الانضمام لـ”اتفاقية مكة المكرمة”.. لمكافحة الفساد
د. حنفى جبالى: نرسى قواعد راسخة لتوفير “حياة كريمة”
المستشار عبدالوهاب عبدالرزاق: قوانيننا نموذج يحتذى.. يجمع بين العدالة والمسئولية
د. مايا مرسى: خطوة غير مسبوقة من الدولة المصرية لحماية الأسر الأكثر احتياجاً
مصطفى ياسين
واصل البرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، جلساته العامة بتفعيل دوره التشريعي والرقابي بمناقشات في مختلف الملفات التي تهم المواطن. ولتحقيق العدالة الاجتماعية وتوسعة مظلة الضمان الاجتماعي وكفالة حقوق الفئات الأولى بالرعاية.
حيث ناقش مجلس النواب، برئاسة المستشار د. حنفى جبالى، مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون الضمان الاجتماعي ووافق عليه “من حيث المبدأ” وأقر (20) مادة منه على أن يستكمل المناقشات في جلسات قادمة.
وأكد رئيس المجلس أن مشروع القانون قاعدة راسخة لتوفير حياة كريمة للمواطنين، ولا يقتصر على توفير الدعم فقط وإنما تحقيق التمكين الاقتصادي فهو تخطي هدفه لهدف اسمى.
وشهدت الجلسة مناقشات موسعة أشاد خلالها النواب بمشروع القانون، مؤكدين أنه حقق مطلباً للشعب المصرى بعد ثورتين وهو العدالة الاجتماعية، حيث انتهى المجلس من إقرار المواد الخاصة بالتعريفات ومنها تعريفات الأسرة والأبناء المعالون والأسرة مهجورة العائل وأسرة المجند وغيرها، وكذلك الأحكام العامة، كما أقر المجلس شروط الحصول على الدعم النقدى وتكافل وكرامة.
وشهدت الجلسة عدداً من المداخلات التوضيحية للدكتورة مايا مرسى، وزيرة التضامن الاجتماعى، قدمت خلالها شرحاً بالأرقام لملفات بطاقات الخدمات المتكاملة، وأكدت أنه خلال العام الحالى والسابق تم استخراج 1.2 مليون بطاقة خدمات متكاملة، موضحةً أن فكرة شرط التزام الأبناء بالحضور في المدارس والجامعات لاستحقاق معاش تكافل فكرة مطبقة وأساسها بناء الإنسان.
وفى ختام المناقشات وجه المستشار د. جبالي تحية شكر وتقدير للدكتورة مايا مرسى، على تفاعلها المتميز أثناء مناقشة مشروع قانون الضمان الاجتماعى ومعلوماتها الدقيقة التي أدلت بها، كما وجه التحية للمجلس القومي للمرأة لما يملكه من كوادر قادرة على الإلمام بالعمل العام.
وبدورها قدمت الوزيرة الشكر والتقدير لمجلس النواب برئاسة المستشار د. جبالي والنواب على ما أبدوه من تفهم واهتمام ومداخلات قيمة خلال مناقشات قانون الضمان الاجتماعي، مؤكدة أن المداخلات والمناقشات أظهرت حرص أعضاء المجلس على حقوق الأسر الأكثر احتياجاً وتقديرهم لدور وزارة التضامن، لافتة إلى أن صدور هذا القانون يعد خطوة غير مسبوقة من الدولة المصرية لحماية الأسر الأكثر احتياجاً وهو ما يتوافق مع الإرادة السياسية ودعم الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذه الأسر وكل الفئات الاجتماعية وعلى رأسها المرأة المصرية التي حققت مكتسبات غير مسبوقة خلال السنوات العشر الماضية.
خطوة استراتيجية
كان مجلس النواب قد ناقش مشروع القانون المقدم من الحكومة بإصدار قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي. بهدف تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسعة مظلة الضمان الاجتماعي، وكفالة حقوق الفئات الأولى بالرعاية وتوفير أقصى حماية ممكنة لها كـ”ذوي الهمم” والمسنين والأيتام، وتبني منهج الدعم المشروط بهدف الاستثمار في البشر وتحسين مؤشرات التنمية، من خلال إلزام الأسر المستفيدة بمتابعة برامج الصحة للأم والحامل والأطفال، بالإضافة إلى التحقق من تعليم الأطفال وانتظامهم في المدارس أو الجامعات، كما يهدف مشروع القانون إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بتبني قواعد الاستهداف وتحديد مستوى الفقر للأسرة من خلال معادلة اختبارية تقيس مؤشرات الفقر وآليات الاستحقاق، فضلاً عن تمكين المرأة المصرية من زيادة المشاركة في سوق العمل وتحسين رعايتها الصحية والإنجابية.
