منذ أن تولَّى الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمانة المسئولية وهو يضعُ على عاتِقه مهمّة تجديد الخطاب الديني باعتباره أحدَ أهمِّ أركان بناء الإنسان المؤهَّل ليكون ركيزة أساسية في الجمهورية الجديدة القائمة على العِلْم والمعرفة وسلاحُها الوعي.
وفي عدّة لقاءات استمعنا لمطالبته علماء الدين بضرورة التجديد في الخطاب، خاصة الموجَّه لفئة الشباب، للتعريف بالدّين الحنيف كما جاء به سيّدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- دون إفراط أو تفريط، بعيدا عن الغلو والتطرّف أو التسيُّب.
وتنفيذاً لتوجيهاته إلى مسئولي وزارة الأوقاف، بالتنسيق مع مؤسّسات الدولة المعْنيّة، بما فيها الأكاديمية العسكرية المصرية، لوضْع برنامج تدريبي متكامل يهدف إلى تعزيز قُدْرَات الأئمة على مختلف المستويات، بما يُسهم في الارتقاء بالخطاب الديني وتطوير آليّات التواصل، خاصّة لمكافحة ودَحْض الفكر المتطرّف، فضلاً عن ترسيخ الوعي والمعرفة والإدراك لمختلف القضايا الفكرية والتحدّيّات الراهنة، تمّ تخصيص دوْرة لتأهيل أئمة الأوقاف في الأكاديمية العسكرية المصرية، وقد حضر فخامته حفل تخرُّج الدورة الثانية بمركز المَنَارة للمؤتمرات الدولية، والتي ضمَّت ٥٥٠ إماما واستمرّت لمدّة ٢٤ أسبوعاً.
وقد لخَّص الرئيس هذه المهمّة الخطيرة بقوله: أدْرَكنا منذ اللحظة الأولى أن تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دُعاة مُستنيرين، أغنياء بالعِلْم، واسِعي الأُفُق، مُدْرِكين للتحدّيّات، أُمَنَاء على الدّين والوطن، قادرين على تقديم حلولٍ عمليةٍ للناس، تُداوي مشكلاتهم وتتصدّى لتحدّيّاتهم، بما يُحقّق مقاصِد الدين ويحفظ ثوابته العريقة، ولا تنحصر مهمّة تجديد الخطاب الديني في تصحيح المفاهيم المغلوطة فحسب، بل تمتد لتقديم الصورة المشرِقة الحقيقية للدين الحنيف، كما تجلَّت في حياة رسول الله، وكما نقلها الصحابة الكرام، وكما أرسى معالِمها أئمة الهُدَى عَبْر العصور.
وما نشهده يوميا يؤكّد مُضِيَّ الدولة المصرية بثباتٍ وعَزْمٍ في مشروعها الوطني لبناء الإنسان المصري بناءً متكاملًا، يُراعِي العقل والوجدان، ويجعل من الدين ركيزةً للنهوض والتقدّم، في ظلّ قِيَم الانتماء والوسطيّة والرُشْد.
والحقُّ يقال: إن لقاء الرئيس وكلمته للأئمة الجُدُد، تستحق أن تُحَوَّل إلى استراتيجية وبرنامج عمل، خصوصاً ما دعا إليه من استثمار مَقَار المساجد، إلى جانب كونِها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب، وتشديده على ضرورة حُسْنِ معاملة الجيران، والاهتمام بتربية الأبناء، ومواكبة التطوّر دون المَسَاس بالثوابت، والتأكيد على أهمية الحفاظ على اللغة العربية، ودُور الدعاة في أن يكونوا حُمَاة للحرّيّة، مما يعكس رؤية شاملة للتنمية المجتمعية.
لكن اللافت للنظر في هذا النوع الجديد والمهمّ بتدريب وتأهيل الأئمة ذلك القَسَمُ “قَسَمُ الولاء” الذي أدّاه الخرّيجون، وهو قَسَمٌ مُسْتَحْدَثٌ للخرّيجين من الأئمة والدعاة، لقَّنه للخرّيجين د. أحمد نبوي عضو المكتب الفنّي لوزير الأوقاف.
فضلاً عن كوْن هذه الدورة سلَّطت الضوء على أهمية التكامل والتعاون بين جهات الدولة المعنية لتنفيذ رؤية القيادة السياسية في إعداد جيل جديد من الأئمة، يجمع بين التعمُّق في علوم الدين وإتقان أدوات التواصل الحديثة، بما يعزِّز دَورهم في نشر الفكر الوسطي وترسيخ القيم الوطنية، وهو ما أشارت إليه كلمات كلٍّ من الفريق أشرف زاهر، مدير الأكاديمية العسكرية المصرية، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف.
وهذا ما نحتاجه بقوّة في كل مجالات العمل لتحقيق التنسيق والتعاون والتشْبيك فيما بين جهود كل أجهزة الدولة المصرية، لا فَرْق بين حكومة أو قطاع خاص أو مجتمع مدنيّ، لـ”تحيا مصر” بالجميع في عِزَّة وإباء.
مصر بتاريخها العريق وعلمائها الأجلاء ومؤسّساتها الراسخة، حيث كانت وستظل منارةً للإسلام الوسطي المستنير، الذي يُعلِي قيمة الإنسان، ويُكرِّم العقل، ويحترم التنوّع، ويُرْسِي معاني العدل والرحمة.