قضية الأوقاف من القضايا التى توليها الدولة حاليا اهتماما بالغا، وقد بدا ذلك واضحا فى العديد من تصريحات الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، الذى أكد خلالها اهتمام الرئيس السيسى بضرورة الحفاظ على الأوقاف ومراعاة شروط الواقفين، وهذا ما جعل وزارة الأوقاف تعيد النظر مؤخرا فى عقود الأوقاف التى كانت منهوبة لصالح أفراد لم تعد تنطبق عليهم شروط الواقفين، وشدد الوزير على عدم تجديد أى عقد إلا بالسعر العادل، لتحقيق المصلحة وتعظيم الاستفادة من الوقف، وفى تقديرى أن هذا الإجراء من شأنه أن يشجع الأغنياء على المبادرة إلى إحياء سنة الوقف التى كادت أن تموت، أو هى ماتت بالفعل، ومن شأنه كذلك، تكثير الأوقاف وتنميتها، وتوظيفها في مساعدة المحتاجين، وهذا كله يؤكد تعظم مسؤولية الدولة في حماية الأوقاف وتنظيمها.
من أهم المسؤوليات التى يجب أن تراعيها الدولة فى حمايتها للأوقاف: “مراعاة شروط الواقف الصحيحة” لأن الأصل فى الوقف: الالتزام بشروط الواقف ما لم تخالف كتابا، أو سنة، أو إجماعا، أو مصلحة محضة أو غالبة، لأن الواقف إنما أخرج ماله على وجه مقيد بشروطه تحقيقا للمصالح التي يرجوها منه، فوجب اتباع ما نص عليه من شروط فى عمارة الوقف ومصارفه والنظارة عليه وغير ذلك، ولهذا جعل بعض العلماء مخالفة شروط الواقف الصحيحة من كبائر الذنوب، فيجب على الدولة حين ولايتها على الوقف مراعاة شروط الواقف الشرعية، وإلزام النظار بذلك ومحاسبتهم عليه، وما كان من هذه الشروط مخالفا للشرع، أو مجانبا لما تقتضيه مصلحة الوقف التي قد تتغير بتغير الزمان والأحوال، فيجب على الدولة ممثلة فى الحاكم، أومن ينيبهم فى ذلك، أن يردوا هذه الشروط، ويعملوا بما يرونه الأعدل والأصلح للوقف، وللمستفيدين من ريعه، وهذا ما تقوم به الآن وزارة الأوقاف المنوط بها حماية الأوقاف والحفاظ عليها.
وقد اتفق علماء الإسلام على أن شروط الواقف تنقسم إلى صحيح وفاسد، كالشروط في سائر العقود، ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف، لا في وجوب العمل بها؛ أي: أن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة، كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه، فكما يعرف العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع، فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف..
وأما أن تحل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها، فهذا باطل باتفاق المسلمين، إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، أنه خطب على منبره قال: “ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق”.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.