راشيد الطالبي: “مفتاح” تقدُّمنا أن يكون مصيرُنا بأيدينا
ناصر بوريطة: روابط تاريخية ومتجذِّرة للمملكة بـ”قارَّتها الأُمّ”
سلمى بنعزيز: الاستقرار مرهون بـ”التنمية المُستدامة”
رسالة الرباط: مصطفى ياسين
أكد رؤساء وأعضاء برلمانات أفريقيا أن القارّة السمراء هي “قارَّة المستقبل” بثرواتها البشرية والطبيعية، وأن “مفتاح” تقدُّمنا يكمن في أن يكون مصيرُنا بأيدينا.
وصفوا علاقات المملكة المغربية بقارّتها الأُمّ، بأنها علاقات وروابط تاريخية ومتجذِّرة.
جاء ذلك خلال المنتدى الثانى لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، الذي عُقد بمقر البرلمان المغربى، برئاسة راشيد الطالبي العلمى، رئيس مجلس النواب، وحضور السيد Richard Nagbe Koon ، رئيس مجلس النواب لليبيريا، السيد Jabulani Mabuza، رئيس برلمان إسواتيني، السيد Simplice Mathieu Sarandji، رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية إفريقيا الوسطى، ورؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية.
مصدر الأمل
قال راشيد الطالبي العلمى: إن التحديات التى تواجه قارّتنا وأزماتها هى نفسها المطروحة منذ سنوات، على الرغم مما تحقّقه على أكثر من صعيد، خاصة فى المجال المؤسساتى والاقتصادى، وهو ما يبعث على الأمل أن النهضة الإفريقية قابلة للتحقق إذا عرفنا كيف نتوحّد ونتجاوز عوامل الكَبْحِ.
ومن مؤشرات هذا الأمل، إن قارّتنا ستحقق معدَّل نمو يقدر بـ 4.3% عام 2025، مقابل 3.7% خلال سنة 2024، وأن 24 دولة إفريقية سيتجاوز معدل النمو بها 5%. ولكن لا ينبغى للخطوات المحققة على الصعيد الاقتصادى القارّى وعلى مستوى البناء المؤسساتى أن تنسينا حجم التحديات الكبرى التى تواجهها قارّتنا.
غايتان أساسيتان
تابع الطالبي: ينبغى إعادة التذكير بغايتين أساسيتين تتمثل الأولى فى: توحيد الرؤية إزاء المعضلات التى نواجهها، وتتمثل الثانية: فى بناء وعى تاريخى إفريقى جديد متوجِّه إلى المستقبل على أساس إدراك صعوبات وإكراهات الحاضر.
وفى مقدمة هذه التحديات، عودة تناسل النزاعات الداخلية أساسًا فى بعض بلدان القارّة، إذ بعد نجاح قارّتنا فى تجاوز الكُلْفة السياسية والاستراتيجية للحرب الباردة، التى لم تكن حربها، وإنجاز العديد من الانتقالات السياسية مقرونة ببناء مؤسساتى واعد، عادت النزاعات فى بعض الحالات، لتجثُم على الأوضاع فى بعض البلدان.
وحذَّر العلمى، من أن قارّتنا تصطدم أيضًا فى طموحها إلى الصعود الاقتصادى، بتحدى انعكاسات الاختلالات التى تكلِّف إفريقيا كثيرا جرّاء الجفاف، والتصحُّر، وانجراف التُرْبَة أحيانا، والفيضانات فى أحيان أخرى، فى الوقت الذى لم ولا تستفيد من ثمار التصنيع، والتراكم التاريخى الناجم عنه.
وتُنتج هذه الأوضاع تحديات جديدة، ومنها الفقر والنقص فى الغذاء، والتبعية الغذائية والهجرات والنزوح واللجوء والأخطر من ذلك أنها تُنتج حالات إحباط ويأس لا تُسعف فى بناء الثقة، فى المؤسسات الوطنية، والتى تجتهد النُخَب الإفريقية لترسيخها.
