د. عبدالمالك الخطيب: التصوف يحمى الإنسانية.. بقيمه الروحية
د. منير القادرى: الأخلاق.. عنوان صلاح الأُمم
رسالة المغرب: مصطفى ياسين
طالب علماء الدين ورجال الصوفية وخبراء القانون بضرورة امتلاك المسلمين لأدوات ووسائل التقنية الحديثة، باعتبار ذلك واجب العصر، ليس لنشر الدين وتوعية المسلمين فحسب بل حماية للإنسانية جمعاء من مخاطر الاستغلال السيئ لها، مؤكدين أن الوسائل التكنولوجية الحديثة إذا تركت بلا ضوابط قيمية وأخلاقية أصبح ضررها أكثر من نفعها، مستشهدين بوقائع التاريخ الإنساني، فحين كان المسلمون أصحاب السبق والريادة العلمية، أفادوا البشرية وخدموها، وحينما تحول الأمر لغيرهم دمروها بالأسلحة النووية والفتاكة.
وحذروا من أن التقدم العلمي بلا أخلاق تضبطه، وقيم توجهه، يتحول إلى معول هدم ودمار للكون كله.
جاء ذلك في ختام فعاليات الملتقى العالمي للتصوّف التاسع عشر، بعنوان “التصوف ومآل القيم في زمن الذكاء الاصطناعي”، الذى نظمته مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية فى زاويتها العامرة بـ”مداغ، ناحية بركان المغربية، تحت الرعاية الساميّة لجلالة الملك محمد السادس- حفظه الله- ورئاسة العارف بالله د. جمال الدين القادري بودشيش، ومؤسّسة المُلْتَقَى، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، ومؤسّسة الجمال. تحت إشراف د. منير القادرى، نائب الطريقة.
وقد رفع د. منير القادرى، برقية شكر وعرفان إلى جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، وولى عهده، بمشاركة أكثر من ٥٠٠ عالم وصوفى من مختلف الجنسيات، وبحضور حوالى نصف مليون مريد ومحب مغربى، ممن سهروا حتى فجر الثلاثاء بالمسجد الكبير بالزاوية، فى أجواء المديح والإنشاد مع فرقة السماع، لسيدى معاذ، وأفتتحها كبير منشدى الإذاعة والتلفزيون المصري الشيخ محمد علي جابين، بآيات الذكر الحكيم.
ويأتى ذلك ضمن احتفالات البودشيشية بإحياء ليالى المولد النبوي الشريف- والتى تستمر طوال شهر ربيع الأول- فرحا برسول الله، ويتزامن معه إقامة خدمات “القرية التضامنية” فى نسختها الثانية عشر، بجانب “بيت الوصال” والقوافل الطبية.
الحالة الروحانية
وانعكست الحالة الروحانية التى يعيشها المشاركون فى الملتقى على سلوكهم العفوى، فكانوا يرددون المدائح والصلوات على الرسول فى ذهابهم وإيابهم، بل يتبارزون بالمديح كما حدث بين فضيلة د. محمد عبدالمالك الخطيب، نائب رئيس جامعة الأزهر، ود. منير القادرى، فى وصلة مديح وإنشاد وشاركهما الشيخ “جابين”، مع فرقة الجمال البودشيشية للمديح، والفرق الاندونيسية والماليزية والكورية، ويلتف حولهم المحبون مرددين خلفهم “الله الله يا رسول الله”.
