يؤدي الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خطبة الجمعة: 20 جمادى الأولى 1446هـ/ 22 نوفمبر 2024م، في مسجد محمد إسماعيل بكمبوند ميفيدا بالتجمع الخامس، وتدور الخطبة: (أيها الإنسان: أَنت عند اللهِ غالٍ) حول: مظاهر تكريم الله للإنسانِ ورَفْع منزِلِتِه بين الخلائق.
وحول عناصر وأهداف خطبة الجمعة يقول الدكتور أحمد علي سليمان إنه منذ اللحظة الأولى لخلق سيدنا آدم، وقد أظهر الله (عَزَّ وجَلَّ) مكانَة الإنسان وفضلَه على سائر المخلوقات، قال تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً…) (البقرة: 30)، وعندما أمر اللهُ (تَعَالَى) الملائكةَ بالسجود لآدم، كان ذلك دلالة على عِظَمِ قَدْرِ الإنسان عند الله، قال تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) (البقرة: 34).
ومكانة الإنسان عند ربه (سبحانه وتَعَالَى) لا تُقاس بماله أو نسبه أو جاهه، وإنما تُقاس بطاعته وتقواه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13)، ويقول النبي (ﷺ): (يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى)
وكانت تطبيقات النبي العظيم (ﷺ) تجسيدًا حيًّا لأقواله وتوجيهاته ومنهاجه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ -أي تنظفه-، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ (ﷺ)، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقالوا: مَاتَت، قالَ: (أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي) -أي أخبرتموني بموتها حتى أصلي عليها-، قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقالَ النبي (ﷺ): (دُلُّونِي علَى قَبْرِها) فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: (إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ -عَزَّ وجَلَّ- يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم)
وهذا يدل على عظيم قدر الإنسان عند الله، مهما كان وضعه الاجتماعي أو لونه أو مكانته، وهنا نتعلم من النبي (ﷺ):
احترام خلق الله
والتواضع لهم ومعهم
وتفقد أحوال الناس والسؤال الدائم عنهم مهما كان وضعهم
وجبر خواطرهم (قولا، وفعلا، ومنهاج حياة).
وعدم الانتقاص من قَدْر أي إنسان مهما كان.
المحور الأول: قصة (أنت عند الله غال) ومقاصدها التربوية
المحور الثاني: من مظاهرُ تكريم الله للإنسانِ ورَفع منزِلتِه بين الخلائق
ونشير هنا إلى بعض مظاهر التكريم هذا التكريم الرباني، على النحو التالي:
أوَّلًا: أنَّ اللهَ (تَعَالَى) أَوْجَدَ الإِنسَانَ مِنَ العَدَمِ، وَأَخْرَجَهُ إِلَى الوُجُودِ، وجعله خليفة في الأرض
ثَانِيًا: أَنَّ اللهَ (عَزَّ وجَلَّ) خَلَقَ الإِنسَانَ بِيَدِهِ؛ تكريمًا له
ثَالِثًا: أَنَّ اللهَ (سبحانه) خَلَقَ الإنسان مِنْ مَادَّةٍ طَيِّبَةٍ وَهِيَ الطِّينُ، وجعل أصله واحدًا
رَابِعًا: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) شَرَّفَهُ بِأَنْ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ
خَامِسًا: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) أَمَرَ مَلَائِكَتَهُ الكرام بِالسُّجُودِ لآدم، وهو أبو البشر
سَادِسًا: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) صَوَّرَهُ فِي أَحْسَنِ تقويم وأجمل منظر
سَابِعًا: أَنَّ اللهَ (سبحانه) جَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى
ثَامِنًا: أَنَّ اللهَ (عَزَّ وجَلَّ) تَعَالَى مَيَّزَهُ بِالْعَقْلِ
تَاسِعًا: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) أَكْرَمَهُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ
عَاشِرًا: أَنَّ اللهَ (عَزَّ وجَلَّ) عَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا
حَادِي عَشَرَ: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) حَمَّلَ الإنسانَ الأَمَانَةَ