ولا ينبغى للتحديات، مهما كانت أن تترك الإحباط يتسرّب إلى الهِمَم الإفريقية، حيث كانت إفريقيا دائما أرض التحديات، وكان الإنسان الإفريقى الصبور، والمُعاند، ينتهى بربح الرهانات.
حيث انتصر على الاستعمار، واستعادت البلدان الإفريقية استقلالاتها الوطنية، وتيسَّر لها بناء الدولة الوطنية بقيادة زعماء وطنيين كبار من قبيل الملك محمد الخامس ومعه الحسن الثانى، والرؤساء ليوبول سيدار سنغور، وهوفييت بوانيى، وأحمد سيكوتورى، وكوامى نيكروما، وباتريس لومومبا، وغيرهم من القادة الحكماء.
وبهذه الروح يواصل الجيل الجديد من القادة الأفارقة، ومن النخب الإفريقية المؤمنة والملتزمة بقضايا قارّتها وبلدانها، معركة التنمية وترسيخ الديمقراطية.
“قارة المستقبل”
وقال الطالبي: إن قارّتنا تتوفَّر على كافة الإمكانيات والثروات التى تؤهِّلها لتحقيق انعطافة تاريخية فى التنمية والازدهار والتموقع الاستراتيجى. وفى صدارة الإمكانيات التى تؤهل إفريقيا لتحمل صفة “قارّة المستقبل”، عنصر التكامل فى الموارد وبين اقتصادات بلدانها، إلى جانب مواردها البشرية الشابة، وكفاءاتها التى تحقق نجاحات كبرى فى بلاد المهجر، فضلًا عن أراضيها الخصبة القابلة للزراعة التى يمكنها توفير الغذاء لسكان القارّة ولجزء كبير من سكان العالم.
ومما يزيد من قيمة هاتين الرافعتين وجود إفريقيا بين محيطين كبيرين وبحرين وتوفرها على ممرَّات بحرية استراتيجية، ما يمنحها إمكانيات بحرية هائلة لإقامة التجهيزات الأساسية المينائية التى هى اليوم شِرْيَانُ المبادلات الدولية والبنيات السياحية الجاذبة لرؤوس الأموال والسياح، فضلًا عما تغتنى به البحار من مصادر غذاء استراتيجية.
ومن حُسْن حظ قارّتنا، أنها تتوفّر أيضًا على المعادن الاستراتيجية التى تتنافس عليها اليوم الصناعات والتكنولوجيات المعاصرة، فضلًا عن المعادن والطاقات التقليدية والإمكانيات الكبرى لإنتاج الطاقة من مصادر متجدّدة.
ديناميات متزايدة
واختتم الطالبي كلمته قائلًا: استثمارًا لهذه الإمكانيات واستشعارًا لحجم التحديات وللمسؤولية التاريخية، تشهد قارتنا العديد من الديناميات الاقتصادية والسياسية، ومنها الدور المتزايد للاتحاد الأفريقى كإطار للعمل الأفريقى المشترك، ومنطقة التجارة الحرّة القارّية الإفريقية، والتكتلات الاقتصادية الجهوية الإفريقية التى تعتبر إطارًا للتعاون والمبادلات الاقتصادية، مع استثناء واحد فى شمال القارة مع كامل الأسف.
وثمة مبادرات أخرى واعدة واستراتيجية مطروحة على الأرض، ومنها مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية، إلى جانب مبادرة تمكين بلدان الساحل الأفريقية من الولوج إلى المحيط الأطلسى اللذين أطلقهما الملك محمد السادس، وهما يتكاملان مع مشروع أنبوب الغاز- نيجيريا- المغرب- أروبا، مرورا بـ 13 بلدًا إفريقيا.
وينبغى أن نستحضر دَوْر مثل هذه اللقاءات فى إنضاج الأفكار والاقتراحات مما يستدعى جعلها تقاليد مؤسساتية خاصة عندما يتعلق الأمر بالبرلمانات التى لا تخفى مكانتها المؤسساتية والسياسية وأدوارها فى تقريب الآراء بين بلداننا.
إن مواجهة التحديات وربح الرهانات تحتاج إلى تفعيل الإرادة السياسية المشتركة، وتحويل الطموح إلى سياسات ومشاريع ومنجزات.