التوصيات
واستعرض د. عبدالرحيم السنى، التوصيات باللغة العربية، وكانت هناك ترجمتين بالإنجليزية والفرنسية، والتى طالبت بضرورة: التشجيع على الانفتاح الإيجابي على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لما يتيحه من إمكانيات هائلة في شتى الميادين العلمية والمعرفية والمهنية. خلق مرجعية معرفية وقيمية للوعي بالذكاء الاصطناعي في البرامج التعليمية والتحسيس بفوائده ومخاطره، حتى نستثمره في صناعة نهضة تنموية رائدة تضمن التقدم لأمتنا بين الأمم. التعاون والتشارك في اقتراح ميثاق أخلاقي يكون دليلاً ومرشداً لمطوّري هذه التقنيات وعوناً لهم على التجاوب مع مقتضيات الأخلاق ومتطلبات الإبداع والابتكار. وضع معايير وضوابط قانونية وأخلاقية تضمن منع وقوع الضرر على الأفراد والمجتمعات من قبل الشركات المطورة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. تكثيف الجهود والتنسيق بين سائر الفاعلين والمؤسسات من أجل تنمية أخلاقيات وقيم مشتركة تتعلق بتجاوز أهم التحديات التي يفرضها العالم الجديد للذكاء الاصطناعي. دعوة المعنيين، من علماء ومدراء الشركات والمسؤولين الحكوميين وغيرهم، إلى التعاون في توسيع دائرة الاستفادة والاستنفاع بهذه التقنيات والتقليل من مخاطرها.
كما شددت التوصيات على ضرورة خلق برامج تكوينية لفائدة المشتغلين بالحقل الديني في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل معرفة تطبيقاته وكيفية التعامل معها، والمساهمة بمضامين دينية وشرعية يُغنون بها مضمون قواعد البيانات التي يستثمرها الذكاء الاصطناعي. تنبيه أصحاب الضمائر الحية إلى وجوب مقاومة نزعات الشطط التكنولوجي، الذي يتأتى من كون تقنية الذكاء الاصطناعي لا تفكر ولا تعرف مانعا ولا كابحا. استثمار تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعزيز أواصر التواصل بين الطرق الصوفية الأصيلة وخلق فرص للتعاون ومد الجسور فيما بينها لمجابهة التحديات التي تُطرح على التصوف والقيم الأخلاقية التي ضحى شيوخ التربية في غرسها وترسيخها في المجتمع.
التقرير التركيبي
وألقى د. عبدالوهاب الفيلالى، التقرير التركيبي للملتقى العالمي للتصوف، ونصه: إذ أصبح الذكاء الاصطناعي يطرح إشكالات وتحديات كثيرة، وذلك باعتباره نظاما آليا يطور نموذجا للغة الصورية يقوم على خوارزميات تُحلل وتُعالج البيانات المختلفة بشكل مُبهر وبسرعة فائقة من أجل تلبية رغبات المستعملين وإمكانية توجيههم والتحكم فيهم (مشكل الحياد وعدم التحيز).
فالإشكال الجوهري يتعلق بكيفية المحافظة على هويتنا الثقافية والدينية والإنسانية في ضوء استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها القوي على حياة الإنسان اليوم، هل برفضها أم بتقنينها أم باقتراح مواثيق أخلاقية لها؟
ولعل التحدي الكبير لهذا الذكاء هو التحدي الأخلاقي، إذ أصبح يفرض علينا هوية وقيما جديدة على حساب هويتنا وقيمنا بل حتى على القيم الإنسانية بشكل عام كتحدي ما بعد الإنسانية والانبهار بالآلة والخلود وغير ذلك.
وقد ركزت مداخلات المشاركين في الملتقى على تناول هذه الإشكالات والتحديات من خلال زوايا للنظر متكاملة أكدت على منافع هذا الذكاء في تحسين مستوى العيش وحل مشاكل في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والثقافة والتنمية بشكل عام، لكن مع اليقظة لتحييد الاتجاهات السلبية المناقضة للقيم الإنسانية والمساهمة في بلورة أنظمة للذكاء تكون أخلاقية وموثوقة ودقيقة ومنسجمة مع هويتنا وقيمنا.
