً مِن كلِّ عيبٍ** كأنَّك قد خُلِقتَ كما تشاءُ