تحتاج إفريقيا للمرور إلى العمل، وإلى السرعة القصوى فى الإنجاز ولكى نكونَ مؤثرينَ ينبغى أن نكونَ مبادرينَ، أقوياءَ، متمكِّنينَ وآخذين لمصيرنا بأيدينا.
حقنا المشروع كأفارقة فى التقدّم والرخاء والازدهار هو الحصول على مصيرنا بأيدينا، حيث يزدهر التطرف والإرهاب فى سياقات الفقر، والانفصال يهدد بتفكّك الدول، وقوّة الدولة الوطنية الإفريقية ضرورة تاريخية، والشراكات مع باقى القوى العالمية تحتاج إلى وحدة الموقف، وإلى اقتصادات قوية وإلى ترسيخ وتقوية الشراكات جنوب– جنوب، وفق منطق الربح المشترك.
وبقدر تخلّصنا من الاستعمار، بقدر ما ينبغى أن نتخلّص من تبعاته ومنها بالأساس بعض المفاهيم غير الملائمة مع متطلبات وسياقات العصر.
وبقدر ما ينبغى أن نتشبَّث بضرورة احترام ثقافاتنا الإفريقية، وحضارتنا وتقاليدنا المؤسساتية وقرارات دولنا السيادية والرفض القاطع للتدخل فى الشؤون الداخلية للدول مهما تكن المبررات، بقدر ما ينبغى التخلص من التفكير فى المستقبل على أساس الماضى الميت، عوض التاريخ الحى المعبأ والمتوجه إلى المستقبل.
تمازج القضايا
من جانبه قال ناصر بوريطة، وزير الشئون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج: إن قارة إفريقيا تتميز بتمازج قضاياها السياسية بالأوضاع الاجتماعية والخصوصية، الأمر الذى يحتم علينا اعتماد مقاربات تستند إلى الحوار والوساطة، والعودة إلى الحلول الإفريقية التى تعكس هويتنا وواقعنا.
لكن لتحقيق الاندماج الاقتصادى المنشود، يتعين علينا تجاوز عقبات كبرى، من بينها تطوير البنية التحتية، وتوفير التمويل للمشاريع الإقليمية، وإزالة العراقيل الإدارية التى تحد من التعاون الاقتصادى.
وتابع “بوريطة”: فى هذا الإطار يضطلع البرلمانيون بدور محورى فى مواكبة الحكومات فى تنفيذ الإصلاحات اللازمة وملاءمة التشريعات، ومتابعة الالتزامات المتخذة على المستوى القارى لضمان تنفيذها على أرض الواقع.
أوضح، أن المنتدى ليس مجرد فضاء للنقاش بل هو آلية فعالة للعمل المشترك ومنبر تجتمع فيه أصواتنا لصياغة مستقبل قارتنا. من خلال تكاتف جهودنا نستطيع الرفع من قدراتنا على التصدى للتحديات المشتركة، ووضع أسس راسخة لقارة أكثر استقرارًا وازدهارا.
أولوية متقدمة
وأكد “بوريطة”، أن التزام المغرب تجاه هذا المنتدى يعكس قناعته الراسخة بأن إفريقيا قادرة على رسم مسارها بنفسها، وأن الحلول لأزماتها يجب أن تنبع من ذاتها.
ومن خلال هذا اللقاء، يؤكد المغرب مجددا استعداده الدائم للعمل جنبا إلى جنب مع أشقائه وإخوانه، من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة فى قارتنا العزيزة. فإفريقيا بالنسبة للمغرب كما قال الملك: “أكثر من مجرد انتماء جغرافى، وارتباط تاريخى، هى مشاعر صادقة من المحبة والتقدير، وروابط إنسانية وروحية عميقة، وعلاقات تعاون مثمر، وتضامن ملموس، وامتداد طبيعى وعمق استراتيجى للمغرب”.
حيث تحظى إفريقيا بأولوية متقدمة فى السياسة الخارجية للمغرب، ويوظف المغرب إمكاناته وموارده لخدمة مصالح القارة فى إطار التعاون جنوب- جنوب كآلية ناجحة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فى إطار رؤية استراتيجية شاملة قوامها تعزيز القدرات فى كافة الميادين وتعزيز السلم والأمن والاستقرار ودعم التكامل الاقتصادى.
