الصوفية والسلفية الحقيقية.. وجهان لشريعة الوسطية
التوعية.. سلاح المواجهة لأى انحرافات فكرية
تعدد “الطرق” تنوع “تزكوى”.. قرين التنوع الفقهى للمذاهب
الصوفي أينما وقع نفع.. ديدنه الحب والعطاء
أجرى الحوار- محمد لملوم
تتعرض الطرق الصوفية، بين الحين والآخر، للكثير من حملات الانتقاد والهجوم نتيجة تصرفات بعض أتباعها، وتحفز البعض من أعدائها، وما بين الفريقين يظلم التصوف الذي يعد علما من العلوم الشرعية المعتبرة.
ولاستجلاء الصورة الصحيحة، وتفنيد ودحض الاتهامات، كان لنا هذا اللقاء مع عالم التصوف د. أحمد شتيه، مدرس الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة دمنهور، المتخصص في علم التصوف الإسلامي، ومن شراح كتب التصوف بالساحات العلمية والصوفية.
فى البداية: أنت شافعي المذهب، ما رأيك فيمن ينالون من مقام وعلم وفقه الإمام الشافعي؟
الجرأة على العلماء من سيما المتطرفين، أولئك الذين ينظرون إلى المسلمين نظرة بعيدة تماماً عن نظرة أهل الإهتداء، وهذه الجرأة إنما تصدر عن جهل وعن عصبية، لا عن فهم متسع أبداً ولا عن تدين حقيقي.
لقد وجدنا في القريب من ينال من الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ثم وجدنا من يقع في إمام الأئمة الشافعي رضي الله عنهم، ثم وجدنا من يطعن في عقيدة الإمام النووي، حتى عقد ثلاثة من حدثاء السن لقاء عبر السوشيال ميديا ليحكموا على عقيدته رضي الله عنه بالإهتداء أو الضلالة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإن صاحب النظر المدقق يجد أن هذا التوجه في الإنتقاص من علماء الأمة يصدر عن فئة واحدة، وفرقة واحدة هي التي تضع في صدارة أولوياتها تمزيق الشمل المسلم، وإسقاط رموز الإسلام؛ وليس هذا إلا لصالح فرقة معينة وفئة معينة وفكر معين.
فنقول لهؤلاء: كفوا عن علماء الأمة، فلحومهم مسمومة، وإنكم إذ تطعنون في الكبار فمن يبقى لكم وللأمة؟
ممارسات تخص أصحابها
هل التصوف المعتدل مرتبط بالفقه الإسلامي والسنة النبوية؟
التصوف من الجهة العلمية شيء واحد لا يتجزأ، فلا يوجد هناك تصوف معتدل وآخر منحرف، فالتصوف في حقيقته علم شريف مؤسس على الكتاب والسنة لا يحيد أو ينفك عنهما في أية تفصيلة من تفصيلاته.
أما ما يقال عنه إنه تصوف منحرف فهو في الحقيقة ليس تصوفاً، بل هو ممارسات تخص أصحابها ولا تحسب على هذا العلم الشريف، وهذا المعنى هو ما ننادي به دوماً ونستهدف وصوله إلى كل العقول والقلوب ليفرقوا بين العلم والمنتسبين إليه.
أما علاقة التصوف بالفقه فإن الصلة بين التصوف وبين العلوم الإسلامية كلها صلة وثيقة، وفي صدارتها علم الفقه، فقد إتفق علماؤنا على أن الفقيه لا غنى له عن التصوف وأن المتصوف لا غنى له عن الفقه، وفي هذا المعنى قال الإمام مالك: “من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه وتصوف فقد تحقق” ذكر ذلك الإمام التتائي المالكي في “شرح خطط السداد والرشاد”، وفي هذا المعنى أيضا نجد قولاً للإمام الشافعي من كتاب “الجوهر النفيس في شعر الإمام محمد بن إدريس” يقول فيها: فقيها وصوفياً فكن ليس واحداً، فإني وحق الله إياك أنصح، فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تقى، وذاك جهول كيف ذو الجهل يصلح ؟
أما علاقة التصوف بالسنة النبوية فإن العلاقة بين علم السلوك “التصوف” وسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علاقة تلازم، فعلم السلوك إنما قام على كتاب الله وفهم سنة رسوله الكريم قولاً وفعلاً وحالاً، وبذل الجهد كله في تطبيقها.