وتمت مطارحة هذه الرؤية من خلال عروض نخبة من العلماء والأكاديميين والخبراء والباحثين المشاركين في هذه الفعاليات التي توزعت أشغالها على أربعة عشرة جلسة تمكن من خلالها المشاركون من التأكيد على أهمية التصوف باعتباره مقام الإحسان في الدين وظيفته في تزكية النفوس وما يزخر به من إسهامات غنية لرجالاته الذين بلوروا فهما راقيا لرسالة الدين باعتباره رحمة للناس أجمعين، فجمعوا بين البعد التعبدي والتزكوي وبين إنتاج قيم نبيلة شاركوا بها المجتمع همومه وعملوا على نفعه ونفع الإنسان من خلال قيم الجود والعطاء والتضامن… وغيرها من القيم النبيلة. وبذلك فقد شكلوا مرجعية روحية متينة لها أن تمكن من تحصين الشباب من الوقوع في مخاطر ما يتهدد هويته وقيمه.
كما أبرز المتدخلون أن مغرب القيم شاهد على الإشعاع الروحي على الصعيد الوطني والدولي، وتمسكه الوثيق بقيمه الوطنية والدولية، لذا فكل الزوايا والمؤسسات ومراكز البحث مدعوة إلى إبراز هذا الإشعاع ومعالم ترشيد التدين من خلال مسلك التصوف حتى تُجابه كل التحديات. فهذه الهيئات مدعوة للمساهمة في تحسين أداء الذكاء الاصطناعي من خلال اقتراح مضامين وبيانات، تظهر قيمنا بدل الاكتفاء بأن تكون مستهلكة فقط لما يروج.
لقد عرفت فعاليات الملتقى حضورا مباركا من شيخ الطريقة فضيلة الدكتور مولاي جمال القادري بودشيش حفظه الله الذي أبى إلا أن يتابع باهتمام بالغ وبتفاعل مع ما تطارحه الأساتذة والعلماء الأفاضل، وهذه الجلسات قد تم بثها في الفضاء الرقمي تعميما للفائدة.
هذا بالإضافة إلى الأنشطة الموازية التي عرفتها هذه الدورة بما في ذلك الملتقى الوطني للقرآن الكريم، وما عرفه من مسابقات في حفظ وتجويد القرآن الكريم، والمسابقة العلمية والشعرية. بالإضافة إلى منتدى شباب الطريقة القادرية البودشيشية الذي تمحور حول موضوع “التصوف ودبلوماسية التضامن: المنجز والمأمول”، ومعرض الكتاب الذي تضمن منشورات مؤسسة الملتقى بما فيها المنشورات الجديدة لهذه السنة. بالإضافة إلى ما تخلل هذا المحفل من وصلات ماتعة ومتنوعة من السماع والمديح.
إعلان “مداغ”
وجاء في إعلان “مداغ”، المتعلق بالملتقى: ارتباطا بما يشهده العالم اليوم، من تطور هائل في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تؤثر بشكل متزايد على مختلف جوانب الحياة الإنسانية؛
وتفاعلا مع ما فتحته هذه التكنولوجيا من أبواب واسعة لتغيير نمط التصرف البشري، وعلاقته بالعالم الرقمي؛
واعتبارا للفرص الكبيرة للذكاء الاصطناعي، تبرز تحديات جديدة تتعلق بالمسؤولية الأخلاقية، والإنسانية في استخدام هذه التكنولوجيا؛
وأخذا بعين الاعتبار، تطور الذكاء الاصطناعي الذي جعله ليس مجرد أداة تقنية، بل مجالا يطرح أسئلة عميقة حول القيم التي يجب أن نلتزم بها في تطويره واستخدامه؛
وفي ظل التحول الكبير، نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة تتطلب منا الوقوف مع الذات والتفكير في كيفية الاستفادة من هذه الأدوات بطرق تسهم في تحقيق الخير للإنسانية، مع تجنب الإضرار بها أو استغلالها لأغراض غير مشروعة.
