شهر شعبان له أهمية بالغة من كونه يمثّل المدخل التمهيدي لرمضان، شهر القرآن والعبادة الخاصّة ذات الأجر غير المحدّد، ومن فضائله الكبيرة ليلة النصف من شعبان.
فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة المنورة ووجد فيها الكثير من اليهود، أراد أن يتألّف قلوبهم وطلب من ربّه جلّ وعلا أن يحوّل قِبلته إلى بيت المقدس، فحقّق الله رجاءه وأمره بالتوجّه إليها، فصلّى نحو بيت المقدس قرابة سبعة عشر شهرا.
إلا أن اليهود أشاعوا في المجتمع أن النبي ليس له منهج واضح يسير عليه، وقالوا: لو كان على حق لما ترك قِبلة آبائه وأجداده وتوجّه إلى قِبلتنا، فنزل الردّ الحاسم على هذه الافتراءات من ربّ العزّة والجلال، واصفاً إياهم بالسفهاء الذين ليس لهم عقل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
ولما لم يجد صلى الله عليه وسلم من ثمرة لهذا التحوّل، وأن هدفه من اليهود لم يتحقّق، وهو بناء الدولة على أساس من المحبّة والتعاون، بغضّ النظر عن الاختلاف في الدين والمِلّة، كما هي سماحة الإسلام، تاقت نفسه إلى العودة إلى قِبلته الأولى في مكة المكرمة، إلا أنه استحيا أن يطلب ذلك من ربّه جلّ وعلا.
وكان رسول الله يقلّب وجهه يمنة ويسرة متطلعاً إلى السماء انتظارا لتحقيق ما يرجوه، حتى نزل الوحي بقوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)، وكان هذا التحوّل في نصف شعبان.
إن هذا الحدث العظيم أعطى هذه الليلة مكرمة خاصة تتطلّب من المسلم أن يشكر الله تعالى عليها، وأن يكثر من الطاعات والدعاء، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على استحباب إحيائها بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، وأن الله تعالى يطّلع إلى عباده ويغفر لهم، إلا المشرك، والمشاحن، وكذلك كلّ من يتعدّى حدود الله تعالى ولا يلتزم بشرعه، كأكل الحرام وشرب المسكرات.
وعلى كل مسلم أن يتقرّب إلى الله بما يستطيع من أعمال صالحة، وما أكثرها، ثم يدعو بقلب خاشع متذلّل بأن يوفق الله المسلمين إلى ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، وأن يحقن دماءهم ويحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فهو سبحانه جَوَاد كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفراً خائبتين.
وندعوا الله تعالى في هذه الليلة المباركة أن ينعم علينا براحة البال، وأن يرزقنا من حيث لا نحتسب، وأن يعم الأمن والأمان والاستقرار على بلادنا العربية وعلى الشعوب الإسلامية في كل مكان، وأن تنتهي الحرب الدائرة في قطاع غزة بصورة كاملة.