وهنا وقفة مهمة مع كل منتسب للتصوف، فإن نسبة المهتمين بالعلم الشرعي من المنتسبين للتصوف نسبة ليست كبيرة، وهذا مؤشر خطير يشير إلى ضعف الإرشاد في كثير من المدارس الصوفية.
فعلى المنتسب للتصوف أن يعلم أن الطريق الذي إنتسب إليه طريق علم وعمل، وطريق إتباع ومتابعة وليس طريق تفريط وتساهل، وهذا كله يصب في نجاحه كمريد في مهمة سيره وسلوكه إلى مولاه، فعليه أن يحرص كل الحرص على تحصيل العلم الشرعي وعلى معرفة أحوال سيدنا رسول الله بالقدر الذي يعينه على النجاح فى مهمته.
ضعف العلم
يوجد في مصر العديد من الطرق الصوفية المعتمدة والمصرح لها بالأنشطة من مشيخة الطرق الصوفية، ماذا عن الطرق غير المعتمدة والتي تنحرف عن النهج الصوفي المعتدل؟
إعتماد الطريقة من جهة رسمية معناه أن الجهة الرسمية المنوط بها إعتماد أوراق الطريقة قد إطلعت على منهج الطريقة ومبناها الفلسفي وأورادها وموقف الشريعة من الطريقة، فهذا هو الإجراء الرسمي لإعتماد أية مدرسة صوفية في شتى بقاع الأرض.
وفي العموم فإن المدرسة الصوفية التي يشار إليها “بالطريقة” لابد أن يكون لها منهج إرشادي واضح في الشريعة والسلوك، وإلا فما الشيء الذي تقدمه لطلابها ومنتسبيها.
وإن الإنحراف عن الطريق يأتي كما قلنا من ضعف العلم وعدم إرتسام الصورة الذهنية للطريق في أذهان المريدين، لذلك فالإهتمام بتدريس العلوم الشرعية داخل المدرسة الصوفية أمر، لا أقول من لوازم السلوك. بل هو من أسس السلوك.
نشر الوعى
كيف نواجه الإنحرافات الصوفية التي نراها في الإحتفالات بموالد آل البيت؟
حب السادة آل بيت سيدنا رسول الله أصل من الأصول، كما أن محبة السادة الصالحين عموماً هي في الحقيقة محبة لسيدنا رسول الله، فهو جد كل تقي، وتلك المحبة نستطيع وصفها بأنها ركن ركين من وجدان المجتمع المصري، والمسلم يعلم أن مودة السادة آل البيت هي في الحقيقة مودة للرسول الكريم.
ولكن ما نراه من مخالفات في موالد السادة آل البيت والسادة الصالحين لا تواجه إلا من خلال طريق واحد، وهو طريق نشر الوعي الجمعي بين المحبين، وهذا الوعي لابد أن يتوجه إلى :بيان الهيئة الصحيحة التي يجب أن تكون عليها تلك الإحتفالات، وهي إقامة مجالس العلم ومجالس تدارس سيرة السادة الذين تقام لأجلهم تلك الإحتفالات، ثم إقامة مجالس الذكر الشرعي المنضبط بقواعد الشريعة.
وهذا يسوقنا إلى الجانب الآخر من جوانب ما يجب نشره من الوعي الجمعي بين المحبين وأبناء طريق التصوف، وهو تعريف الجميع بالهدف والمقصد من إقامة تلك الإحتفالات، وهو تحقيق معنى القدوة، فنحن حينما نقيم إحتفالاً بموالد السادة لا يكون الغرض من ذلك إلا إحياء معنى الإقتداء الحقيقي بهم في سيرتهم ومسيرتهم، والتأكيد على وجوب الإفادة من توجيهاتهم وإرشاداتهم في السير والسلوك إلى الله.