واستنادًا إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يدعو إلى الإحسان والتزكية؛ وتماشيا مع المشتركات القيمية العالمية؛ واعتبارا لمسؤوليتنا تجاه أنفسنا، وتجاه مجتمعاتنا، وتجاه الأجيال القادمة، التي تفرض علينا التحلي بالمسؤولية الكاملة في التعامل مع هذه التكنولوجيا؛ واستشعارا لتحديات الذكاء الاصطناعي، الذي بقدر ما يمكن أن يكون قوة عظيمة للخير والازدهار، يشكل خطورة على وجود النوع البشري، في حال استخدامه خارج دائرة القيم الأخلاقية الراسخة، التي تحمي إنسانية الإنسان،
وانطلاقًا من روح التعاون التي يدعونا إليها ديننا الحنيف؛
نعلن، نحن، المجتمعين، في الدورة التاسعة عشرة، من الملتقى العالمي للتصوف، بالزاوية العامرة للطريقة القادرية البودشيشية، بمذاغ، في ضوء تشريف الله تعالى للإنسان بالعلم والعقل والمعرفة، مصداقا لقوله تعالى: “وعلم الإنسان ما لم يعلم”، وأن المعرفة فعل القلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مصداقا لقوله تعالى: “ولكن يواخذكم بما كسبت قلوبكم”.
وبناءً على المبادئ المستمدة من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة التي تدعو إلى حفظ الكليات الخمس والحرص على الخير العام، نعلن عن ضرورة وضع أسس أخلاقية تحكم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بما يحقق رفعة الإنسان وخدمة المجتمع في إطار من المسؤولية والوعي، ونقر ما يلي:
- القيم الأخلاقية وازع لمخاطر الذكاء الاصطناعي وانحرافته، “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فإن كل تكنولوجيا تُطور يجب أن يكون وازعها القيم الأخلاقية، فلاىيجوز بأي حال من الأحوال استخدام الذكاء الاصطناعي للتعدي على حقوق الإنسان أو الإساءة إليه بأي صورة من الصور.
- الحياد والانصاف: إننا ملتزمون بتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن الحياد والانصاف بين جميع الأفراد، دون أي تمييز بناءً على الجنس، العرق، الدين، أو الوضع الاجتماعي، وندعوا مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى استحضار مبادئ الإنصاف والمشترك الإنساني.
- الشفافية والمساءلة: إن استخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب شفافية تامة في كيفية اتخاذ القرارات، ووضع آليات مؤسساتية وبنيات قانونية للمساءلة عن أي أخطاء أو انتهاكات تحدث نتيجة سوء استخدام الذكاء الاصطناعي.
- حماية الخصوصية: “ولا تجسسوا” (الحجرات: 12). فيجب أن تلتزم أنظمة الذكاء الاصطناعي بحفظ خصوصية الأفراد وحماية بياناتهم من أي انتهاك أو إساءة استخدام، فلا يجوز جمع البيانات أو استخدامها إلا بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على حقوق الأفراد.
- التزكية والتطوير الأخلاقي: “قد أفلح من زكاها” (الشمس: 9). إن تطوير الذكاء الاصطناعي يجب أن يتم بروح التزكية، لجعل التكنولوجيا وسيلة لتحقيق الخير والإصلاح، وتجنب إلحاق الضرر بالمجتمع أو البيئة.
- الاستدامة وحفظ الأمانة: “إن الله يآمركم أن تؤدوا الآمانات إلى أهلها”(سورة النساء: 57)، استحضار البعد الائتماني الاستخلافي في استخدام الذكاء الاصطناعي، بطرق تحافظ على بقاء النوع البشري، والموارد الطبيعية وتساهم في الحفاظ على البيئة، بما يحقق مبدأ الاستدامة للأجيال القادمة.
- التعاون من أجل الخير العام: “وتعاونوا على البر والتقوى” (المائدة: 2). فيجب أن يكون الهدف الأسمى للذكاء الاصطناعي هو خدمة الإنسان، وتحقيق التقدم العلمي بما يساهم في تعزيز رفاهية المجتمعات، ويعزز من القيم الإنسانية العليا، وبما يحفظ إنسانية الإنسان.
ونعاهد الله، ونعاهد أنفسنا على الالتزام بهذه المبادئ الأخلاقية المستمدة من شريعتنا الغراء والقيم العالمية، ساعين بذلك إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة الخير العام، آخذين بعين الاعتبار مسؤوليتنا أمام الله وأمام البشرية جمعاء.
