مصطفى ياسين
حظيت الجريمة اللاإنسانية البشعة التى وقعت لبعض المصلِّين فى مسجدين بنيوزيلاندا، بالكثير من الإدانات والاستنكار الدولى من كافة الجهات.
وكان أحد المتطرفين اليمينيين، من أصل أسترالى قد ارتكب مذبحة بحق المصلِّين فى مسجدى الروضة والنور، راح ضحيتها حتى الآن 49 شهيدا وأكثر من 20 مصابا- بعضهم حالته حرجة- فيما ألقت شرطة نيوزيلاندا القبض على 4 مشتبه بهم، بينهم امرأة.
وقد أصدر فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- بيانا حول تلك المذبحة، قال فيه: تابعت ببالغ الألم وعميق الحزن أنباء الهجوم الإرهابي الذي استهدف المُصلِّين الآمنين في مسجدين بمدينة “كرايست تشيرش” النيوزيلندية، أثناء أداء صلاة ظهر الجمعة، ما أسفر عن مصرع نحو 50 شخصًا وإصابة عدد مماثل، بينهم العديد من الأطفال والنساء، في مذبحةٍ مروعة يجبُ أن تهتز لها مشاعر وقلوب كل ذوي الضمائر الحيَّة في أنحاء العالم؛ لما فيها من انتهاكٍ لحُرمة الدماء المعصومة، وسفكٍ لأرواحٍ بريئة طاهرة كانت تتضرَّعُ لربها في خشوعٍ واطمئنان.
فرعان لشجرة واحدة
أضاف: إن تلك المذبحة “الارهابية الشنيعة”، التي حرص مُنفذوها على تصويرها وبثِّها على الهواء للعالم كله، لا تختلف كثيرًا عن مشاهد قطع الرقاب المُروِّعة التي ارتكبتها عصاباتُ داعش الإجراميَّة، فهما فرعان لشجرةٍ واحدة، رُوِيت بماء الكراهية والعنف والتطرُّف، ونزَعت من قلوب أصحابها مشاعرَ الرحمة والتسامح والإنسانيَّة، بل ما كان لهما أن يتوحَّشا بهذا الشكل المُرعِب لولا حساباتٌ سياسيَّةٌ وعنصريَّةٌ ضيِّقة، غضَّت الطرف عن جرائمهما، وسمحت لهما بالانتشار والتوحُّش.
ولعل الذين دأبوا على إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين يتوقَّفون عن ترديد هذه الأكذوبة بعد أن ثبت لكلِّ مُنصف مُتجرِّد من الغرَض والهوى أنَّ حادثة اليوم، بكل ما خلَّفته من آلامٍ شديدة القسوة، لم يكن من ورائها عقلٌ منتمٍ للإسلام ولا للمسلمين، وإنَّما وراءها عقل بربري وهمجي متوحش، لا نعرف ما هي دوافعه وعقيدته المنحرفة التي أوحت له بهذه الجريمة النكراء، غير أنَّنا- نحن المسلمين- رغم فاجعتنا التي فتَّتت أكبادَنا لا نستطيع أن نقول كلمةً واحدةً تَدِين المسيحيَّة والمسيح -عليه السلام- والتي قد يدَّعي الإيمانَ بها هذا القاتلُ الأثيم؛ لإيماننا بالفرق الهائل بين الأديان وسماحتها، وبين المتلاعبين بها من تجَّار السياسة وتجَّار السلاح، ولسنا نفهم الفرق بين إرهابٍ يرتكبُه مُنتمٍ للإسلام فيُضاف على الفور إلى الإسلام والمسلمين، وبين إرهابٍ يرتكبه مُنتمٍ إلى أي دين آخر فيُوصف فورًا بأنه متطرف يميني، كما أننا لا نفهم كيف لا يوصف هذا الهجوم بأنه إرهاب، ويقال: إنه جريمة!

التطرف اليميني
استطر د. الطيب: وإنني أتساءل: ماذا تعني كلمة “التطرف اليميني”؟ ولماذا يدفع المسلمون وحدَهم ثمنَ ما يُسمَّى بـ”التطرف اليميني” وما يُسمونه بالتطرف الإسلامي من دمائهم وشعوبهم وأراضيهم؟ أما آنَ الأوان أن يكفَّ الناس شرقًا وغربًا عن ترديد أكذوبة: “الإرهاب الإسلامي”؟
إنَّ ظاهرة الإسلاموفوبيا وتيَّارات العداء العنصري للأجانب والمُهاجرين في الغرب لم تحظَ حتى الآن بالاهتمام الكافي، رغم خُطورتها وتحوُّلها في كثيرٍ من الحالات لأعمالِ عُنفٍ وكراهيةٍ مَقِيتة، وهو ما يستوجبُ سرعةَ التحرُّك الفاعل لتجريمها ومُحاصرتها ورفع أيِّ غطاءٍ سياسيٍّ أو دينيٍّ عن أصحابها، مع بذل مزيدٍ من الجهد لتعزيز قِيَمِ التسامح والتعايش والاندماج الإيجابي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الخصوصية الدينيَّة والثقافيَّة.
الأخوة الإنسانية
أضاف د. الطيب: ولعلَّه من المهم في هذه اللحظات المؤلمة أن نتذكَّر ما نصَّت عليه “وثيقةُ الأخوة الإنسانية”، التي وقَّعها الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان، في فبراير الماضي، من تأكيدٍ على ضرورة “التحلِّي بالأخلاقِ والتَّمسُّكِ بالتعاليمِ الدِّينيَّةِ القَوِيمةِ لمُواجَهةِ النَّزعاتِ الفرديَّةِ والأنانيَّةِ والصِّدامِيَّةِ، والتَّطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه”، وتشديدها على أنَّ “الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ، ليس نِتاجًا للدِّين – حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه – بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُومِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي”.
