د. الطيب: هذا ما تربَّينا عليه فى القرآن والسُنَّة
البابا تواضروس: عملية السلام “صناعة ثقيلة” مأمورون بها دينيا
د. أسامة الأزهرى: جميع الأنبياء صور للعطاء والتسامح والسلام
د. نظير عياد: عام خير وبركة.. على كل المصريين
كتب- مصطفى ياسين:
قام فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، صباح اليوم السبت، يرافقه وفد رفيع المستوى، بزيارة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الأسكندرية، وبطريرك الكرَّازة المُرقسية، للتهنئة بأعياد الميلاد، داعيا المولى عزَّ وجلَّ أن يعيد المناسبات السعيدة على مصرنا الحبيبة؛ مسلميها ومسيحييها، وأن يرزقها الأمن والأمان وأن يوفّر لها كل سبل التقدّم والرخاء.
قال شيخ الأزهر: “جئنا هنا لنجدِّد حبل المودة والصداقة والتآلف والتعارف، ولنعبّر عما في قلوبنا من مودة وأخوة، جئنا مدفوعين بما تعلمناه في القرآن الكريم ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، من تكريم للتوراة والأنجيل وللمسيح عيسى ابن مريم، قال تعالى (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)، وما تربَّينا عليه في الأزهر وتأسَّس في وجداننا من ثناء القرآن الكريم ورسول الإنسانية والسلام بإخواننا المسيحيين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، قالوا: يا رسول الله، كيف؟ قال: الأنبياء إخوة من عِلَّات وأُمَّهَاتُهم شّتى ودينهم واحد)”، مشيرا فضيلته إلى أن القرآن الكريم لا توجد فيه كلمة الأديان وإنما هو دين واحد متعدّد الرسالات التي يبعث بها الأنبياء.
وأكد شيخ الأزهر ضرورة تسخير هذه المناسبات للمطالبة بوقف المأساة والعدوان الذي يتعرّض له إخواننا الأبرياء في غزّة منذ أكثر ما يزيد على خمسة عشر شهرا، مصرِّحًا: “لا يمكن أن نفرح وإخواننا لا يطعمون الطعام والشراب، وإنما يطعمون الموت ويتذوّقون مرارة الفقد، ويعانون إبادة جماعية وتطهير عرقي في ظلّ صمت وخزي لم يسبق لهما مثيل”، مشيرا إلى أن منع وصول المساعدات الإنسانية في ظل المطر الشديد والظروف المناخية الصعبة هو سلوك معادي للإنسانية، متسائلا: “لماذا هذه القسوة المدعومة بهيئات عالمية صوّرت نفسها بأنها وجدت لحفظ السلام وحقن دماء الأبرياء، ولكن الواقع كشف عن ضعف هذه الهيئات وعدم قدرتها على اتخاذ موقف جاد لوقف شلالات دماء الأبرياء من الأطفال والنساء، الذين لم يقترفوا ذنبا إلا أنهم حاولوا التشبث بأرضهم والبقاء فيها”.
الروح الأخوية
من جانبه، رحَّب قداسة البابا تواضروس بشيخ الأزهر والوفد المرافق له، مؤكدا أن هذه الزيارة تعكس الروح الأخوية التي تجمع المصريين؛ مسيحيين ومسلمين، متمنيا أن تأتي الأعوام القادمة على العالم أجمع بالخير والسلام والاستقرار، قائلا: “أشعر بمقدار الود والمحبة والمشاعر الطيبة التي تربطني بشيخ الأزهر، ونتبادل الأحاديث والنقاشات حول مختلف القضايا، وهو ما يكشف قدر الوحدة والأخوة الموجودة على أرض مصر، دعواتنا دائمة من أجل استمرار هذه اللحمة الوطنية القوية ونموها”.
وأشار قداسة البابا تواضروس أنه لا يمكن صناعة السلام والقلوب مملوءة بخطايا والشر، وفي ظل غياب والإخلاص والأمانة، مؤكدا أن عملية صناعة السلام هي “صناعة ثقيلة”، ونحن مأمورون بها من قبل التعاليم الدينية، مؤكدا دور علماء الدين ورجالاته في حفظ إنسانية الإنسان وسعادته، وفقا للتعاليم الدينية، وتوجيه سلوكه ليكون فاعلا أساسيا في صناعة هذا الكون وتسخيره فيما ارتضاه الخالق، ومجابهة الاتجاه السائد لإنكار الخالق، وارتفاع نبرات الإلحاد والقتل والصراعات، وما نعانيه من شر ينزع إنسانية الإنسان، وهو ما أدى إلى زيادة حدَّة الصراعات والعنف في العالم، مؤكدًا أن رسالة المسيح في المجتمع وفي الحياة وفي الإنسانية تدور حول السلام، مستشهدًا بما ورد في (إنجيل لوقا ٢: ١٤): «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».