الحماية بالتصوف
كان الملتقى قد شهد محاضرات ومداخلات قيمة، فأشار د. محمد عبدالمالك الخطيب، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلى، إلى أن التكنولوجيا اثرت في أخلاق الكثيرين، وأن التصوف يحمى الإنسانية لأنه يحملها على التخلق بالقيم الإنسانية والنبوية. مطالباً بتسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان وتحسين جودة الحياة، والحذر من الوقوع فى مخاطره التى تهدد ركائز الحياة البشرية.
وأكد د. الخطيب، أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل المعرفة عند المسلمين الذين كانت لهم الريادة في العلوم المختلفة، فأنتجوا علوما طيبة للبشرية، ولما تقدم الأوروبيون انتجوا أسلحة نووية وذربة تجرب على الإنسان، ولو أراد الذكاء الاصطناعي التدخل فى العملية الروحية ربما ألحد او انحرف الإنسان، وبقدر ايجابياته توجد سلبيات يجب التوقف عندها، والتصوف هو الذي يعصم الإنسان من الوقوع في انحرافات الذكاء الاصطناعي، بتهذيب السلوك ومراقبة الله دوما، فالصوفى لا يقع في الانحراف لارتباطه بذكر الله دائما، ويعلم أن الخلق نصف الدين، ويتعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة والطيبة. مؤكدا على دور المربي الصوفي في إعداد المريدين وتعليمهم مبادىء الدين الاسلامي الصحيح، وكيفية العمل من أجل إخراج أفراد صالحين للمجتمع والأوطان.
وأوضح د. جمال الفاروق، عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، أن التصوف اهتم ببناء الإنسان، وحب الله والإحسان للجار، وبذلك يقف على المشترك البشرى، وهو الخطاب الأمثل لمخاطبة العالم حتى الملحد، ويمتلك النموذج الأمثل، فهو ابعد الناس عن التكفير والقسوة. وهذا يؤهله لتوجيه الذكاء الاصطناعي لخير الإنسانية.
واجب العصر
ودعا “د. منير القادرى” إلى ضرورة امتلاك المسلمين ناصية العلوم والتخصصات المختلفة وخاصة التكنولوجية منها، فهذا واجب العصر، حماية للإنسانية من الانزلاق في هاوية الخراب والدمار الذي يصاحب التقدم العلمي المنسلخ من ضوابط القيم والأخلاق، مؤكداً أن الصوفية قادرة بما تملكه من إمكانات مادية وروحية، وكوادر مؤهلة، على القيام بذلك. موضحا أن الإسلام رسالة إنسانية تحقّق الخيرية العالمية، وأن الأخلاق عنوان صلاح الأُمم، وفقدانها يصيب الأمن الروحى بالخَلَل.
وشددت د. عزة رمضان، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية بنات الأزهر، على أهمية الاندماج والتنسيق والجمع بين العلم والعمل فهذا توجيه قرآنى، وسط التحديات والشواغل مع الأجيال الجديدة لحسن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة. وألمحت إلى “التربية الروحية في عصر الذكاء الإصطناعي مقاربة أخلاقية من منظور جيلي”، مؤكدة على دور التربية الروحية في إصلاح الأفراد والجماعات.
ضبط الحركة
وأكد د. ناجى بن راشد العربى، استاذ الحديث المشارك بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة البحرين، أن التكنولوجيا الحديثة بحاجة ماسة إلى ما يضبط حركتها وإلا تحولت إلى كارثة على الإنسانية، وهذا ما تضمنه القيم الروحية والأخلاقية للتصوف، لاستقامة حركة الحياة.
وطالب د. فوزى الصقلى، مدير مهرجان الثقافة الصوفية، بوضع أخلاقيات للذكاء الاصطناعي من قيم ومبادئ التصوف الاسلامي.
وأكد د. عبدالصمد اليزيدي، رئيس المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا، أن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا مفروضا، ودورنا كمسلمين هو كيفية تطويعه بما يخدم الإنسانية جمعاء ولا يكون وبالا عليها.
