شهر رجب من أشهر الله الُحرم، والتي جاء في فضلها الكثير من الأحاديث الشريفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شهر التهيئة لشعبان والتمهيد لرمضان .
أما معنى كلمة رجب هو الرُّجوب أي التّعظيم
وذكر بعض العلماء أن لشهر رجب أسماء أخرى منها: شهر الله، رجب، رجب مضر، منصل الأسنة، الصم، منفس، مطهر، مقيم، هرم، مقشقش، مبريء، فرد، الأصب، مُعلَّى، وزاد بعضهم: رجم، منصل الآل وهي الحربة، منزع الأسنة.
وقد فسر بعض العلماء بعض هذه الأسماء بما يلي:
رجب : لأنه كان يُرجَّب في الجاهلية أي يُعظم.
الأصم : لأنهم كانوا يتركون القتال فيه، فلا يسمع فيه قعقعة السلاح، ولا يسمع فيه صوت استغاثة.
الأصب : لأن كفار مكة كانت تقول: إن الرحمة تصب فيه صبًا.
رجم : بالميم لأن الشياطين ترجم فيه: أي تطرد.
الهرم : لأن حرمته قديمة من زمن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
المقيم : لأن حرمته ثابتة لم تنسخ، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم.
المُعلى : لأنه رفيع عندهم فيما بين الشهور.
المبرئ : لأنه كان عندهم في الجاهلية من لا يستحل القتال فيه بريء من الظلم والنفاق.
رجب مضر: نسبةً إلى قبيلة مضر؛ حيثُ كانت هذه القبيلة تُبقي وقتَهُ كما هو دون تغيير ولا تبديل مع الأشهر الأخرى على عكس القبائل الأُخرى من العرب الذين كانوا يغيِّرون في أوقات الأشهُر بما يتناسب مع حالات الحرب أو السّلم عندهم. وقال صلى الله عليه وسلم: «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» فقيده بهذا التقييد مبالغة في إيضاحه، وإزالة اللبس عنه قالوا: وقد كان بين مضر وبين ربيعة، اختلاف في رجب، فكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف الآن، وهو الذي بين جمادي وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضر، وقيل أيضًا لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم.
وفضل شهر رجب يدخل في عموم فضل الأشهر الحرم التي قال الله فيها: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))
[التوبة:36].
وثبت في الصّحيحين عن سيّد المرسلين ﷺ أنّه قال: “السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا؛ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ”.
وعن قتادة رحمه الله قال: “إنّ الظلمَ في الشهرِ الحرامِ أعظمُ خطيئةً ووزراً من الظلمِ فيما سواهُ، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللهَ يُعظِّمُ من أمرِه ما شاء. وقال: إنَّ اللهَ اصطفى صَفايا من خلقِه؛ اصطفى من الملائكةِ رسلاً، ومن النّاسِ رسلاً، واصطفى من الكلامِ ذكرَه، واصطفى من الأرضِ المساجدَ، واصطفى من الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفى من الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفى من اللَّيالي ليلةَ القدرِ؛ فعظِّموا ما عظَّم اللهُ؛ فإنّما تعظَّم الأمورُ بما عظَّمها اللهُ عند أهلِ الفهمِ والعقلِ”.
وكما أنّ المعاصيَ تعظُمُ في الأشهرِ الحرمِ؛ فكذلك الحسناتُ والطّاعاتُ تعظُمُ وتُضاعفُ في هذه الأيّام؛ فالتّقرّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائرِ الأيّامِ؛ وجعل الذنب فيهنّ أعظم، والعمل الصّالح والأجر أعظم.
ومن مظاهر تفضيل الأشهر الحرم بما فيها رجب أن الصيام فيها مندوب، فعن عثمان بن حكيم الأنصاري قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ونحن يومئذ في رجب فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم”.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للباهلي بعد كلام طويل : “صم من الحُرُم واترك ” ثلاث مرات، وأشار بأصابعه الثلاثة، حيث ضمها وأرسلها.
وفي الحديث الشريف إشارة إلى جواز الصيام والتطوع في شهر رجب وغيره من الأشهر الحرم لما له من ثوابه عظيم، سواء كان هذا الصيام في غرة الشهر أو في أوسطه أو آخره.
ومن المعروف أن الصيام وغيره من العبادات هي من فضائل الأعمال، لذا يجوز للمسلم أن يستزيد من الطاعات في شهر رجب لعموم فضل الأشهر الحرم والتعبد فيها.
ففي الأشهر الحرم ومنها شهر رجب نفحات وأنوار أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نتعرض لله بالطاعات، فقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، ألا فتعرضوا لها” .. والتعرض لنفحات الله في شهر رجب علينا أن ننشغل بالطاعات من صيام وقيام وذكر لله سبحانه وتعالى، وأن نعمر أوقاتنا بالأعمال الصالحة.
بَيِّضْ صَحيِفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ بِصَالِحِ الْعَمَلِ الُمنْجِي مِنَ اللَّهَبِ
شَهْـرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمِ إِذَا دَعَا اللهَ دَاعٍ فِيـهِ لَمْ يَـخِبِ
طُـوبَى لِعَبْدٍ زَكَى فِيـهِ لَهُ عَمَلٌ فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَـبِ
فاللّهمّ بارك لنا في رجبٍ وشعبانَ، وبلّغنا رمضانَ.