وقبيل المناقشات أكد المستشار د. جبالي أن مشروع قانون الضمان الاجتماعي بمثابة شهادة جديدة على عزم الوطن في تحقيق العدالة الاجتماعية، ويمثل قاعدة راسخة لضمان حياة كريمة للمواطنين، فهو خطوة استراتيجية لتحويل الدعم إلى أداة تمكين حقيقية لتصبح الأسر المستحقة قادرة على بناء مستقبل يعتمد على القدرات الذاتية، مشدداً على أن العدالة الاجتماعية لا تقتصر على ضمان الدخل فقط بل تمتد لتوفير فرص متساوية في التعليم والصحة والعمل، لافتاً أن مشروع القانون يسعى لتحقيق توازن بين الحقوق والواجبات ويرسخ قيم التكافل ويشكل تحولاً جوهرياً نحو الاستدامة الاجتماعية.
وأشار إلى دمج برامج “تكافل وكرامة” في إطار موحد مما يحتم استجابة شاملة لدعم الأسر الأكثر احتياجاً والانتقال من مرحلة الدعم النقدي إلى مرحلة التمكين الاقتصادي.
تكافل وكرامة
وشهدت الجلسة إشادة نيابية واسعة بمشروع القانون حيث أكد النواب أنه يمثل نقطة تحول هامة فى حماية الأسر الأولى بالرعاية بما يتماشى مع الدستور المصري والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ورؤية مصر 2030، لافتين إلى أنه يعزز ويسهم فى زيادة مخصصات وزارة التضامن وتوحيد دعم الوعاء المالي وتنظيم المنح لتحقيق أقصى استفادة منها.
وأكد النواب أهمية مشروع القانون لاستكمال برنامج تكافل وكرامة من خلال إنشاء صندوق متخصص يدعم استمرارية البرنامج، وأنه لأول مرة ينص مشروع قانون على حوكمة استحقاق الدعم ويضع مجموعة كبيرة من العقوبات لمن يحصل على الدعم دون أن يستحق، مؤكدين أن مشروع القانون يبرهن على أن الدولة تنظر للفئات الأولى بالرعاية بعين الاهتمام والتقدير وتبذل الجهود المستمرة لتحسين شبكة الأمان الاجتماعي فى ظل الظروف الاقتصادية لتحقيق أفضل حماية للأسر الأقل دخلاً وكفالة حقـوق الفئات الأولى بالرعاية وتوفير أقصى حماية ممكنة لها مثل ذوي الإعاقة والمسنين، والأيتام وتبنى منهج الدعم المشروط بهدف الاستثمار في البشر وتحسين مؤشرات التنمية.
الإجراءات الجنائية
وللأسبوع الثالث استأنف مجلس النواب مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد “من حيث المبدأ” للتمكين من طرح جميع الرؤى حوله، وتوافق كبير بين النواب بمختلف انتماءاتهم بأن مشروع القانون يتفق مع الدستور ويحقق مزيداً من الضمانات للحقوق والحريات ويتفق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. ويمثل قانونا متكاملا للإجراءات الجنائية يحقق فلسفة جديدة تتسق مع دستور ٢٠١٤، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ويتلافى العديد من الملاحظات والتوصيات الصادرة عن بعض الأجهزة التابعة للمنظمات الدولية الرسمية، وبما يتواكب مع التطور التكنولوجي، وذلك كُله بما يحقق المصلحة العليا للدولة في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين الداخلي والدولي، ويحقق الاستقرار المنشود للقواعد الإجرائية، حيث تضمن مزيداً من ضمانات الحقوق والحريات للمواطن المصري بما يليق بالجمهورية الجديدة على النحو الوارد بتقرير اللجنة المشتركة بشأنه.
نقلة كبيرة
وأعلن المستشار الدكتور حنفي جبالى عن تحدث (133) عضواً من أعضاء المجلس من مختلف الانتماءات من حيث المبدأ لإفساح المجال لمختلف الآراء والتوجهات ليخرج القانون بالصورة التى تليق بالدستور الثانى لمصر، وأشاد النواب بمشروع القانون ،لافتين إلى أنه من التشريعات المهمة التى تساهم بقوة فى تحقيق المزيد من الحقوق والحريات بما يمثل نقلة كبيرة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدين أن مشروع القانون اتسم بفلسفة المواد الدستورية خاصة فى مجال حقوق الإنسان واتفق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان.