أكدت د. أسماء المصمودى، الباحثة بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذاهب والعقيدة والسلوك، أثر التصوف فى تحصين القيم الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي.
الوعى التكنولوجى
وحذر الدبلوماسي البلجيكى عبدالله بسمار، من الانزلاق في شباك التكنولوجيا الحديثة دون وعى، وضرورة استثمار فوائدها لخدمة الإنسان.
وطالب د. توران كوروتلى، تركيا، بأهمية التوازن فيما بين التكنولوجيا وتسخيرها فى نفع البشرية وتجنب مخاطرها.
ودعا د. محمد المهداوى، مدير المعهد الجامعى للتعليم الديني “العتيق” بوجدة، لمنهج متوازن تتعايش فيه التكنولوجيا والقيم.
وعرض د. فؤاد مسرة، استاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، للتحديات القانونية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي.
ودعا د. محمد بوبكرى، المتخصص فى التأطير الروحى داخل المؤسسة الإصلاحية بوزارة العدل الألمانية، إلى إدخال المنظومة القيمية للتصوف فى برمجة الذكاء الاصطناعي.
وحذر د. اسماعيل الراضى، رئيس مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية بوجدة، من أن التكنولوجيا تمثل تهديدا للإنسانية جمعاء وعلينا أن نسهم فى تحصينها ونزيد القيم تعميقا خدمة للإنسان.
وطالب أنور صبرى، عضو البرلمان المغربى، بوضع ضوابط لاستعمال تقنية الذكاء الاصطناعي لخطورته على الهوية الوطنية والدينية، مشددا على دور المجتمع بكل مؤسساته البرلمانية والقضائية والإدارية وغيرها، حماية للمجتمع يأكمله.
ودعا د. عبدالقادر لكيحل، البرلمانى والأستاذ بحقوق جامعة محمد الخامس، إلى أنسنة الذكاء الاصطناعي وانسجام الروح والتقنية أفقا.
وحذر د. جمال أبو الهنود، مستشار وزير الأوقاف الفلسطيني، من أثر الذكاء الاصطناعي على القيم الروحية والأخلاقية للتصوف. فى حين كشفت د. دنيا التامرى، الباحثة في التصوف، عن أن التصوف الاسلامي نموذج لاستخدام الذكاء الاصطناعي فى خدمة العلوم الشرعية.
وطالب د. احمد غانى، الاستاذ بجامعة سيدى محمد بن عبد الله، بضرورة التزام القيم الروحية والأخلاقية للتصوف فى تغذية أجهزة الذكاء الاصطناعي بالمعلومات والبيانات، حماية للمجتمع يأكمله من الانحرافات السلوكية والأخلاقية.
التصوف والورع
وأكد الشيخ شافعى سيد، نائب رئيس مجلس علماء الصومال، إن الورع، مقام سامٍ وثمرة طيبة تزرعها التربية الصوفية في النفوس، تجمع في طياتها أرقى الأخلاق وأسمى المعاني، وهذا ما تحتاجه التكنولوجيا الحديثة لضمان نفعها للإنسانية.
وأكد د. محمد أمين الغويلى، عضو المجلس المحلي بمراكش، دور التربية الصوفية في تحصين القيم وتخليق الذكاء الاصطناعي. واتفق معه د. ابراهيم حدكى، رئيس المجلس العلمى المحلى لكميم، فى أهمية التحصين الأخلاقى كمدخل للتصنيع والوقاية من مزالق الذكاء الاصطناعي.
قال د. محمد عمر سيد باعلوي، عميد برنامج الدراسات العليا بجامعة الأم العالمية، أمين عام لمجلس علماء الصومال: أن التصوف والقيم الأخلاقية متلازمان والتزام الذكاء الاصطناعي يهما يحقق السعادة لكل إنسان.
وقدم د. رياض بازو، نائب رئيس الاتحاد العالمي للتصوف، تعريفاً مفصلاً عن القيم الروحية والأخلاقية في زمن الذكاء الاصطناعي، مطالباً بضرورة ربطهما معا لخدمة الإنسانية.