ثَانِي عَشَرَ: أَنَّ اللهَ الحكيم جَعَلَ التَّنَاسُلَ وَالذُّرِّيَّةَ عَنْ طَرِيقِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ
ثَالِثَ عَشَرَ: أَنَّ اللهَ (عَزَّ وجَلَّ) جَعَلَ الإنسان سَيِّدًا فِي الكَوْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ سَيِّدًا عَلَى الكَوْنِ
رَابِعَ عَشَرَ: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) فَتَحَ للإنسان أبواب التَّوْبَةِ عَلَى مِصْرَاعَيْها، ما لم يُشرك بالله
خَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ اللهَ (عَزَّ وجَلَّ) جَعَلَ لَهُ ثَوَابَ الحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا
سَادِسَ عَشَرَ: أَنَّ اللهَ (تَعَالَى) عَلَّمَهُ البَيَانَ
سَابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ فَتَحَ لَهُ أَبْوَابَ العِلْمِ عَلَى مِصْرَاعَيْهَا، لِيُعَمِّرَ الأَرْضَ ويُرقي الحَيَاةَ
ثَامِنَ عَشَرَ: أَنَّ الله (تَعَالَى) جَعَلَ للإنسان حِمَايَةً وَجَعَلَ الاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ وَقَتْلَهُ أَعْظَمَ مِنْ زوال الدنيا
تَاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ الله (تَعَالَى) هَدَى الإنسان إِلَى كُلِّ مَا يُحَافِظُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَقْلِهِ وَحَيَاتِهِ وَأَمْنِهِ
عِشْرُونَ: ومن فضل الله (سبحانه وتَعَالَى) أن الإنسان المؤمن عند الله غالٍ في كل مراحل حياته، حتى في ضعفه
حادي وعشرون: أن الله (سبحانه) من محبته للإنسان فتح له بابًا للوصول إلى الله بالدعاء
ثاني وعشرون: أن الله (تَعَالَى) لا يُحمِّل الإنسانَ وزر أي أحد أو ذنبه، فهداية كل شخص لنفسه، ووزره لنفسه
ثالث وعشرون: أن الله (تعالى) حرّم اليأس والقنوط، وجعل الأمل والتفاؤل يسريان في روح الشريعة وأوصالها: كل ذلك من أجل أن يعيش الإنسان مستقرًا وهادئا ومؤملا في الله على الدوام.
رابع وعشرون: أن الله (تَعَالَى) إذا أحب عبدا كتب محبته وقبوله في قلوب العالمين
أما المحور الثالث فيتضمن مظاهر تسخير الله مخلوقاته لخدمة الإنسان
ونشير هنا باختصار إلى بعض مظاهر تسخير الله (تَعَالَى) الكون ومخلوقاته لخدمة الإنسان، ومنها:
أولاً: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) الأرض للإنسان
ثانيا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) السماء للإنسان
ثالثا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) الشمس للإنسان
رابعًا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) القمر للإنسان
خامسا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) النجوم للإنسان
سادسا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) الجبال للإنسان
سابعا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) البحار والمحيطات للإنسان
ثامنًا: مظاهر تسخير الله (سبحانه وتَعَالَى) الغلاف الجوي للإنسان
تاسعا: مظاهر تسخير الله (سبحانه) الأشجار لخدمة الإنسان
عاشرًا: مظاهر تسخير المعادن في باطن الأرض لخدمة الإنسان
حادي عشر: مظاهر تسخير الله (تَعَالى) المخلوقات التي لا نراها (الكائنات الدقيقة) لخدمة الإنسان (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ) (النحل:
أيها الإخوة، أنتم غالون عند الله، ولكم مكانة كبيرة عنده، فحافظوا على هذه المكانة العظيمة بالطاعة والعبادة. ابتعدوا عن المعاصي والذنوب التي تُنقص من هذه الكرامة. نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يرفع شأننا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا وصلوا وسلموا على خير البرية، سيدنا محمد، كما أمركم ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).
أيها المؤمنون: اعلموا جيدا أن الله (تعالى) يحبُّ عبادَه ويريد لهم الخير على الدوام، وأن الإنسان مكرّم عند الله في كل أحواله ما دام يحرص على التقوى والعمل الصالح، فلا يستهين أحد بنفسه، ولا يُقلّل من شأنه.
