مع قرب انتهاء شهر رمضان والاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك، يكثر التساؤل عن الأحكام والآداب المتعلقة بالعيد، ومن هذه الأسئلة: لماذا شرعت الأعياد وما هو العيد؟ ولماذا شرع فيه التكبير؟ وما هي آداب الأعياد في الإسلام؟ وما حكم صلاة العيد؟ وما وقتها؟ وما حكم من فاتته صلاة العيد؟ وأين تصلى؟ وما كيفية صلاتها؟
فنقول وبالله التوفيق: الحمد لله الذي شرع لعباده ما يُصلح أمر دينهم ودنياهم، وأتمَّ عليهم النِّعَم، وجعل لهم من مواسم الخير ما تتجدّد فيه أفراحهم، وتُغفر فيه زلّاتهم، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، الذي جاء بشريعةٍ سمحةٍ تجمع بين العبادة والسرور، وبين الطاعة والفرحة، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
فإن من رحمة الله بعباده أن جعل لهم عيدين في الإسلام، عيد الفطر وعيد الأضحى، ليكونا فرصةً لإظهار الفرح والشكر لله على نعمه، مع ارتباطهما بالطاعة والعبادة.
وقد ورد في السنّة الصحيحة حديثٌ يدل على مشروعية العيدين، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدّم النبي صلى الله عليه وسلم، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: “قدمتُ عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم النحر ويوم الفطر”.
أي أن الله عزَّ وجلَّ اختار وشرع لنا أمّة الإسلام عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذان العيدان يعقبان لركنين عظيمين، فقبل عيد الفطر يكون الصيام، وقبل عيد الأضحى يكون الحج, وفي كل منهما مغفرة للذنوب، مطهرة للنفوس.
وهذا الحديث يُبيّن أن الإسلام جاء ليهذب الفطرة البشرية ويوجهها نحو ما فيه الخير والصلاح، فجعل العيدين مظهرًا من مظاهر الفرح المشروعة، التي تقترن بالعبادة والشكر لله، بعيدًا عن مظاهر اللهو غير المنضبط أو العادات الجاهلية التي لا تتوافق مع تعاليم الدين القويم.
والعيد هو كل يوم يجتمع فيه الناس، وسُمِّي عيدًا لأنه يعود كل عام بفرح متجدد.
ويُعدّ عيد الفطر فرحةً للصائمين بعد إتمامهم فريضة الصيام، وهو يوم الجائزة الذي يمنح الله فيه عباده جزاء طاعتهم، فقال سبحانه وتعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة الآية:185).
وقد شُرع فيه التكبير إعلانًا لشكر الله، وصلاة العيد تعظيمًا لشعائره، وإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة تطهيرًا للصائم من أي نقص قد يشوب صيامه، وتكافلًا مع الفقراء والمحتاجين.
أما عن آداب الأعياد في الإسلام فنقول: حثَّ الإسلام على جملة من الآداب الراقية التي تسمو بروح العيد، فتجعله مناسبة عامرة بالسعادة ومتوافقة مع مقاصد الشريعة الغراء:
1- التكبير والتهليل فمن سنن العيد إعلان الفرح بذِكْر الله، حيث يُسنّ التكبير من غروب شمس ليلة العيد حتى صلاة العيد في الفطر، ومن فجر يوم عرفة حتّى عصر آخر أيام التشريق في الأضحى لقول الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة الآية185).
ومن صيغ التكبير الثابتة عن الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين-: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد”, وهذه الصيغة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه, وكان ابن عباس يقول: “الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر على ما هدانا”.
2- الغُسل والتطيّب ولبس أحسن الثياب والتجمّل للعيد: حيث يُستحب للمسلم أن يغتسل، ويتزيّن، ويلبس أحسن الثياب، تعظيمًا لهذه المناسبة, فعن نافع أن ابن عمر- رضي الله عنهما-: “كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلَّى”, وسئل علي بن أبي طالب عن الغسل فقال: “يوم الجمعة، يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر”.
ولما روى عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ عمر جُبَّةً من إستبرق تُباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله فقال: “يا رسول الله، ابتع هذه تجمَّل بها للعيد والوفود”، وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه, وهذا يدل على أن التجمّل للعيد كان معروفا لدى الصحابة ومستقراً عندهم.
3- يسنُّ قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات لحديث أنس رضي الله عنه قال: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات”, ولعل من أهم أسباب أن يأكل المسلم شيئا قبل خروجه لصلاة العيد الإعلان عن الفطر وإظهارًا لانتهاء الصيام, عن طريق كسر الشعور بالصيام, حتّى لا يظن الإنسان أن الصيام مازال مستمرًا, وبذلك يتأكّد الفرق بين أيام العبادة وأيام الفرح, وفيه نوع من الإسراع في الامتثال لأمر الله بالفطر, وسنّة نبيّه.
4- تبادل التهاني, وهي من السُنن الطيّبة، وأيضًا الحرص على صِلة الرحم, فالعيد فرصة ذهبية لزيارة الأهل والأقارب, وأيضا إدخال السرور علي المسلمين فهو من أعظم القُربات خاصة الفقراء والمحتاجين، بإعطائهم الصدقات والهدايا.
5- الخروج من طريق والعودة من طريق آخر, فمن السنّة أن يذهب المسلم إلى الصلاة من طريق وأن يرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق” أخرجه البخاري.
