بقلم د. حنان شبانة
الأستاذ المساعد بجامعة تبوك سابقا
في عصرنا الرقمي المتسارع، تظهر تحديات أمنية جديدة تهدد الأفراد والمجتمعات، ومن أبرز هذه التهديدات الإرهاب الإلكتروني الذي يتزايد تأثيره بشكل لا يمكن تجاهله. والتصدي لهذه التهديدات لا يقتصر فقط على الأدوات التكنولوجية، بل يتطلب نهجا شاملا يجمع بين التقنية والأخلاق. هنا تبرز تعاليم الإسلام كمنظومة قيمية راسخة، قادرة على توجيه السلوكيات وتعزيز المبادئ الأخلاقية في الفضاء الرقمي. فالقيم الإسلامية ليست مجرد معتقدات دينية، بل هي أدوات فعالة لبناء بيئة إلكترونية آمنة وعادلة من خلال الامتثال للأوامر الإلهية التي تحث على نبذ التجسس والاعتداء، وتفعيل قيم العدل، والمساواة، والسلام، يمكننا التصدي بفعالية للإرهاب الإلكتروني.
وفي هذا المقال، سنستعرض كيف يمكن لتعاليم الإسلام أن تلعب دورا حاسما في تعزيز الأمن السيبراني وبناء مجتمع رقمي مستدام يتسم بالأمان والإنصاف.
فالامتثال للأوامر الإلهية يعد من الأسس الرئيسة في تعاليم الإسلام التي تقدم إرشادات قيمة يمكن تطبيقها لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، فالنهي عن التجسس والاعتداء يمثل مبدأين أساسيين في الإسلام يحثان على احترام خصوصيات الآخرين، ومنع التجسس على أسرارهم.يقول الله تعالى: وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً (الحجرات: 12)، ويمكن تطبيق هذا المبدأ في الفضاء الإلكتروني لضمان حماية بيانات الأفراد من التجسس والانتهاك. بالإضافة إلى ذلك، يرفض الإسلام الاعتداء على حقوق الآخرين بأي شكل من الأشكال، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (البقرة: 190)، ويمكن تفسير هذا الأمر على أنه دعوة لاحترام القوانين، وعدم الاعتداء على الممتلكات الإلكترونية للآخرين.
من خلال تفعيل القيم الإسلامية، يمكننا بناء بيئة إلكترونية آمنة وعادلة فمبدأ تحقيق العدل والمساواة الذي يشدد عليه الإسلام يقلل من دوافع اللجوء إلى الإرهاب الإلكتروني. كما يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ (النحل: 90). ويمكن تفعيل هذا المبدأ من خلال إتاحة الفرص المتكافئة للجميع واستخدام التقنية لتحقيق العدالة والإنصاف. بالإضافة إلى ذلك، فإن نشر السلام وتعزيز السلوكيات الودية يسهمان في خلق بيئة إلكترونية آمنة، فقد قال الله تعالى في سورة يونس: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ (يونس: 25).
ولتكامل الجهود في تطبيق القيم الإسلامية، يضطلع العلماء والدعاة بدور محوري في مكافحة الإرهاب الإلكتروني من خلال نشر العلم الديني الصحيح، وتفنيد الأفكار المتطرفة عبر التعليم والخطابات العامة. وتعاونهم مع الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في تطوير برامج التوعية يعزز المعرفة المجتمعية حول مخاطر الإرهاب الإلكتروني. وكذلك مشاركتهم في المؤتمرات والندوات العلمية تسهم في نشر المعرفة وتبادل الخبرات، مما يساعد في تقويض الأسس الفكرية للإرهاب الإلكتروني.
إلى جانب الدور الريادي للعلماء، تؤدي الأسرة دورا محوريا في مواجهة الإرهاب الإلكتروني من خلال غرس القيم والأخلاق النبيلة في نفوس الأبناء، مما يعزز قدرتهم على التصدي للتأثيرات السلبية. فالأسرة توفر بيئة حاضنة تشجع على التواصل المفتوح واستثمار أوقات الفراغ في أنشطة بناءة. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الآباء متابعة استخدام أبنائهم للإنترنت وتوجيههم نحو المحتويات المفيدة والإيجابية لضمان حماية الأبناء من التأثيرات الضارة على الإنترنت.
وفي هذا السياق، يضطلع الخطباء في المساجد بدور محوري في نشر الوعي حول الأمن الإلكتروني، حيث يستغلون خطب الجمعة لنقل هذه المعلومات، مستفيدين من تجمع المسلمين من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية. وكذلك تعزز التربية العقائدية القيم الدينية الصحيحة في نفوس الشباب، مما يساعدهم على التمييز بين الصواب والخطأ في الفضاء الإلكتروني، ويزيد من مناعتهم ضد الأفكار المتطرفة. بهذا التكامل بين دور الخطباء والتربية العقائدية، يمكن بناء وعي متين ومجتمع محصن ضد الإرهاب الإلكتروني.
ولتكملة الجهود المبذولة من قبل الأفراد والخطباء، تضطلع المؤسسات الإعلامية، خاصة تلك المهتمة بالدين والإعلام الإسلامي، بدور حاسم في مكافحة الإرهاب الإلكتروني عبر مراجعة محتواها الإعلامي، وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة ويجب أن تركز هذه المؤسسات على نشر قصص نجاح في مواجهة الإرهاب الإلكتروني وتقديم نصائح لحماية البيانات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم حملات توعوية شاملة باستخدام التلفزيون، الراديو، والإنترنت لزيادة الوعي بمخاطر الإرهاب الإلكتروني وكيفية مواجهته. بهذا النهج المتكامل، يمكن تحقيق بيئة إلكترونية آمنة ومتعاونة.
في ختام هذا المقال، نجد أن عالمنا الرقمي المتسارع لا يفسح مجال للتهاون في مواجهة الإرهاب الإلكتروني. فتعاليم الإسلام بما تحمله من قيم سامية وأخلاق نبيلة، تمنحنا الأساس الراسخ لبناء مجتمع رقمي آمن ومستدام. من خلال الالتزام بالأوامر الإلهية، وتفعيل القيم الإسلامية، والتوعية الدينية، ودور الأسرة، وتضافر جهود المؤسسات الإعلامية والقيادات الدينية، يمكننا صياغة مستقبل لا يفسح مجالا للإرهاب الإلكتروني. فلنتحد جميعا في هذه المعركة النبيلة، مستمدين قوتنا من إيماننا العميق بالله، وقيمنا الأخلاقية، وإصرارنا على حماية أجيال المستقبل. دعونا نكن قدوة في نشر السلام والمحبة، والتسامح في فضائنا الإلكتروني، لنخلق بيئة رقمية تزدهر فيها القيم الإنسانية وتسود فيها روح التعاون والاحترام المتبادل.
إن مسؤوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه مجتمعاتنا تحتم علينا العمل بجد واجتهاد لتأمين الفضاء الرقمي من أي تهديدات محتملة. فلنكن حراس هذا الفضاء، حاملين مشاعل الأمل والنور، متسلحين بالعلم والمعرفة، لتظل راية الحق والعدل مرفوعة. معا، يمكننا تحقيق مستقبل مشرق وآمن، يعمه السلام والأمان، ويزدهر فيه المجتمع.