وقد جعل المغرب بفضل الرؤية الحكيمة للملك محمد السادس من القارة الإفريقية حجر الزاوية فى صرح سياسته الخارجية، مؤمنا برؤية شمولية قوامها النهوض بالسلم واستتباب الأمن، وتشجيع التنمية، واحترام الوحدة الترابية للدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، والحث على مبادئ حسن الجوار والدعوة إلى تجنب إيواء أو تحريض الجماعات الإرهابية والانفصالية.
ويؤمن الملك محمد السادس بأفريقيا، ويرفض الانتهازية و”القيادات الرائعة” التى تنصب نفسها بنفسها، والتى تعتقد أنها يمكن أن تقلل من الدول الأفريقية الفخورة إلى تابعين مطيعين، ويثق فى إمكانات إفريقيا، مقابل تشاؤم الكثيرين، ويرى الفرص فى إفريقيا، حيث لا يرى الكثيرون إلا المشاكل، بينما يكتفى الكثيرون بالحلول السهلة.
الهوية والانتماء
وأكد “بوريطة” أن المغرب أرض الهوية والانتماء الجغرافى والثقافى والتاريخى، وما يمس أفريقيا، يمسنا مباشرة فى المغرب، استقرارنا، مرتبط مباشرة باستقرار قارتنا، تنميتنا تعتمد على تنمية أفريقيا.
هذا ما يجعل المغرب منخرطا وملتزما برفع تحديات إفريقيا فى جميع المجالات، حيث يشارك حصريا فى قوات حفظ السلام فى إفريقيا.
وفى الأمن الغذائى من خلال المكتب الشريف للفوسفات، يبلغ استثمار المغرب حوالى 5 مليارات دولار فى إفريقيا، لبناء مصانع لإنتاج الأسمدة (إثيوبيا ونيجيريا والجابون).
وفى مجال الطاقة خط أنبوب الغاز الأفريقى الأطلسى الذى سيربط نيجيريا بالمغرب عبر 13 دولة أفريقية على مسافة 6890 كم واستثمار عالمى يزيد عن 25 مليار دولار.
وفى مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، اختار المغرب دائما المراهنة على الاستثمار وخلق القيمة المضافة، أكثر من التجارة وحدها، وتعبر المبادرات الملكية لمنطقة الساحل والمحيط الأطلسى عن هذه الرؤية.
ظرف خاص
من جانبها قالت سلمى بنعزيز، رئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطنى والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب المغربي: إن انعقاد الدورة الثانية لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية يأتي في ظرف خاص وحساس تمر به قارتنا، حيث أصبحنا نشهد تناميا في النزاعات الداخلية والإقليمية، وبروز نزعات انفصالية متمردة، وتفاقم التوترات السياسية في عدة مناطق من قارتنا هذه الأوضاع تؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة إلى تعزيز التنسيق والتشاور بين الدول والبرلمانات الإفريقية، وإيجاد حلول ناجعة لتسوية النزاعات، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعاتنا وثقافتنا الأصيلة. فقارتنا تتميز بتمازج قضاياها السياسية بالأوضاع الاجتماعية والخصوصية الإثنية والقبلية، الأمر الذي يحتم علينا اعتماد مقاربات تستند إلى الحوار والوساطة، والعودة إلى الحلول الإفريقية التي تعكس هويتنا وواقعنا.
إن قارتنا الإفريقية، التي تزخر بتنوعها الثقافي والإثني واللغوي، لطالما عالجت نزاعاتها الداخلية بوسائل وطرق مستمدة من تقاليدها وأعرافها. فمنذ فجر التاريخ، طورت إفريقيا آليات محلية لتسوية الخلافات، ترتكز على قيمها وتراثها المجتمعي ولعبت الوساطة التقليدية دورا محوريا في ترسيخ السلام بإفريقيا، حيث اضطلع شيوخ القبائل والحكماء والقيادات المجتمعية بدور أساسي في الحفاظ على التوازن الاجتماعي وضمان التعايش السلمي.