وإن كل ما نراه من مخالفات تنسب إلى التصوف إنما هي ناجمة عن ضعف الوعي لدى طبقة كبيرة من المنتسبين للتصوف من غير المهتمين بالعلم الشرعي والمكتفين بمجرد الإنتساب.
مع التأكيد على أن التصوف يواجه في هذه الفترة تحديات كبيرة، فعلى كل منتسب للتصوف أن يعي تماماً أنه يتوجب عليه أن يظهر بالمظهر اللائق، وهذا المظهر لن يكون إلا بإلتزام آداب الشريعة المطهرة، لكي تكون الدعوة إلى التصوف دعوة شرعية بريئة من كل إتهام.
المستقيم ولى
توجد قاعدة صوفية تقول: الإستقامة خير من ألف كرامة، فهل كل مستقيم يعد ولياً؟
الولاية تشير إلى معنى العبودية، وهو المعنى الذي من أجله خلق الله الإنسان، قال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الذاريات 56، فالله تعالى خلق الإنسان لهذه المهمة، وأرسل الرسل نماذج كاملة للعباد الكاملين، ليكونوا هداة للخلق في كل دائرة إلى هذا المعنى، حتى جاء سيد المرسلين فكان أكمل الكاملين، فصار هو العبد الكامل الذي أشار الله إليه فقال: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” الإسراء 1.
فالولي في حقيقته يوالي ربه تعالى في إتباع أوامره وإجتناب مناهيه، فيواليه ربه بالحفظ والرعاية والتوفيق، قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” العنكبوت69 وقال: “وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ” محمد 17، وكل ذلك لا يكون إلا بالإستقامة على الكتاب والسنة وعدم الخروج عنهما بأية حال.
فالمستقيم على الكتاب والسنة هو بالمعنى العام من أولياء الله من غير شك، شريطة أن يكون ذلك في الظاهر وفي الباطن أيضاً، بمعنى أنه يلتزم قواعد الشريعة في سلوكه الظاهر وقواعد الطريقة في سلوكه القلبي الباطن، والطريقة هنا هي السنة، فلابد من أن يصل إلى فهم نفسية الرسول الكريم ويتابعها، وهذا لن يكون إلا على يد أهل الله من أرباب التجارب السلوكية الناجحة.
تصوف الأمة
هل التصوف المعاصر مؤهل للقيام بمهام التزكية والتريبة؟
التصوف كعلم ومنهج مؤهلٌ في كل وقت للقيام بهذه المهمة، لأن هذا العلم هو الأوحد بين العلوم الإسلامية الذي تخصص في هذا الباب، فجميع ما يحتاجه السائر إلى الله في رحلته إلى مرتبة الإحسان مستودع ومسطور في هذا العلم.
وإن نظرة العلماء إلى التصوف قديماً وحديثاً لم تختلف أبداً حول هذا المعنى الذي قدمناه سلفاً، فهم يعلمون أن مدارس التربية الصوفية على النهج العلمي والشرعي موجودة في كل وقت، وليس على طالب السلوك سوى البحث عنها والتوجه إليها.
أذكر هنا قول الشيخ محمد عبده في الأعمال الكاملة في “رسالة التوحيد” جـ3 صـ 555عن أهمية علم التصوف: “إنه لم يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفية في علم الأخلاق وتربية النفوس، وإنه بضعف هذه الطبقة وفقدانها فقدنا الدين”.
وقول الشيخ محمد أبو زهرة فيما أورده الأستاذ يوسف خطار في “الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية”:” نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي، وذلك لأن شبابنا قد إستهوته الأهواء، وأصبحت وسائل الهداية لا تجدي شيئاً، إذاً لابد من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن تتجه إلى الإستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الإستيلاء يكون بنظام الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن، وفي كل بيئة علمية أو إجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه”.
إذاً فهذه نظرة هؤلاء الكبار إلى التصوف وإلى إحتياج الأمة لاسيما شبابها إلى علم التصوف الحقيقي.