واكدت د. ماجدولين النهيبي، الأستاذة بكلية علوم التربية بالرباط، أن التصوف له دور كبير وهام في تربية النشء وتعريف الشباب بالأدوار الواجبة عليهم في مجتمعهم تجاه أسرهم والبيئة التي يعيشون فيها. ما يمكنه من توجيه الذكاء الاصطناعي للخير.
وحذر د. عبدالعزيز فيلالي، الأستاذ والباحث في الأدب والتصوف، من خطورة الذكاء الاصطناعي على الإنسان وإنسانيته.
وأشارت م. سلمى البركى، المهندسة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، إلى النظم المعمارية والهندسية فى مساجد المغرب وكيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمتها.
وأشار د. دجاكايت عصمان، الأستاذ الجامعي بدولة مالي، إلى العلاقة التكاملية بين التربية الصوفية والذكاء الاصطناعي.
وأشار د. عمر مرانى علوى، الباحث في التصوف، إلى أهمية القيم الروحية كسبيل خلاص للإنسانية فى زمن الهيمنة الرقمية. فى حين أكد د. الحنفى دها، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة نواكشوط العصرية بموريتانيا، أهمية التمسك بالقيم والأخلاق فى زمن الذكاء الاصطناعي.
التمكين للإنسانية
وأكد د. عبدالوهاب الفيلالى، استاذ التعليم العالي بجامعة سيدى محمد بن عبد الله، فاس، أن هناك ثوابت قيمية طاقية فى التصوف الاسلامي تسهم فى تحقيق التمكين لإنسانية الإنسان. وأفاض فى الحديث عن “العلوم الإسلامية وتوظيف الرقمنة”.
وأشار د. عبدالله حمدوني، الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، وباحث في التصوف، حيث إلى دور الذكاء الاصطناعي في التربية الصوفية مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي بات له دور هام في الوقت الراهن وأصبح الكثيرون يعتمدون عليه من أجل الانتفاع به علي كافة الأصعدة.
واشاد د.بلال الحلاق، الأمين العام لدار الفتوي بكاليفورنيا، بدور الذكاء الاصطناعي فى التعليم عن بعد. ودعمته د. الهام مصطفي عبدالجبار ، استاذ الفقه وأصوله بالاردن، باستفادة العلوم الإسلامية من الرقمنة والذكاء الإصطناعي.
وأشار د. حسن بويزدوزان، نائب رئيس جامعة نوتردام الإسلامية، إلى ضرورة توظيف الرقمنة والذكاء الاصطناعي فى تطوير العلوم الإسلامية.
واشار د. صلاح الدين المستاوى، عضو المجلس الإسلامي بتونس، إلى دور الطرق الصوفية والزوايا في الإشعاع الروحى والأخلاقي من خلال الفضاء الافتراضي، القادرية البودشيشية أنموذجا ومثالا. مؤكداً قدرتها على إدارة تقنية الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمع.
وسائل الإعلام
وأشار الزميل مصطفى ياسين، مدير تحرير عقيدتى، أن وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المتعددة والمتنوعة، شهدت تطورات وطفرات متلاحقة ومتسارعة جدا، لدرجة أن المتابع لها لا يكاد يستوعب أو يتعرف على خطوات إحدى مراحلها حتى يفاجأ بتطورها أو ظهور أحدث منها، ما يجعله في حالة من الإجهاد و”اللهث” المستمر وراء كل جديد أو مواكبة التطورات!
وتجاوزت وسائل الإعلام تلك، كل الحدود والقيود، الجغرافية منها والسياسية بل حتى القيمية والدينية، وصار البعض، إن لم يكن الأغلب، أسيراً لها، سواء كان مستخدماً لها تحت تأثير التريند أو المشاهدات واللايكات، وما ينتظره من شهرة أو مكسب مادى أو حتى معنوى!
أو مجنيا عليه بسببها، مكتويا بلهيبها من شائعات وافتراءات وأكاذيب!