غير أن الحقبة الاستعمارية أحدثت اضطرابا عميقا في البنية الطبيعية لأفريقيا، من خلال فرض نماذج سياسية واقتصادية بعيدة عن ثقافتنا وتأجيج النزاعات الإثنية بهدف تكريس الهيمنة. هذه التغييرات القسرية على ثقافتنا الإفريقية أفرزت صراعات داخلية دامية، ونزاعات حدودية مسلحة بل وعمليات إبادة جماعية وماسي إنسانية لا تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
روابط تاريخية
وأكدت “سلمى بنعزيز” أن المملكة المغربية ترتبط بقارتها الأم بروابط تاريخية ومتجذرة تمتد لقرون، قائمة على التبادل الثقافي والتعاون الاقتصادي والروابط الروحية وانطلاقا من هذا العمق الإفريقي، جعل المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من إحلال السلم والاستقرار في القارة أولوية في سياسته الخارجية، وسعى دائم لتعزيز التضامن بين الدول الأفريقية. وقد اضطلع المغرب بدور محوري في العديد من مسارات الوساطة، سواء من خلال تسهيل الحوار بين الفرقاء الليبيين، أو دعم جهود الاستقرار في غرب إفريقيا، أو المساهمة الفاعلة في مبادرات السلام تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
إن المغرب يدرك تماما وقبل كل شيء أن أي مقاربة ناجعة لحل النزاعات في إفريقيا لابد أن تستند إلى قدرات ذاتية، تعكس واقعنا وتستجيب لاحتياجات شعوبنا، فاستيراد حلول قد تكون ناجحة في مناطق أخرى من العالم دون مراعاة خصوصيات القارة هي مقاربة محكوم عليها بالفشل، بحيث إن لكل مجتمع مقوماته التاريخية والثقافية والاجتماعية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند وضع البرامج والخطط التي يُرجى أن تكون فعالة ومستدامة. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز آليات الوساطة والحكامة الجيدة المستمدة من تقاليدنا الإفريقية هو السبيل الأمثل لتحقيق سلام دائم.
وفي هذا الإطار، أجد نفسي مقتنعة تماما بأهمية العمل الدبلوماسي للبرلمانيين، وذلك لما تضطلع به الدبلوماسية البرلمانية من أدوار في توحيد الجهود، وتنسيق المواقف، وخلق المبادرات، وتطوير الآليات التنظيمية، والانخراط في حوارات بناءة، والعمل على إيجاد حلول سلمية للنزاعات.
وفي هذا السياق، يتعين علينا التركيز على عدة محاور، من أبرزها دعم السياسات العمومية الشاملة التي تضمن إدماج مختلف الفئات الاجتماعية والإثنية، بما يحد من مخاطر التوترات؛ تعزيز الحوار بين الأطراف المتنازعة من خلال الاستفادة من موقعنا كممثلين شرعيين لمجتمعاتنا وتوطيد التعاون البرلماني من خلال إنشاء منصات للتشاور وتبادل الخبرات، بما يتيح تنسيق جهودنا من أجل تحقيق السلام والاستقرار.
التنمية والاستقرار
وأكدت “سلمى بنعزيز” أنه لا يمكن الحديث عن تعزيز السلم في إفريقيا بمعزل عن الحديث عن قضايا التنمية. فالاستقرار المستدام رهين بتحقيق تنمية شاملة وعادلة، تحد من الفوارق، وتحسن ظروف عيش المواطنين، وتعالج الأسباب الجذرية للنزاعات. فتعزيز التجارة البيئية الإفريقية، وتسهيل حركة البضائع والأشخاص، وتطوير البنية التحتية العابرة للحدود، كلها عوامل تساهم في تعميق الاندماج الاقتصادي وتقليص التوترات وتعزيز التعاون المستدام بين شعوبنا.
وفي هذا الصدد، انخرط المغرب بقوة في الدينامية الاقتصادية القارية، من خلال دوره الفاعل في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، واستثماره في مشاريع استراتيجية كالممرات اللوجستية والطاقة وتعزيز شراكاته مع الاقتصادات الإفريقية.