الكتاب والسنة
التصوف علم وسلوك وتربية مقصده هداية الخلق والأخذ بأيديهم نحو السلوك القويم.. فهل كل الطرق الصوفية المعاصرة تتبع هذا النهج؟
القاعدة التي ننطلق منها هي قياس كل شيء والحكم على كل شيء بالأساسين: الكتاب والسنة، فإن وافق نهج أية طريقة الكتاب والسنة فهي على الحق وإلا فلا، وهذا الأساس وضعه أئمة التصوف وأكدوا عليه في كل عصر، فقال أبو الحسن بن أبي الحوارى فيما ذكره الشاطبي في الاعتصام: “من عمل عملاً بلا إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فباطل عمله”.
وقال الإمام الجنيد شيخ الطائفة فيما ذكره الإمام القشيري في رسالته: “مذهبنا هذا يعني التصوف، مقيد بأصول الكتاب والسنة، وعلمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وتأسيساً على ذلك نفهم تماماً أن حال المدرسة الصوفية إنما يقاس بهذا المقياس لا ينفك ولا يخرج عنه.
والناظر في حال التصوف والمدارس الصوفية عبر القرون وفي شتى البقاع يجد أن هناك مدارس صوفية متمسكة بالنهج القويم من العلم والعمل والأدب والسلوك، وهناك مدارس أخرى إنحرفت عن هذا النهج، لأسباب عدة منها غلبة الأهواء وحب التصدر والمشيخة، ودخول حب الدنيا على القلوب، وغير ذلك.
وهنا نقول ونؤكد أن على كل راغب في السلوك أن يتخير المدرسة التي ستقوده إلى الترقي إختياراً دقيقاً، منطلِقاً من هذا المنطلق وهو مدى تمسك الطريقة بالكتاب والسنة، فهذا هو الفيصل بين التصوف المعتدل والتصوف المنحرف.
إمتداد لمدرسة النبوة
ما ردك على من يقولون: ليس للطرق الصوفية أصل فى الشرع؟
إن ما يزعج هؤلاء هو لفظة “الطريقة”، ولو أنهم نظروا في كتاب الله لوجدوها إذ قال تعالى: “وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا” الجن 16، والطريقة في اللغة هي السنة.
كذلك فإن المعترض لم يقرأ تاريخ الإسلام جيداً، ليفهم أن الطريقة الصوفية هي مدرسة تربوية سلوكية، وأنها إمتداد لمدرسة النبوة ثم لمدارس صحابة رسول الله الذين كانوا يعقدون مجالس العلم والإرشاد، ثم إمتداد لمدارس التابعين ثم تابعيهم.
أخي الكريم ما أسهل الإنكار على الجاهل، وما أصعبه على العالم، فالإنسان عدو ما يجهل.. فكيف أخي الكريم أنكر الطرق الصوفية وهي التي إنتسبت إليها جماهير علماء الأمة عبر قرابة قرن ونصف؟ أي منصف أو واع أو عالم بوسعه إنكار ذلك؟
ولكن هؤلاء المدعين يعملون لحساب إتجاهات أخرى، فتراهم لا يقعون في التصوف فحسب، بل يقعون في كل منهج أو مذهب أو شخص يخالفهم، فبيننا وبين هؤلاء الدليل العلمي لا مجرد شقشقة الألسنة بالفزاعات كما هو نهجهم الآن على الميديا وغيرها.
السلفية الحقيقية
تتعرض الطرق الصوفية لفتاوى من بعض السلفية بالتحريم والإنكار.. ما ردك على هؤلاء؟
السلفية الحقيقية.. هي سلفية الأزهر الشريف، السلفية هي إعتناق نهج سلف الأمة في العقيدة والفقه والسلوك، فتلك هي السلفية الحقيقية، فنحن على عقيدة أهل السنة “الأشاعرة والماتريدية”، وعلى الفقه المذهبي “الأحناف، والمالكية والشافعية، والحنابلة”، وعلى سلوك طريق أهل التصوف في التزكية وتربية النفس، فتلك السلفية التي نعرفها، وعلى كل من خالف هذ النهج أن يراجع نفسه في مسمى السلفية الذي يتشدق به أو يعلنه.
