بقلم أ.د./ حنفي مدبولي
جامعة بني سويف
من الأشياء التي خلقها الله تعالى ولا نبصرها الفيروسات ، ومنها النافع والضار ، ولكن غالبية الناس لا يعرفون منها إلا الضار مع أن النافع منها أكثر من الضار. يقول توني غولدبرغ، عالم بجامعة ويسكونسين “لو اختفت الفيروسات سينعم العالم بحياة رائعة لنحو يوم ونصف، وبعدها سنموت جميعًا؛ لأن النمو المتزايد للبكتريا سيغطي الكرة الأرضية. ويوجد أنواعا كثيرة من الفيروسات الملتهمة للبكتيريا (Bacteriophages)، تنظّم المجتمعات البكتيرية في البحار والمحيطات ، وفي أجسام الكائنات الحية.
وتقتل الفيروسات نحو 20 % من جميع الجراثيم التي على الأرض ، ونحو 50 % من البكتيريا في المحيطات يوميًّا ، وبذلك تضمن العوالق البحرية ومنها الطحالب المنتجة للأكسجين في هذه البيئة المائية ما يكفي من مغذيات لإنتاج 50% من الأكسجين في كوكبنا. ولولا موت البكتريا وغيرها من الكائنات الحية لما كان هناك حياة ؛ لأن الحياة تعتمد على إعادة تدوير المواد، وتؤدي الفيروسات دورًا مهمًّا في هذه العملية.
ووجد العلماء أن بعض الفيروسات تعيش في الجهاز الهضمي للمجترات مثل الأبقار وتقوم بتكسير البكتريا فيها ، لاستخراج إنزيمات يتم بها هضم الكربوهيدرات المعقدة في العشب والكلأ وتحويلها إلى سكر اللبن والدهون فيكون اللبن سائغا للشاربين قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ (66) . وعندما يجتمع الفيروس والفطر والنبات، فيقضي الفيروس على الفطر فيستطيع النبات النمو في التربة الساخنة.
كما تحمي الفيروسات النباتات من الحشرات الضارة كما في نبات البازلاء إذ تحب الدبابير وضع يرقاتها علي هذا النبات ، وتنمو أيضا بعض البكتريا علي حشرة المنّ علي هذا النبات وعندما تلتهم الفيروسات هذه البكتريا تخرج سمومها التي تقضي على يرقات الدبابير، فسبحان من سخر ثلاثة كائنات ليبقى نبات البازلاء طعاما للبشر ، وهذا يذكرنا بقوله تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49) سورة القمر.
ووجه العلماء أبحاثهم لاستخدام الفيروسات في تحلل الخلايا السرطانية Oncolytic viruses ، وفي بحث منشور في المجلة العلمية (Clin Cancer Res 2005) أن فيروس سندبيس قادر على قتل الخلايا المسببة لسرطان عنق الرحم وسرطان المبيض. وفي بحث مرجعي بمجلة (2022)Arch Virol..
استخدمت الفيروسات كنواقل للجينات الإنتحارية التي تفرز مواد قاتلة للسرطانات تسمى الإنترليوكينات ، لمنع تعبير الجينات السرطانية مما يؤدي إلى الموت المبرمج للخلايا السرطانية
أما عن الجانب المظلم عن الفيروسات فيتمثل في الأوبئة الفيروسية التي تربك المجتمع الدولي لأنها تتسبب في الحجر الصحي ، مما يعطل التجارة والسياحة العالمية ، وخسائر اقتصادية، كما أن الاصابات والوفيات تثير حالة من الرعب والفزع بين سكان العالم مما يؤدى إلى اتخاذ قرارات شديدة الأثر على البشر كالإغلاق المجتمعي وعدم الخروج للشوارع والمصالح الحكومية إلا للضرورة القصوى.
ووفقا لجامعة جونز هوبكنز، أُبلغ عن أكثر من 668 مليون إصابةً بكوفيد-19 حتى تاريخ 22 يناير 2023، ووفاة أكثر من 7 مليون حالة. وفي سبتمبر 2024 تشير تقديرات WHO إلى مليار حالة إصابة بالأنفلونزا الموسمية سنوياً، ويموت منها 650000 حالة.
وأما أوبئة القرن العشرين فكانت أكثر دمارا ، فقد مات من الإنفلونزا الأسبانية 100 مليون ، ومن الجدري 500 مليون. والسؤال المهم لماذا حتى الآن لم يتم السيطرة على مثل هذه الوبائيات؟ وحقيقة الأمر أن العالم يواجه حرب بيولوجية شرسة ، ولابد من السيطرة على مختبرات الفيروسات في دول العالم لمنع تسرب فيروسات متحورة عن طريق تقنية الإدماج أو إعادة التركيب الجيني لهذه الفيروسات لتكون أكثر انتشارا وفتكا.
ودونك هذه الأمثلة: تبين أن علماء معهد الفيرولوجي بيوهان في الصين كانوا يتلاعبون في فيروسات كورونا التي تصيب الخفافيش لتطوريها لتصيب البشر. وفي مايو 2023، قام علماء جامعة بوسطن بإدخال بروتين الشوكة الموجود على سطح سلالة مبكرة من الفيروس، في متغير «أوميكرون»، وأجرت كلية لندن الملكية تجارب أصابت فيها خلايا معملية بكل من «دلتا» و«أوميكرون».
كما كانت هناك انتقادات واسعة النطاق في 2022 عندما أعاد فريق من العلماء الكنديين والأميركيين إعادة تكوين فيروس إنفلونزا عام 1918، ، وأصابوا به مجموعة من قرود المكاك ، لتغيير التركيبة الجينية لهذا الفيروس للأسوأ. وإذا نظرنا اليوم إلى انتشار فيروس جدري القرود بين البشر نجد أن حقيقة الأمر أنه بعد ما تم الحد من انتشاره بالتحصين ، سعى الباحثون في معامل أوروبا منذ عام 1904 – 1958م لحقن هذا الفيروس في القردة (بحث بمجلة الجمعية الأمريكية للميكروبيولوجي 1973) ، وكانوا يسمون هذا الفيروس Human Moneypox أي أن أصله فيروس جدري الإنسان ، وما خفي كان أعظم.
وأما أنفلونزا الخنازير التى ظهرت فى 2009 وقدرت الوفيات منها 395600 كما هو منشور في مجلة (The Lancet. Infectious Diseases 2012) ، فقد أثار هذا الفيروس الهلع والرعب في الأوساط العلمية بعد معرفة أنه مركب من الفيروس المتسبب للأنفلونزا الأسبانية ، وفيروس أنفلونزا الخنازير في كل من أمريكا والمكسيك، وأوراسيا، وفيروس أنفلونزا الطيور (Le Monde2009/04/29) ، و كان من المتوقع لدى من ركب هذا الفيروس أن يتسبب في فناء ثلثى سكان العالم. وبهذا يشهد العلم والعلماء على صدق رسالة النبي محمد ﷺ إذ كيف يقسم النبى بهذا القسم على ما نبصره وملا نبصره؟ إلا إذا كان وحيا من العليم الخبير. وللحديث بقية بإذنه تعالى.