بقلم د. حنان شبانة
الأستاذ المساعد بجامعة تبوك سابقاً
قال الله تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين”، ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .
في هذا الزمن الذي يشهد تغيرات سريعة وتحديات كبيرة، يبرز السؤال حول كيفية الحفاظ على دور الإسلام الفعّال والإيجابي في مواجهة هذه التحولات. تُعد مسألة كيفية تصحيح الصورة المشوهة للإسلام، التي تتعرض لمحاولات تشويه متعمدة تهدف إلى طمس معالمه الإنسانية والحضارية، من أهم القضايا المعاصرة. من هنا تتعاظم مسؤولية العلماء في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام كدين يدعو إلى السلام، والتعاون بين البشر.
في خضم هذه التحديات، يبقى الأمل قوة دافعة نحو التغيير عندما يكون الإيمان حاضرا. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل يمكننا أن نحدث نهضة في خطابنا الديني ليواكب التحديات الحالية، ويعكس جوهر الإسلام النقي والمشرف؟
يهدف هذا المقال إلى إبراز أهمية تجديد الخطاب الديني، وتأثير هذا التجديد في تحقيق التوازن بين العقيدة والشريعة، وبين الأخلاق والحضارة، ليقدم الإسلام كمنظومة شاملة تتفاعل مع مختلف جوانب الحياة. يجب أن نجدد خطابنا ليكون قادرا على الإجابة على تساؤلات العصر، وتحقيق التفاعل الإيجابي مع التحديات المعاصرة.
عندما نتناول الجوانب الإنسانية والحضارية للإسلام، نجد أنه يتعرض لحملات تشويه تهدف إلى طمس معالمه الحضارية والإنسانية. لذا، يجب أن يبذل العلماء جهودا كبيرة لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتقديم الإسلام كدين يعزز السلام، والتعاون بين البشر. فالفهم الشامل للدين يتجاوز كونه مجرد عقيدة ليصبح نظاما يشمل الشريعة، والأخلاق، والحضارة.
لا يمكن اختزال الدين في جانب واحد دون الآخر، ويجب أن يعكس الخطاب الديني هذا الفهم الشامل ليقدم الإسلام بصورته الكاملة.
فالخطاب الديني يحظى بمكانة خاصة لدى الجماهير، ويعتبر أحد العوامل الأكثر تأثيرا في حركتهم. وتأتي أهمية تجديد الخطاب الديني ليكون أكثر نضجا وتوازنا، ولينأى عن العنف والتعصب. فتطوير الأفراد من خلال هذا الخطاب يسهم في تحسين مستوياتهم الفكرية، والأخلاقية. وعندما يتماشى الخطاب الديني مع تطورات العصر، يصبح الأفراد أكثر قدرة على مواجهة التحديات بوعي وإدراك.
في هذا العصر، يتطلب الأمر علماء دين واسعي الأفق، قادرين على الإجابة على أسئلة العصر ومواجهة التحديات الكبرى. يجب أن يكون هؤلاء العلماء ملمّين بمشكلات المجتمعات وقضايا العصر، ولديهم القدرة على الإقناع. فتحقيق المقاصد الشرعية يُعدُّ أساسا جوهريا في الخطاب الديني، إذ يجب أن يكون موجهاً نحو الحفاظ على الضروريات الخمس التي أكد عليها الدين، وهي: حماية الدين، وحماية النفس، وحماية العقل، وحماية النسل، وحماية المال.
تحسين العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات المختلفة يعد هدفا أساسيا للخطاب الديني المجدد. من خلال التيسير على الناس وحسن معاملتهم، يعزز هذا الخطاب التفاهم، والتعاون بينهم. إضافة إلى ذلك، يجب أن يعتمد الخطاب الديني على الحجة والبرهان، ويتجنب القصص الخرافية، أو الإسرائيليات المنتشرة في بعض كتب التفسير. فاحترام عقلية المخاطب يعزز من مصداقية الخطاب، وتأثيره.
كما يتوجه الخطاب الديني إلى تعزيز العيش المشترك والإيمان بالله ومحبة جميع البشر، بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم. فيعزز هذا الخطاب من العيش المشترك، ويسهم في تحقيق السلام والأمن في المجتمع.
كما أن الخطاب الديني المجدد يهدف إلى نهضة الإنسان وتطوير حياته نحو الأفضل، بما يحقق الغاية من خلقه في الأرض، وخلافة الله له فيها.
في الختام، لا يعد تجديد الخطاب الديني مجرد تفاعل مع التحديات المعاصرة، بل هو ضرورة ملحة لضمان استمرار رسالة الإسلام بجوانبها الإنسانية والحضارية.
ينبغي لهذا الخطاب أن يعكس القيم النبيلة للدين الإسلامي، ويبرز الإسلام كمنظومة متكاملة تعزز السلام والتعاون بين البشر. نجاح هذا الخطاب يعتمد على استناده إلى الأدلة الواضحة والمنطق السليم، بعيدا عن الخرافات والأساطير، لضمان تأثيره الإيجابي على المجتمع. بفضل الجهود المتواصلة للعلماء والمفكرين المستنيرين، يمكن للخطاب الديني أن يسهم في مواجهة التحديات الحالية وتعزيز القيم الإنسانية.
فلنكون جميعا مساهمين في هذا التغيير الإيجابي، ونعمل على صياغة خطاب ديني يرسخ الفهم المشترك، ويشجع على بناء مجتمع متسامح ومترابط. عبر التعاون المشترك، نستطيع أن نصنع مستقبلاً زاهرا للأجيال القادمة، يقوم على العدل والاستقرار والازدهار. لنلتزم بتجسيد هذه الرؤية في حياتنا اليومية، ونسعى باستمرار لتحقيق التقدم والنهضة في مجتمعاتنا. بالتعاون والعمل الجاد، يمكننا تحقيق التغيير الذي نطمح إليه، وبناء عالم مشرق ومليء بالسلام للجميع.
قال الله تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَة”،. ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس”. من هذه الكلمات نستمد الإلهام والعزيمة لنعمل معا نحو مستقبل أفضل. وكما قال أحد الحكماء: “كن التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”. فهل يمكننا أن نستجيب لهذا النداء ونسعى جاهدين لنكون رواد التغيير الإيجابي في خطابنا الديني ومجتمعاتنا؟