لقد كرّمنا بالعقل الذي يميزنا عن سائر المخلوقات، وكرّمنا بأن جعلنا خلفاء في الأرض، وكرّمنا بأن سخّر لنا الكون ومَن فيه، وما فيه، وكرّمنا أعظم تكريم بأن نفخ فينا من روحه…
فعلينا أن نخلص لله، وأن نتقى الله، وأن نستثمر وجودنا في هذه الحياة، لنبقى أثرًا طيبا مباركًا يرضي الله، وعلينا أن نسرع في التوبة والأوبة إلى الله، وعلينا أن نحب الله ونحب لقاء الله ونستعد لذلك على الدوام، فمَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، وعلينا أن نذكر الله تعالى على الدَّوام، والدعاءُ، وأن نَتعلَّق بحبال الله تَعَالَى، أن نَحفظَ الله في كلِّ أمورنا؛ حتى يحفظَنا الله، ودَيمومةُ شُكر الله تَعَالَى، قال تَعَالَى: (…وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ…) (البقرة: 152)، فبالشُّكر تَدوم النِّعم. فعَلينا أنْ نشكرَ الله (تَعَالَى) في السَّراءِ والضَّراء، وعند الرخاء، وأن نُظهِر آثارَ نِعم الله (تَعَالَى) علينا، حتى يرى ربُّنا (جلَّ وعلا) أثرَ نعَمِه علينا.
أيها الإنسان الغالي المُكرَّم من الله… احذر وانتبه:
الإنسانُ الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يعتد إلا على الله، ولا يتوكل إلا عليه
الإنسانُ الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يُضيّع فروض الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يقترف الكبائر والذنوب التي حرَّمها الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يغفل عن ذكر الله ولا يغفل عن الصلاة
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يغفل عن الصلاة على سيدنا رسول الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يقتل، ولا يدمر بنيان الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يزني
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يسرق
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يشهد زورًا
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يختلس
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يأخذ رِشوة
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا ينهب
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يحتال على الناس ولا يَتغالَب عليهم بالمكر والخديعَة والفتن والنوايا الخبيثة
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يهين خلق الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يكسر خواطر الناس والمخلوقات
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يأكل المال العام
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يعطل مصالح الناس
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يأكل ميراث إخوته
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يأكل مال اليتيم
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يكسب ماله إلا من الحلال، ولا يُنفقه إلا في الحلال
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يحتكر أقوات الناس
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يغش الناس
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يكذب
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يغتاب
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يُداهن
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يُرائي
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يبخل بماله أو خبراته على خلق الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يلعن خلق الله
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يشتم الناس
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يُؤذي جاره
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يقسوا على مَن ولاه الله أمرهم
الإنسان الغالي الذي كرَّمَه اللهُ، لا يُؤذي الأحياء ولا الأموات.
بل هو المؤمن الغالي الرحيم الحيي المعطاء الذي تَسْري في أوصاله شَرايينُ الإخلاص والحب والأخوَّة، ودماءُ الصدق، والنُّبل، والعفاف، وتحرّي الحلال ورضا الله على الدوام.
وندائي هنا لكل المسلمين حول العالم:
أبشر أخي المسلم، وأبشري أختي المسلمة، فإن الله (تعالى)، يحبكم، وهو معكم أينما كنتم، فقد سخر لكم ما في الكون؛ لتنعموا بخيرات الله فيه، فلا تفتحوا للشيطان بابا ليضلكم عن سبيل الله، وتفاءلوا بالخير تجدوه، وتذكروا دائمًا، قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 143).
وعليكم أيها المسلمون أن تجيدوا مهاراتِ المحاسبة، ولا أعني هنا المحاسبةَ التِّجارية فلَها أهلُها، ولكن أعني هنا أن يحاسبَ الإنسانُ نفسَه على الدوام، فالدنيا ستَفنى، وكلنا سنَموت، والأعمالُ بخَواتيمها، وأنه يجب أن نحاسبَ أنفسَنا أولًا بأوَّل قبل أنْ نُحاسب في الآخرة.
واعْلموا أيها السيداتُ والسادة أنَّ الدنيا ساعة، ومن ثَمَّ يجب أن نَجعلها طاعةً خالصةً لله، وأن النَّفس طماعة، علينا أن نُعَوِّدها القناعة؛ حتى نفوز برضا الله.