ويستحب أن يذهب المسلم ماشياً لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول: “من السنّة أن يخرج إلى العيد ماشياً” أخرجه الترمذي، وهو حديث حسن.
6- صلاة العيد, وهي صلاة يؤديها المسلمون جماعةً في المصلّيات أو المساجد، ويُسنّ أن يستمعوا للخطبة لما فيها من توجيهات نبوية.
وأما عن حكم صلاة العيد, فنقول: اختَلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ صلاة العيدين، على ثلاثةِ أقوال: الأول: أنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدة، والثاني: أنَّ صلاةَ العيدينِ واجبة، والثالث: صَلاةُ العِيدينِ فَرضُ كفايةٍ، والراجح: أن صلاة العيد سنّة مؤكّدة، فعن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ– رضي الله عنه- قال جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ»”. فدلَّ الحديث علي أن الصلوات الخمس هي الفريضة الوحيدة في اليوم والليلة، ولا يلزم المسلم غيرها، إلا إن أراد أن يتطوّع, ولأنها صلاة مؤقتة لا تشرع لها الإقامة فلم تجب.
قال النووي: جمهور العلماء من السلف والخلف أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ.
وأما عن حضورُ النساءِ والصبيان لصَلاةَ العِيدِين فنقول: يُسنُّ للنِّساءِ والصبيان حضورُ صلاةِ العيدِ، فعن أم عطية: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين”, ويجب عليهن التزام آداب الخروج، من عدم التطيّب والتزيّن كما هو معلوم بمعني أن تلتزم المرأة بالزّيِّ الشرعي، وتتجنّب مزاحمة الرجال في الدخول والخروج, ومكان صلاتهن أن يصففن صفوفهن خلف صفوف الرجال.
وأما الصبيان، فقد سئل ابن عباس: أشهدتَ العيد مع النبي؟ قال: “نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته”, ولكن ينبغي أن يكون معهم من يضبطهم عن اللعب واللهو ونحوهما.
وأما عن وقت صلاة العيد فنقول: اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة على أن وقت صلاة العيدين يبدأ بعد ارتفاع الشمس مقدار رمح، وفقًا للرؤية بالعين المجردة، وهو الوقت الذي تشرع فيه صلاة النافلة، ويمتد وقتها حتى قبيل الزوال.
خلافا للشافعية، فقد ذهبوا إلى أن وقتها يبدأ من طلوع الشمس ويمتد حتى الزوال، مستدلّين على ذلك بأنها صلاة ذات سبب، فلا يشملها النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
وأما عن الوقت المستحَب لأدائها، فيُفضل أداؤها بعد ارتفاع الشمس قدر رُمح، مع مراعاة الفرق بين العيدين؛ حيث يستحب تعجيل صلاة الأضحى ليتمكّن المسلمون من التفرّغ لذبح الأضاحي، بينما يُستحب تأخير صلاة عيد الفطر قليلًا لإتاحة الفرصة لمن انشغل بإخراج زكاة الفطر صباح العيد.
وهذا التفريق بين العيدين متّفق عليه بين الأئمة، ودليله أن النبي ﷺ كتب إلى بعض الصحابة يأمرهم بتقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر.
وأما عن قضاء صلاة العيد فلقد اختلف الفقهاء في حكم قضاء صلاة العيد لمن فاتته، فمنهم من قال بعدم قضائها، بينما رأى قال بجواز قضائها, والراجح أنه يستحب لمن فاتته أن يصليها على هيئتها بنفس التكبيرات لكن دون خطبة، على أن يكون ذلك قبل زوال الشمس، أي قبل أذان الظهر.
وتُصلّي في كل موضع طاهر يصلح لأداء صلاة العيد، سواء كان مسجدًا أو ساحة في وسط البلد أو فضاء خارجها، لكن يُستحب أداؤها في المصلّى بالفضاء، اقتداءً بالنبي، وهو مذهب جمهور الفقهاء، ونُقل الإجماع عليه.
ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة، بل ينادى لها: الصلاة جامعة, وليس لصلاةِ العيدِ سُنَّةٌ قَبْلِيّةٌ، ولا بَعديَّةٌ فعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ خرَجَ يومَ أضْحَى، أو فِطرٍ، فصلَّى ركعتينِ لم يُصلِّ قبلها ولا بعدَها.
وأما عن كيفية صلاة العيدين: صلاة العيد ركعتان، وقد أجمع الفقهاء على ذلك، واستدلّوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى يوم العيد ركعتين, ويُسنّ في الركعة الأولى التكبير سبع مرات بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة، وفي الركعة الثانية خمس مرات قبل القراءة، ويستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة، وهو قول الجمهور, ويُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة (الأعلى) وفي الثانية بسورة (الغاشية)، أو في الأولى بسورة (ق) وفي الثانية بسورة (القمر)، اقتداءً بالنبي، ويسنّ أن يخطب الإمام بعد الصلاة، وهو قول المذاهب الأربعة، وفيها يبيّن أحكام العيد ويحثّ الناس على الصدقة، وفي عيد الأضحى يوضّح أحكام الأضحية.
وفي الختام: فإن الأعياد في الإسلام ليست مجرّد احتفالات زمنية، بل هي شعائر تعبدية تُرسّخ معاني الشكر، والتكافل، والتقوى.
لذا، ينبغي للمسلم أن يجعل من العيد فرصة للطاعة، والفرح المشروع، والتقرّب إلى الله بالأعمال الصالحة، ليكون عيدًا مباركًا بحق.