بقلم الدكتور مصطفى أحمد أبو عمرو
أستاذ ورئيس قسم القانون المدنى بكلية الحقوق بطنطا
أصبحت الشائعات في العصر الحالي وسيلة لتدمير الدول والشعوب وسلب ثرواتها وتراثها الحضاري كما ظهر مؤخرا ممن يدعون أن الحضارة المصرية ملكا لدول أخرى، وقد تهدف الشائعات لتدمير اقتصاد الدول وتفكيك مؤسساتها وتقطيع أوصالها وتفريق أبنائها وازكاء روح الطائفية والعنصرية فيها كما تهدف للوقيعة بين الشعوب وحكامها وهز الثقة المتبادلة بينهما وصولا لإسقاط تلك الدول وتقسيمها والسيطرة عليها.
و تعد الشائعات منذ القدم وسيلة للإضرار بسمعة الأفراد والعائلات والمساس بحرمة حياتهم الخاصة والإضرار بالشركات المدنية والتجارية المنافسة، وتزداد خطورة هذا السلاح المشؤوم والذي يبث ما هو أخطر من السموم في ظل تطور وسائل الإتصالات والتواصل الاجتماعي، وتواجد الهاتف المحمول بيد الجميع، الفقير قبل الغني والصغير قبل الكبير، وتتضاعف تلك الخطورة في المجتمعات التي تعاني من ظاهرة الأمية الهجائية والالكترونية والدينية، حيث تكون سرعة انتشار الشائعات رهيبة ومعدلات تصديقها مرتفعة للغاية.
ومن المؤسف أن الكثير ممن يتداول تلك الشائعات يقومون بذلك بلا وعي أحيانا وبهدف الظهور بمظهر العالم ببواطن الأمور وواسع المعرفة أحايين أخرى. وقد حذر القران الكريم من خطورة تلك الظاهرة كما أكد الدستور على عدم جواز المساس بحرمة الحياة الخاصة وتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين، كما تضمن قانون العقوبات الحالي بعض النصوص التي تقرر عقابا لمرتكب جريمة بث الشائعات المغرضة ومنها المادة 80/د التي تعاقب كل مصري يذيع عمدا في الخارج أخبار أو بيانات او شائعات كاذبة حول الاوضاع الداخلية في البلادعلى نحو يتسبب في اضعاف الثقة المالية بالدولة. ومنها ايضا المادة 102 التي تعاقب من ينشر شائعات كاذبة تؤدي لتكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الأذى بالمصلحة العامة وتشدد العقوبة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، كما تضمن قانون جرائم تقنية المعلومات بعض النصوص التي تجابه تلك الظاهرة أيضا ومنها المادة 25. والملاحظ أن العقوبات التي قررها المشرع لتلك الجريمة لم تعد تتناسب البتة مع خطورة اثارها على المجتمع، لذلك اري ضرورة تشديد العقاب على تلك الجريمة وجعلها من الجرائم التي لاتسقط الدعوى الجنائية ولا الدعوى المدنية الناشئتين عنها بالتقادم خاصة وأن معظم هذه الشائعات قد تبث بمعرفة أشخاص أو مجموعات أو منصات موجودة بالخارج ويصعب الوصول إليها إلا بعد سنوات قد تطول فيفلت المجرم من العقاب وهو ما يشجع البعض على ارتكابها وهو مطمئن من عدم إمكانية ملاحقته قضائيا.
وكذلك سرعة إبرام اتفاقيات دولية سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو العالمي تلتزم بموجبها كل دولة بتسليم أي شخص أو مجموعة تبث من إقليمها شائعات مغرضة تلحق الأذى بالأفراد أوالعائلات أو المشروعات والشركات أم بالدول والمؤسسات إلى الدولة التي تحقق فيها الضرر لمحاكمته عن تلك الجريمة، وأن تتضمن تلك المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية بيان الأحكام القانونية لمساءلة الدول عن بثها شائعات مغرضة إضرارا بدول أخرى وأن تكون هذه الجريمة الدولية أيضا من الجرائم التي تسقط الدعاوى الناشئة عنها بالتقادم، ولاشك أن التشريعات بشتى صورها ومهما بلغت دقتها ومرونتها وشمولها لا تصلح وحدها لمجابهة تلك الظاهرة المدمرة، بل لابد أن تتضافر معها جهود المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والدينية والرياضية للتوعية بمخاطر تلك الجريمة وعدم ترويج الشائعة بلا وعي والتحقق من مصادرها وأغراضها وأخطارها ومصداقيتها، وليكن كل فرد في المجتمع سببا لتوقف الشائعة عنده وليس العكس، فبذلك يكون أبناء المجتمع حائط صد منيع للشائعات وليس معول هدم وبوق لبثها وترويجها وتداولها عن قصد أو نتيجة الجهل.