وقدَّم الإمام الأكبر خالص التعازي والمواساة لأسر الضحايا وذَوِيهم، ولكلِّ المسلمين في العالم ولذوي الضمائر الحيَّة، وقال: أتضرَّعُ إلى المولى- سبحانه وتعالى- أن يتغمَّد الضحايا بواسع رحمته، ويُدخلهم فسيح جناته، وأن يُنعِم على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يُعِيد لمَن روَّعتهم تلك المذبحةُ النكراءُ السكينةَ والطمأنينة.
أفعال خسيسة
من جانبه، نعى د. محمد مختار جمعة- وزير الأوقاف- شهداء الهجوم الإرهابي الغاشم، مؤكدًا أن الاعتداء على الآمنين ودور العبادة واستهداف الأبرياء يعد من أبشع صور الإرهاب، وأنها أفعال خسيسة لا يقوم بها إلا فاقدو الحس الإنساني، ولطالما أكدنا أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له، وأن شرَّه مستطير، وما لم يتكاتف عقلاء الإنسانية لدحره فإن العواقب ستكون وخيمة على العالم كله ولن ينجو من شره أحد، فالحوادث الإرهابية البشعة تتطلب تتضافر الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب وداعميه، مؤكدا أن ديننا الحنيف عني بتأمين دور العبادة حتى في حالات الحرب، فنهى عن التعرّض للرهبان في كنائسهم أو صوامعهم أو الأحبار في بيعهم، ويجب أن يتبني المجتمع الدولي قانونا صارما يعد الاعتداء على دور العبادة جريمة ضد الإنسانية وسفك دماء الآمنين بها من جرائم الإبادة الجماعية دون أي تفرقة بين دين وآخر.
وتوجَّه وزير الأوقاف لأسر الشهداء بخالص العزاء، سائلاً الله (عز وجل) للضحايا الأبرار واسع الرحمة والمغفرة وأن يتقبلهم في الشهداء والصالحين، وأن يمنَّ على المصابين بالشفاء العاجل.
سجل الإرهاب
كما أدانت نقابة الأشراف بشدة الحادث الإرهابي، ونوَّه سماحة الشريف السيد محمود الشريف- نقيب الأشراف، وكيل أول مجلس النواب- إلى أن هذه الهجمات تمثّل صورةً وحشيةً جديدةً ومشهدًا دمويًا يضاف لسجلّ جرائم الارهاب الملطّخ بدماء الأبرياء، فيما أعرب سماحته عن بالغ أسفه وحزنه الشديد قائلا: إن استهداف الإرهابيين المتكرر لدور العبادة وللأبرياء في العالم يبرهن علي الفكر الظلامي للإرهابيين، مؤكدا على الحاجة إلي تكاتف الجهود لمواجهته ومحاربة الأفكار الإجرامية.
وجدَّدت نقابة الأشراف التأكيد على موقفها الرافض للإرهاب بكافة أشكاله، معربة عن تعازيها للحكومة النيوزيلندية وأهالي وذوي الضحايا في نيوزيلندا، وتمنياتها بالشفاء العاجل للمصابين.
ضد الإنسانية
من جانبها، أدانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- بشدة الهجوم الإرهابي على مسجد بشارع دينز وفي مسجد آخر بشارع لينوود، خلال صلاة الجمعة في مدينة كرايست تشيرش، بجنوب نيوزيلندا، وقالت الإيسيسكو: إن هذا العمل الإرهابي الشنيع جريمة ضد الإنسانية ومظهر قبيح من الكراهية للإسلام من قبل فئات عنصرية متطرّفة يجب إدانته دوليا ومعاقبة مرتكبيه .
ودعت الإيسيسكو إلى التضامن مع مسلمي نيوزيلاندا، وعبّرت عن ثقتها فيما ستقوم السلطات النيوزلندية به من إجراءات لمعاقبة الإرهابيين وحماية المساجد والمسلمين في أراضيها.
إدانة إنجيلية
على جانب آخر نعت الطائفة الإنجيلية بمصر، وعلى رأسها د. القس أندريه زكي، بخالص الأسى والحزن ضحايا الهجومين الإرهابيين الغاشمين، وأدانت هذا العمل الإجرامي الذي استباح الآمنين، وأزهق عشرات الأرواح بدم بارد، معتديًا على الحق في الحياة، أقدس الحقوق الإنسانية وأسماها. وتؤكد الطائفة أن هذا العمل البشع تدفعه كراهية بغيضة تزدري الآخر وتستبيحه.
وقالت- فى بيان لها-: نصلي أن يمنح الله عزاءً وسلامًا لأهالي الشهداء، وأن يمنَّ بشفائه العاجل على المصابين، وأن يبسط سلامه الذي يفوق كل عقل على كل العالم.
وقد أوقف رئيس الطائفة اجتماعًا للصلاة يحضره رؤساء المذاهب الإنجيلية وأعضاء المجلس الإنجيلي العام و١٥٠٠ قائد وقس من كافة المذاهب الإنجيلية، ضمن فعاليات مؤتمر الألف خادم الإنجيلي الثالث بوادي النطرون، وطلب الصلاة لأجل الشهداء والمصابين مُدينًا كل أشكال العنف ضد العابدين من أي ديانة وجنسية.