حفظ مصر
وقدَّم فضيلة د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أسمى آيات التهاني لقداسة البابا ولكل الأشقاء المسيحيين على أرض مصر وفي العالم أجمع، ولكل إنسان على وجه الأرض، بمناسبة ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم- عليه السلام-، الذي جعله الله تعالى باب برٍّ ووفاء وحنان ورحمة وعلم، وجعله الله تعالى آية في العطاء والتسامح والسلام، فعلى سيدنا عيسى وعلى سيدنا محمد وعلى سيدنا موسى وعلى أنبياء الله جميعًا صلوات الله تعالى وتسليماته.
وأكد د. الأزهرى، سعادته والمصريين جميعًا بالعام الجديد، داعيًا المولى -جلَّ جلاله- أن يجعل هذا العام على مصر وأبنائها وعلى شعوب العالم أجمع عام أمن ورخاء وحفظ وأمان واستقرار ونور وحكمة وبصيرة، وأن يحفظ مصر وكل أبنائها الكرام إلى يوم القيامة كرامًا أعزّة متعاونين ومتآلِفين، داعيًا الله-سبحانه- لأشقائنا في فلسطين أن يرفع الله عنهم هذا الكرب العظيم، وأن يهيِّئ لنا ما نصبوا إليه من قيام الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧م، وعاصمتها القدس الشرقية، مقدّمًا أسمى آيات التهاني والدعوات لفخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، (يحفظه الله)، وأن يؤيد الله تعالى مسعاه وأن يسدد الله -تعالى- رميه، وأن يحفظ الله تعالى جيش مصر العظيم وجنوده البواسل بحفظه الجميل، وأن يثبّت الله تعالى الأرض من تحت أقدامهم، وأن يلقي الرعب في قلوب أعدائهم وأن يحفظ مصر بهم، داعيًا الله سبحانه أن يوفقنا جميعًا أن نقدّم لمصر وللإنسانية جميعًا كل البرِّ والخير والرخاء.
عام خير وبركة
وهنَّأ فضيلة د. نظير عياد، مفتي الجمهورية، قداسة البابا، والآباء الكرام، وشعب مصر أجمع، داعيًا الله-تعالى- أن يجعله عام خير وبركة، موجهًا التهنئة لشعب مصر حكومة وقيادة وشعبًا بهذه المناسبة السعيدة.
وأكد فضيلة المفتي أن ميلاد السيد المسيح عيسى ابن مريم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- جعله الله وَأْدًا للفتن ومعجزة تؤكّد قدرة الله تعالى وعظمته، ونورًا يُضيء للبشرية الطريق إلى الحقِّ والعدل، مشيرًا إلى أن تعاليم الإسلام -قرآنا وسُنَّة- زاخرة بتكريم السيد المسيح وبيان قدْره ومنزلته، ويكفي تأكيدًا على ذلك أن إيمان المسلم لا يكتمل إلا بالإيمان به.
مضيفًا: أن هذه المناسبات تأتي لتمثِّل فرصة للتجديد في التضامن والوحدة الوطنية، مشيرًا إلى ضرورة العمل على تعزيز هذه الروح الطيّبة في جميع أوقات السَنَة، وأن هذه اللحظات الوطنية التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين في مصر ستظل شاهدة على وحدة الوطن في مواجهة التحديات.
وأعرب فضيلته عن أمله في أن يشهد هذا العام في القريب العاجل وقفًا للإبادة الجماعية التي تحدث في غزّة، وأن نُسَخِّر هذه المناسبات الدينية لنُسلِّط الضوءَ على قضيّتنا الأولى التي لا يمكن أن نتجاهلها، وهي المطالَبة بوقف العدوان على غزّة ورفع المعاناة عن إخواننا المستضْعَفِين في فلسطين، مما يتعرّضون له من عدوان وإبادة جماعية مضى عليها أكثر من عام، في ظلّ صَمْتٍ عالميٍّ غير مسبوق، يكاد يقضي على أهل فلسطين جميعًا دون أن تقوم لهذا العالم قائمة.
الوفد المرافق
ضم الوفد: د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، الشيخ أيمن عبدالغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، د. محمد الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، د. سحر نصر، المدير التنفيذي لبيت الزكاة والصدقات المصري، د. نهلة الصعيدي، رئيس مركز تعليم الطلاب الوافدين بالأزهر، د. محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، د. محمد أبو زيد الأمير، المنسق العام لبيت العائلة المصرية، د. محمد البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، المستشار محمود إبراهيم، المستشار بمجمع البحوث الإسلامية وقطاع المعاهد الأزهرية، د. أحمد مصطفى، السكرتير الخاص بشيخ الأزهر، د. أحمد بركات، مدير المركز الإعلامي بالأزهر، أحمد عبدالهادي، مدير عام مراسم شيخ الأزهر.