بقلم الدكتورة حنان شبانة
الأستاذ المساعد بجامعة تبوك سابقا
تُعد مقاصد الشريعة الركيزة الأساسية التي تعبر عن المبادئ، والقيم، والأهداف التي تسعى الشريعة الإسلامية لتحقيقها. تهدف هذه المقاصد إلى ضمان مصالح الأفراد والمجتمعات على مر الزمان والمكان، وتعمل على تحقيق العدالة والخير. يقول الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر (البقرة: 185)، ويؤكد النبي (صلى الله عليه وسلم) على هذا بقوله:”يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” (رواه البخاري ومسلم). تعكس هذه النصوص الرسالة المحورية للإسلام في التيسير والاعتدال.
بناء على ذلك، يتساءل الكثيرون عن الغاية من التشريعات الإسلامية وكيفية تأثيرها على حياتنا اليومية لتحقيق السعادة والاستقرار. وتجدر الإشارة إلى أن الفقهاء أكدوا على أن “الشريعة وُضعت لخدمة مصالح البشر في الدنيا والآخرة، ولحمايتهم من المفاسد”. من خلال فهم أهداف الشريعة الإسلامية، يمكننا أن نتعرف على الأهداف الأساسية التي تسعى الشريعة لتحقيقها، وكيف تسهم بشكل فعّال في تحسين حياتنا. تُصنف هذه الأهداف إلى ثلاث فئات رئيسة: الضرورية، والحاجية، والتحسينية.
فيما يتعلق بالمقاصد الضرورية، فهي تشكل الأساس الذي تقوم عليه مصالح الدين والدنيا، وتتمثل في خمس أولويات جوهرية: صون الدين، وحماية الحياة، والحفاظ على العقل، ورعاية النسل، وحماية المال. وتشكل هذه الأولويات الأساس لضمان استقرار المجتمع ونظامه. وبتطبيق هذه المقاصد في حياتنا اليومية يمكن أن يغير واقعنا للأفضل، إذ تسعى إلى تحقيق مصالح العباد في كل زمان ومكان.
تأتي بعد ذلك المقاصد الحاجية، التي تهدف إلى توفير التوسعة ورفع الضيق عن الناس. رغم أنها ليست حيوية مثل: الضروريات، إلا أنها تمنع الحرج والمشقة عن الأفراد. أمثلة على ذلك: السماح بالإفطار في رمضان للمريض، وتناول الطيبات، والتوسع في المعاملات المشروعة مثل: البيع والشراء بشروط ميسرة.وتهدف هذه المقاصد إلى توفير الراحة والمرونة في الحياة اليومية دون أن تؤدي إلى فساد كبير في المجتمع.
وأخيرا، نأتي إلى المقاصد التحسينية، التي تُعنى بتحسين جودة الحياة من خلال تبني العادات الجيدة وتجنب الأمور السيئة. رغم أن تركها لا يؤدي غالبا إلى مشقة كبيرة، إلا أنها تعزز من قيم الأخلاق والجمال. أمثلة على ذلك: الطهارة، وستر العورة، وآداب الأكل. وتسعى هذه المقاصد إلى تحسين الحياة العامة من خلال تعزيز القيم الجمالية والأخلاقية في المجتمع.
من خلال تصنيف المقاصد إلى هذه الفئات الثلاث، يتضح لنا كيف تسهم الشريعة الإسلامية في تحقيق حياة متوازنة ومستقرة، مما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع بشكل عام. وبعد استعراض هذا المقال، يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية ليست مجرد مجموعة من الأحكام، بل هي نظام شامل يسعى إلى تحقيق التوازن في حياة الفرد والمجتمع. وتهدف الشريعة إلى حماية الحقوق والواجبات، والاهتمام بالجوانب الروحية والمادية معاً. ففهمنا لمقاصد الشريعة، المصنفة إلى الضرورية، والحاجية، والتحسينية، يمنحنا رؤية واضحة لتحقيق العدالة والرفاهية والاستقرار.
عندما نتعمق في فهم هذه الشريعة، ندرك أن تطبيق مقاصدها بشكل يومي يمكن أن يحقق تغييرا إيجابيا في حياتنا. هذا الالتزام ليس مسؤولية فردية فقط، بل يتطلب تعاون المجتمع بأسره. علينا أن نبدأ في تنفيذ هذه المبادئ في حياتنا اليومية، في تعاملاتنا مع الآخرين، وفي كل قرار نتخذه. ينبغي أن نجعل من قيم الشريعة دليلاً نحو مستقبل مشرق مليء بالعدل والازدهار، وبهذا نسهم في بناء مجتمع متماسك وقوي، قادر على مواجهة تحديات العصر.
لنعمل معا بصدق وإخلاص لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، ولنكن قدوة للأجيال القادمة في تبني القيم الرفيعة التي تدعو إليها شريعتنا الإسلامية. في النهاية، رسالتنا هي: الشريعة هي طريقنا لحياة أفضل، فلنستغلها بحكمة وبصيرة. إن السعي لتحقيق مقاصد الشريعة ليس واجبا دينيا فحسب، بل هو أيضا طريقنا لبناء مستقبل مزدهر يسوده العدل والخير.
*سؤال للتأمل*: كيف يمكن لتطبيق مقاصد الشريعة في حياتك اليومية أن يسهم في تحسين جودة حياتك، وحياة المجتمع من حولك؟.