جاء الحادث المفجع، حادث المصلين، حادث المسجدين في نيوزيلاندا، الذى راح ضحيته ما 51 مصليا ومثلهم جريحا، جاء ليزيد الكبت داخل أحشائنا والذى أوشك على الانفجار، جاء الحدث المؤلم ليغلي الدماء في عروقنا، جاء الحادث المفزع ليوقظ أهل القبور، جاء الحادث الهمجي ليعيدنا لفهم آياتٍ قرآنية تعمدنا ألا نفهمها، جاءت دماء المصلّين لتروي نبتة جديدة داخل قلوبنا، نبتة العزة التي تخلينا عنها، نبتة الكرامة التي أنفضناها عن كاهلنا، جاءت دماء الشهداء في نيوزيلاندا لتنسكب في أنهار ووديان العالم الاسلامي كله كي تروي ظمأه نحو الخيرية التي أرداها الله- سبحانه وتعالي- لنا.
ابتلت السجادة وتعطّرت بدماء الشهداء فدبت فيها الروح وصاحت: يا آل محمد، يا أتباع رسول الله، امرأةٌ صاحت وا معتصماه! فارتجَّت الأرض من تحت أرجل عدوكم، أفواه صاحت: وا إسلاماه! فزمجرت السماء واهتزت الجبال وزلزلت الأرض لنصرة المظلوم وحماية دين الله وأتباع محمد رسول الله.
صاحت السجادة التي أنطقتها دماء الشهداء: يا أمه محمد، يا أمة رسول الله، أليس فيكم رجلٌ رشيد؟! أنتم جحافل لكنكم غثاء كغثاء السيل، وهبكم الله كنوز الأرض فجعلتموها حربة في أيدِي أعدائكم.
تنتفض السجادة وهي تئن وتصيح لعل يسمعها سامع أو يلتقط لهفتها لبيب: يا أمة محمد، يا أبناء أبو بكر وعمر، يا أحباب علي، يا رجال صلاح الدين، يا جنود الفاتح، ويا عروش بيبرس، هل تشعرون بلهيب الدماء التي ارتويت بها الآن؟! لو شعرتم بلهيبها كما أشعر به، لما قفل جفن مسلم على وجه الارض.
ولا ارتمي جسد مسلم علي وسادته، ولا ذاق فم أي طعم.
ماذا لو شعر كل منكم بما أشعر به من هذه الدماء التي سالت وهي تمتزج بشهادة التوحيد، فأراها مسكا وعنبرا يتلهف على عبقها، أهل الجنة.
أما باقي الدماء التي تعطر بها ثنايا خيوطي، لو انتقلت حرارتها، لأحرقت العالم أجمع، لكنها تذكركم: أن من أراقها هو حفيد من جعل من بيت المقدس بحيرة من دماء أجدادكم، تذكركم أن من أراقها هو حفيد من دنس بالخيول مسجدكم الجامع (الأزهر) وهدم قلاعه، هو حفيد من حول أكبر مساجدكم إلي اسطبل لخيله، هو حفيد من هرس أجساد أهل ليبيا تحت جنازير الدبابات، هو حفيد من قتل مليون مسلم بالجزائر.
هو حفيد من سلَّم فلسطين للصهاينة، وغض الطرف عن مجازرهم ضد أهل فلسطين، وتدنيس المسجد الأقصى، هو حفيد، هو حفيد!
امتزجت دموع السجادة بدماء الشهداء وراحت تقول: إن هذه الدماء دماء الشهداء لم ولن تجف، وستظل تلعن من يناصبنا العداء، ستظل تلعن من يتمرغ فى وحل المهانة والبهتان، ولا ينهض باستعادة عزة الإنسان.
يقول الله تعالي: “وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” (217.البقرة).