وما لا يعرفه الكثيرون أن السلفية الحقيقية والصوفية الحقيقية شيء واحد لا ينفصل كلاهما عن الآخر، فمن قرأ في طبقات الرجال علم أن الأشاعرة والماتريدية هم سادات الأمة في الإعتقاد، وأن المذاهب الأربعة ساداتها في الفقه، وأن الصوفية ساداتها في السلوك.
أما إعتراض بعض المنتسبين إلى مسمى “السلفية” على الصوفية ليس مبنياً على أخطاء بعض الصوفية، بل مؤسس على رغبة واضحة نجدها في مؤلفات ومواد هؤلاء المسموعة والمرئية في هدم التصوف معنى ومبنى، مستغلين في ذلك ضعف ثقافة القطاع العريض من المسلمين، لكنهم لن ينجحوا في ذلك بأية حال لأن مذهبهم بات متهافتاً، إذ أنتج لنا الفكر المتطرف بشتى ألوانه، عافانا الله جميعاً من التطرف وأهله.
التعدد.. طبيعى
طرق صوفية متعددة لكل منها منهج.. لماذا لا نختزل جميع الطرق فى طريقة واحدة منعاً للإنحراف؟
إنحراف البعض ليس ناشئاً عن تعدد الطرق، بل عن ضعف الفهم وغياب الإرشاد عن شخص أو عن مجموعة، هذا أولاً.
ثانياً: التعدد أمر طبيعي جداً في كل أمة وكل علم، فهذه مدارس لكل منها أسس ومنطلقات، وأقرب مثال على ما نقول: المذاهب الأربعة، فهي مدارس فقهية أنتجت كل مدرسة منها منتجاً علمياً مقدراً، إتفقت مع الباقي في الأسس وإختلفت في الفروع، فهل يقول أحد أن تعدد المذاهب الفقهية هو سبب إنحراف أحد؟
إن التعدد باب من أبواب التيسير، فما يناسب نفساً قد لا يناسب الأخرى، وهكذا الأمر في المدارس أو الطرق الصوفية، فهي مدارس للتربية تتفق جميعها في الأسس وهي الكتاب والسنة، والعقيدة السليمة، وفي المقصد وهو تزكية النفوس وتربيتها من أجل الوصول إلى العبودية الكاملة أو إلى مقام الإحسان أو إلى المعرفة بالله، لكنها قد تختلف في الفروع إختلافاً يناسب تباين النفوس وإختلاف ميولها وطبائعها.
خدمات جليلة
هل تقدم الطرق الصوفية خدمات مجتمعية مثل الجمعيات الأهلية والخيرية؟
الشخصية الصوفية نافعة أينما حلت، وأجمل ما فيها أنها تخرج للمجتمع حاملة المحبة للجميع، وقاصدة النفع للجميع، وهذا كله في جعبة السير والسلوك إلى الله، فجميع حركاتهم في الكون هي لله وفي الله.
إننا لو نظرنا بعين الدقة إلى المجتمع الصوفي المستنير لوجدنا خدمات كثيرة يقدمها الصوفية لغيرهم على المستوى الفردي وعلى المستوى الجمعي.
فعلى المستوى الفردي فإن الإنسان الصوفي كما سلف الذكر، يحرص على قضاء حوائج الآخرين ويسعد بالسعي عليها، وعلى المستوى الجمعي فإن كثيراً من طرق السادة الصوفية، وكثيراً من ساحات وأربطة العلم المؤسسة على أساس صوفي تقدم للمجتمع خدمات جليلة في أبواب: تدريس العلوم الشرعية لطلاب العلم عموماً، وطلاب السلوك دون مقابل، مثل مساعدة وكفالة الأيتام والأرامل، ومساعدة كفالة طلاب العلم غير القادرين على معايشهم ونفقاتهم، وإطعام الطعام بشتى أشكاله وسبله.