تستدرك قائلة: لكن لتحقيق الاندماج الاقتصادي المنشود، يتعين علينا تجاوز عقبات كبرى، من بينها تطوير البنية التحتية، وتوفير التمويل للمشاريع الإقليمية، وإزالة العراقيل الإدارية التي تحد من التعاون الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يضطلع البرلمانيون بدور محوري في مواكبة الحكومات في تنفيذ الإصلاحات اللازمة وملاءمة التشريعات، ومتابعة الالتزامات المتخذة على المستوى القاري لضمان تنفيذها على أرض الواقع.
العمل المشترك
اضافت “سلمى بنعزيز”: إن منتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية ليس مجرد فضاء للنقاش، بل هو آلية فعالة للعمل المشترك، ومنبر تجتمع فيه أصواتنا لصياغة مستقبل قارتنا. فمن خلال تكاتف جهودنا نستطيع الرفع من قدراتنا على التصدي للتحديات المشتركة، ووضع أسس راسخة لقارة أكثر استقرارًا وازدهارا.
إن التزام المغرب تجاه هذا المنتدى يعكس قناعته الراسخة بأن إفريقيا قادرة على رسم مسارها بنفسها، وأن الحلول لأزماتها يجب أن تنبع من ذاتها. ومن خلال هذا اللقاء، يؤكد المغرب مجددا استعداده الدائم للعمل جنبا إلى جنب مع أشقائه وإخوانه، من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة في قارتنا العزيزة.
فلنجعل من تعاوننا البرلماني رافعة قوية للوساطة والدبلوماسية والتحول الإيجابي، خدمة لشعوبنا ومستقبل أجيالنا.
البيان الختامي
وفي ختام اللقاء أصدر المشاركون بيانا جاء فيه: نحن رئيسات ورؤساء اللجن المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع في البرلمانات الوطنية الإِفريقية الملتئمين في الرباط، عاصمة المملكة المغربية في إطار اجتماعنا الثاني قصد دراسة سبل توحيد جهودنا من أجل قضايا بلداننا وقارتنا ؛
وبعد أن ناقشنا الأوضاع الإفريقية الراهنة في السياق الدولي المتسم باللايقين، وانعكاساته على بلداننا التي تواجه تحديات كبرى من قبيل الإرهاب والنزاعات المسلحة والأزمات، وانعكاسات الاختلالات المناخية على التنمية، والهجرات والنزوح واللجوء ؛ من خلال محوري : i) الوقاية من النزاعات في إفريقيا وii ) التكامل الاقتصادي، سبيل إلى التنمية من أجل السلم في القارة ؛
وإذ نشدد على الأدوار الحاسمة للبرلمانات الوطنية في رفع هذه التحديات والمساهمة في تيسير ربح رهانات بلداننا وتطلعات شعوبنا إلى السلم والأمن والتنمية والتقدم ؛
وإذ نستشعر الحاجة الملحة إلى إحداث انعطاف حاسم في العلاقات الإِفريقية-الإِفريقية، والتوجه إلى أشكال تعاونٍ أوثق، ومبادلات اقتصادية أكثر كثافة، وإلى إنجاز مشاريع قارية وجهوية قطرية، وعابرة للحدود، مهيكلة، بما يشكل روافد لمنطقة التجارة الحرة الافريقية ولباقي التكتلات والمشاريع الإقليمية الناجحة، ويحفز الصعود الافريقي، وطموحات شعوبنا في تحقيق الازدهار المشترك ؛
نؤكد على ما يلي : نثمن مبادرة انعقاد هذا الاجتماع الذي يدشن لمرحلة جديدة من التنسيق والعمل المشترك والتشاور البناء والمنتج بين مؤسساتنا التشريعية.
نؤكد عزمنا على توثيق العلاقات بين لجن الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية، وتنسيق جهودها ومواقفها بشأن القضايا التي تدخل في اختصاصاتها، مع الحرص على احترام سيادة كل دولة، والقرار السيادي لكل برلمان وطني.