اتفاقية مكة
كما وافق المجلس على عدد (2) قرارات جمهورية باتفاقيات دولية لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة الفساد وإنفاذ القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، وللحفاظ على مقدار حصة مصر من الأسهم وبالتالي الحفاظ على قدرة مصر التصويتية داخل البنك الأوروبي.
حيث وافق المجلس على قرار رئيس الجمهورية رقم 428 لسنة 2024 بشأن الموافقة على الانضمام لاتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتعاون في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد.
وخلال المناقشات أكد النواب أهمية الاتفاقية لتعزيز التعاون الدولى لمواجهة الفساد وإنفاذ القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، وتبادل الخبرات مع الجهات المناظرة بالدول الأعضاء والموقعة على الاتفاقية مما يسهم فى التعرف على أفضل الممارسات لمواجهة الفساد.
المسئولية الطبية بـ”الشيوخ”
من ناحية أخرى، بغرفة البرلمان الثانية، مجلس الشيوخ، برئاسة عبدالوهاب عبدالرزاق، وفي خطوة لافتة نحو تنظيم المسؤولية الطبية وحماية حقوق المرضى، أحالت الحكومة مشروع قانون جديد بشأن المسؤولية الطبية ورعاية المرضى إلى مجلس النواب، الذي بدوره أحاله إلى مجلس الشيوخ، لاستطلاع الرأي حوله.
ومع بدء مناقشات القانون، ظهرت تساؤلات ومخاوف حول طبيعة المسؤولية الجنائية التي قد تترتب على الأطباء نتيجة الأخطاء الطبية.
وما أثار الجدل هو ما ذهب إليه البعض من أن النظم المقارنة تخلو من تجريم الأخطاء الطبية، بينما أظهرت الدراسات والمقارنات أن العديد من الدول قد أدرجت نصوصًا واضحة في قوانينها لمعالجة هذه المسألة.
والملفت أن بعض الدول لم تكتف بإدراج النصوص في قوانينها الجنائية فحسب، بل أصدرت تشريعات مستقلة تتناول المسؤولية الطبية بشكل شامل ومتكامل.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك: إيطاليا: أصدرت قانونًا خاصًا يُعرف باسم “جيلي بيانكو” (القانون رقم 24 لسنة 2017)، الذي يضع إطارًا محددًا للمسؤولية الطبية والقانونية للعاملين في المجال الصحي.
الإمارات: أصدرت القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية، والذي يُعد نموذجًا متقدمًا لتنظيم العلاقة بين الممارس الطبي والمرضى.
الأردن: جاء القانون الأردني للمسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018 ليضع أسسًا واضحة للتعامل مع الأخطاء الطبية.
أما في الجزائر، فقد تناول قانون الصحة رقم (18-11) لسنة 2018 هذه القضية بوضوح، حيث نص على أن كل خطأ طبي يرتكبه الممارس الطبي أثناء عمله ويتسبب في أضرار جسيمة، كالإعاقة أو التهديد المباشر للحياة، يُعرضه للمساءلة الجنائية بموجب قانون العقوبات.
توازن دقيق
والواقع يُظهر أن المسؤولية الجنائية للأطباء باتت أمرًا معترفًا به في العديد من النظم القانونية، لكنها تختلف في الشكل والنطاق بما يتلاءم مع خصوصيات كل دولة. وما يميز هذه التشريعات هو التوازن الذي تحاول تحقيقه بين حماية حقوق المرضى من جهة، وضمان بيئة عمل آمنة ومطمئنة للأطباء من جهة أخرى.
ومشروع القانون الجديد في مصر يبدو خطوة جادة نحو تحقيق هذا التوازن. فهو لا يهدف إلى تحميل الأطباء أعباءً زائدة، بقدر ما يسعى إلى وضع معايير عادلة للمساءلة، تمنع الإهمال وتحمي أرواح المرضى دون أن تنال من ثقة الأطباء في ممارسة مهنتهم النبيلة.
ومع انطلاق نقاشات مجلس الشيوخ حول هذا المشروع، يبقى الأمل أن يكون القانون المرتقب نموذجًا يحتذى به، يجمع بين العدالة والمسؤولية، ويُعلي من قيمة الممارسة الطبية الآمنة في خدمة الإنسانية.