وفي الحالتين صار إنسان هذا العصر هو الجانى والمجنى عليه، فى آن واحد، وكما يقول المثل “بيده لا بيد عمرو”! فهو يصنع العفريت الذى يظل يطارده ولا يستطيع له صرفا ولا تحويلا!
غير أن تقنية الذكاء الاصطناعي تجاوزت هذه المراحل والتخوفات بكثير، وصارت تصنع واقعاً جديداً، بل هى تخلقه من عدم! وغالباً ما يكون مخالفاً للحقيقة والواقع، بل يختلق ما لم يكن بالأساس، لتحقيق مكاسب أو إضاعة حقوق، بغير حق!
أضاف: شئنا أم أبينا، صار للأسف الشديد، هذا هو الواقع، الذى يجب التعامل معه، أيا كانت الظروف والتداعيات، وإلا تجاوزنا العصر، بل “دهسنا” فى طريق انطلاقه!
إذن، فالمطلوب منا الآن هو، كيف نتعامل مع هذا المخلوق أو المخترع الجديد؟ وكيف نستثمره لخدمة ديننا الحنيف؟ ونفع الإنسانية جمعاء، مسلمين وغيرهم.
وفيما يتعلق بمجال تخصصى، الصحافة والإعلام، وتحديداً الصحافة الدينية وبالأخص الصوفية، أشير إلى أن الصحافة والإعلام الدينى عامة، يلتزم عددا من المعايير والقيم الأخلاقية، والتى اعتقد انها تقى المجتمع، مخاطر الذكاء الاصطناعي أو كما أطلق عليه أنا “الغباء الاصطناعي”، لأنه يلغى العقل البشري ويحوله إلى مجرد، ناسخ ولاصق، “copy, past”، فيقضي على الإبداع والابتكار، ويجعله تابعا وأسيرا لما يقدمه الآخرون، أو ما يريدون تقديمه لنا، بما يحمله من أفكار وقيم ومناهج، غالباً ما تكون مخالفة لقيمنا ومبادئنا، لأن من يغذون هذه الآلة مغايرون لنا.. وللأسف الشديد نحن لما نصل بعد إلى امتلاكها والسيطرة عليها، لتغذيتها بما يتفق ومبادئ وقيم ديننا ومجتمعاتنا.
ومن هنا، اتمنى على مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، كما أنها تواكب العصر، أن يكون لها قصب السبق، وتأخذ بزمام المبادرة، وتتبنى اقتحام مجال الذكاء الاصطناعي، بما تملكه من قدرات مادية وعلمية، وكوادر مؤهلة، تعضدها الرؤية الثاقبة والمستقبلية لقادتها، ممثلة فى مرجعية شيخنا الجليل سيدى جمال، واستشراف المستقبل بنظرة سيدى منير، لتكون أول طريقة صوفية تسبر أغوار هذا المجال المهم جداً.
وأعتقد أن هذا هو واجب الوقت بالنسبة للبودشيشية المعاصرة.
وأكد أن تلك المعايير والقيم التي يلتزمها الإعلام الدينى، هى ذاتها التي ينبغي التزامها فى التعامل مع تقنية الذكاء الاصطناعي، وتغذيته بالمعلومات والبيانات.
وأهمها:
– إلتزام الموضوعية وتحرى الحقيقة، بالاعتماد على المصادر الموثوقة، وليست المجهلة أو الجرى خلف التريندات والمشاهدات واللايكات.
– التحلى بالقيم والمبادئ الدينية والأخلاق والآداب العامة، فى الموضوعات المراد ترويجها ونشرها.
– تربية وإعداد وتأهيل الكوادر العاملة فى هذا المجال التقنى، وتحصينهم دينيا وروحيا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
– اختيار الموضوعات والبيانات المفيدة لصالح العباد والبلاد، وليست توافه الأمور.
– تعاون المؤسسات
– وأخيرا، إصدار القوانين والتشريعات التي تعاقب وتردع المخالفين والمعتدين باستخدامهم تلك التقنيات فى الاعتداء على الآخرين.