نقرر توحيد جهودنا وتنسيق مواقفنا، في المنتديات البرلمانية متعددة الأطراف، الإقليمية والقارية والدولية، في سياق ترافعنا من أجل قضايا قارتنا ؛ إفريقيا ؛ وخاصة من أجل العدالة المناخية لبلداننا، ومن أجل تصحيح التمثلات بشأن الهجرة في بلدان الاستقبال، ومن أجل درء المخاطر والتهديدات المحدقة ببلداننا وخاصة منها الإرهاب، والنزاعات المسلحة، والجرائم المنظمة.
وإذ نعرب عن انشغالنا الكبير بالنزاعات التي تعرفها قارتنا والمآسي الإنسانية المترتبة عنها، فضلا عن كلفتها الاقتصادية والجيوسياسية، وإذ نتابع بقلق كبير ما تعاني منه بعض بلدان القارة جراء الإرهاب الأعمى والتطرف البغيض العنيف، نؤكد تضامننا مع الدول التي تعاني من هذه الظاهرة وندين بشدة كل أشكال الإرهاب والعنف، ونؤكد ضرورة التمسك بالتسوية السلمية للنزاعات والوقاية منها.
وإذ نستشعر الحاجة إلى وعي إفريقي جديد بمخاطر الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية على وحدة الدول الترابية وسيادتها، وإذ نذكر بأن وحدة الدول الترابية وسلامة أراضيها تشكلان حجر الزاوية في العلاقات الدولية والقانون الدولي والنظام الدولي العادل، نؤكد رفضنا القاطع وإدانتنا، لكل مظاهر الانفصال ومدبريه ومنفذيه، ونحذر من أي استسهال أو تماهي مع هذه الظاهرة.
وإذ نؤكد قناعتنا التامة وثقتنا في إمكانيات قارتنا، من حيث الموارد البشرية، الشابة بالتحديد، ومن حيث الموارد الطبيعية المعدنية الاستراتيجية التي تغتني بها الأرض الافريقية، والأراضي الزراعية الخصبة، والموارد البحرية الهائلة، نؤكد تصميمنا على الإسهام في جعل هذه الإمكانيات والخبرات التي تتوفر عليها بلداننا، رافعات للتكامل الاقتصادي الإفريقي وضمان أمننا الغذائي، ولقيام إفريقيا مزدهرة ومتقدمة، يتحقق فيها هدف “إفريقيا قارة المستقبل”، والطموح المشروع المتمثل في تحويل الإمكانيات إلى ثروات، وأدوات للاقتدار الاقتصادي والاستراتيجي، على أساس تثمين التعاون والشراكة جنوب-جنوب، وجعل قيمة “إفريقيا تثق في إفريقيا” واقعا ملموسًا ينعكس على أحوال شعوبنا.
وإذ نستحضر التحديات العديدة التي تواجهها قارتنا، نعتبر استثمار التكامل الاقتصادي بين بلداننا، أداة حاسمة لتحقيق الاستقرار والسلم، وتمكين المواطنات والمواطنين من الخدمات الاجتماعية ومن الشغل الضامن للكرامة، والمحفز على الانتماء إلى المجموعة الوطنية.
نلتزم بالرفع من مستوى التعاون وتبادل الخبرات بيننا في مجال العمل البرلماني بما يقوي قدرات مؤسساتنا وثقة الشعوب فيها، ويعزز البناء المؤسساتي والديمقراطي والمشاركة والاستقرار، وبما يطور تشريعاتنا، ويجعلها متجاوبة مع متطلبات التنمية القُطرية والقارية والتكامل الافريقي المنشود، مع احترام سياقات كل بلد وتقاليده المؤسساتية.
استحضارًا لما سبق، ومن أجل مأسسة تعاوننا وتنسيق جهودنا ومواقفنا والتواصل بين مؤسساتنا، أحدثنا منتدى “رؤساء ورئيسات لجن الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية”، وهو إطار مفتوح لجميع البرلمانات الافريقية في الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
نشكر المملكة المغربية على استضافة هذا الاجتماع الذي يندرج في إطار المبادرات الافريقية الأصيلة، والهادفة إلى الرفع من وثيرة العمل الإفريقي المشترك.