في العصر الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يستخدمها الناس للتواصل، التعلم، وحتى لممارسة بعض الطقوس الدينية. ومع ذلك، هناك جدل كبير حول مدى ملاءمة استخدام هذه الوسائل في بعض الجوانب الروحية، مثل أخذ العهد في التصوف.
مشايخ السوشيال ميديا
ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة “مشايخ السوشيال ميديا”، حيث يستخدم بعض الشيوخ والمتصوفة منصات التواصل الاجتماعي لنشر تعاليمهم والتواصل مع مريديهم. بينما يمكن أن تكون هذه الوسائل مفيدة لنشر المعرفة والتوعية، إلا أن هناك تحفظات كبيرة حول استخدامها في بعض الطقوس الروحية الأساسية مثل أخذ العهد.
أهمية الجلوس مع الشيخ
أخذ العهد في التصوف هو عملية روحية عميقة تتطلب تواصلًا مباشرًا بين الشيخ والمريد. هذا التواصل ليس مجرد تبادل كلمات، بل هو تفاعل روحي يتضمن نقل البركة والطاقة الروحية من الشيخ إلى المريد. يقول الشيخ محمد شمس الدين الصغير في كتابه “الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدين”: “اعلم وفقني الله وإياك، أنه إذا جاءك الطالب؛ ليأخذ العهد منك، على طريقة سيدي أحمد البدوي؛ فأمره قبل إعطاء العهد بالوضوء الكامل، وصلاة ركعتين لله تعالى؛ بنية التوبة والإنابة إليه سبحانه، وبعد ذلك يجلس المرشد على السجادة، مستقبلاً القبلة، جاثيًا على ركبتيه بالأدب والخشوع، ويجلس الطالب أمامه لاصقًا ركبتيه”⁴.
أقوال مشايخ الصوفية في كيفية أخذ العهد
أخذ العهد يتطلب حضورًا جسديًا وروحيًا، حيث يجلس المريد أمام الشيخ ويقوم الشيخ بتلقينه الأذكار والأوراد. يقول الشيخ الشرقاوي: “من لم يكن له سند؛ فهو كاللقيط. وقالت العلماء: السند كالسيف للمقاتل”⁴. هذا السند الروحي لا يمكن نقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتطلب الأمر تفاعلًا مباشرًا وحضورًا جسديًا وروحيًا.
تربية المريد وتعليمه ومتابعته
تربية المريد في التصوف تتطلب متابعة دقيقة من الشيخ، حيث يقوم الشيخ بتوجيه المريد في كل خطوة من خطواته الروحية. يقول الشيخ السهروردي: “ارتباطٌ بين الشيخ وبين المريد، وتحكيمٌ مِن المريد للشيخ في نفسه، والتحكيم سائغ في الشرع لمصالح دنيوية، فماذا ينكر المنكر للبس الخرقة على طالب صادق في طلبه، يقصد شيخا بحسن ظن وعقيدة، يحكمه في نفسه لمصالح دينه، يُرْشِدُه ويهذبه، ويعرفه طريق المواجيد، ويُبَصِّرُه بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو”⁵.
الخلاصة
في الختام، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون مفيدة في نشر المعرفة والتوعية، لكنها ليست بديلاً عن التواصل الروحي المباشر بين الشيخ والمريد. أخذ العهد وتربية المريد تتطلب حضورًا جسديًا وروحيًا لا يمكن تحقيقه عبر الشاشات. لذا، يجب على المريدين السعي للجلوس مع شيوخهم والتفاعل معهم بشكل مباشر لضمان تحقيق الفائدة الروحية الكاملة.
.