بقلم الشيخ صلاح شعبان
أمام وخطيب بأوقاف القاهرة
المسلم فى الدنيا يتقلب بين الخوف والرجاء ، الخوف من عقاب الله ، والرجاء فى رحمة الله ، وقد ذكر الله عز وجل ذلك فى مواضع كثيرة من القرآن ففى سورة الفاتحة بدأ السورة بقوله (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم)، فكل هذا رجاء فى رحمة أرحم الراحمين وهو ما يسمى أيضاً بالترغيب ، ثم قال (مالك يوم الدين) وهذا تخويف أو ما يسمى بالترهيب فكأنه يريد أن يقول : لا تغرنكم رحمتي فإن لكم يوماً ترجعون فيه إلىّ فأحاسبكم على أعمالكم.
والقارئ للقرآن الكريم يجد أنه مرة يقدم الترغيب على الترهيب ، ومرة يقدم الترهيب على الترغيب ، فمثال الأول : قول الله تعالى فى سورة الحجر (نَبِّئ عِبادي أَنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ * وَأَنَّ عَذابي هُوَ العَذابُ الأَليمُ﴾ [الحجر: ٤٩ – ٥٠ ].
ومثال الثانى قول الله تعالى فى آخر سورة الأنعام: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، والأفضل أن يغلب العبد الخوف على الرجاء حال صحته حتى يحمله هذا الخوف على اجتناب المعاصي، ولكن عليه أن يحذر من القنوط من رحمة الله لأن الله يقول فى الحديث القدسي الجليل (أنا عند ظن عبدى بي، فليظن عبدى بي ما شاء، فإن ظن أنى أغفر له غفرت له، وإن ظن أنى أعذبه عذبته).
وبقول فى حديث آخر (لا أجمع على عبدى أمنين ولا خوفين ، فمن أمننى فى الدنيا أخفته يوم القيامة ، ومن خافنى فى الدنيا أمنته يوم القيامة)، فإذا أحس العبد أنه أشرف على الموت غلّب الرجاء على الخوف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يموتن أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن فى الله )).
ولذلك دخل أحد أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله، عليه فى صبيحة اليوم الّذى توفّى فيه وقال له: كيف أصبحت؟ فقال له: يا أخي أصبحت عن الدنيا مغادرا، وللإخوان مفارقا، ولكأس المنيّة شاربا، وعلى الله جل ذكره واردا، ولا أدرى أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ قائلا: فلما قسى قلبي وضاقت مذاهبي …. جعلت رجائي نحو عفوك سلما، تعاظمني ذنبي فلما قرنته ….. بعفوك ربى كان عفوك أعظما، فما زلت ذا عفو عن الذنب سيدي ….. تجود وتعفو منة وتكرما، فلولاك لم يغو بإبليس عابد ….. فكيف وقد أغوى صفيك آدما.
فنسأل الله أن يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا ولأولادنا ولأرحامنا ولإخواننا ولكل من قال وقالت: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.