مصر بحضارتها العريقة.. تُجسِّد التعايش السلمى على مرِّ العصور
العمل “يد واحدة” يبني مستقبلا أكثر أمانا وتسامحا
المؤسسة الدينية والمجتمع.. ركيزة الحفاظ على الهوية المصرية
المستشار فرج الدري: السيسي.. صاحب دعوة التجديد لملاءمة العصر الحديث
فيبي فوزي: ضرورة مُلِحَّة لمواكبة تطوّرات العصر
علاء مصطفى: المسئولية مشتركة تفرض “التكاتف”
شوقى العنانى: التجديد أحد مرتكزات استقرار الدولة الوطنية وتماسك نسيجها الوطنى
علاء جاد: الوقف الخيرى.. تجسيد للعطاء المستدام فى المجتمعات المتقدمة
مصطفى ياسين
احتضنت “قُبَّةُ البرلمان” بـ”غُرْفَتَيه” النوّاب والشيوخ، برئاسة المستشار د. حنفى جبالى- رئيس النواب- والمستشار د. عبدالوهاب عبدالرازق- رئيس الشيوخ- مناقشات ساخنة حول قضية الساعة ألا وهى “تجديد الخطاب الدينى ومواجهة التطرّف”، عَرَضَها فِرسان اللجنة الدينية والأوقاف، برئاسة د. على جمعة، د. يوسف عامر، د. خضرة سالم، بحضور د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، وعدد كبير من علماء الأزهر والأوقاف.
أكد الحضور أن مصر بحضارتها العريقة تُجَسِّد التعايش السلمى على مر العصور، وأن العمل “يدا واحدة” لكل أفراد المجتمع على اختلاف مسئولياتهم هو عماد بناء مستقبل أكثر أمانا وتسامحا، مشيرين إلى أن المؤسسة الدينية والمجتمع بأسْره هى الركيزة الأساسية للحفاظ على الهوية الوطنية المصرية.
الخطاب فى “الشيوخ”
أكّدت السيدة فيبي فوزي- وكيل مجلس الشيوخ- أن تجديد الخطاب الديني ضرورة مُلِحَّة لمواكبة تطوّرات العصر وتحدّياته، بما يعكس جوهر الإسلام وروحه السمْحة، كما يُعدّ ذلك قضية وعي تتطلب فِهماً عميقاً للنصوص ومقاصد الشريعة. ومن خلال هذا التجديد، يمكن التصدّي للأفكار المتطرّفة التي تفتقر لقيم الإسلام السامية مثل الرحمة، العدل، التسامح.
وإنطلاقاً من ذلك، تُعد الأساليب الحديثة والرقمية ضرورة مُلِحَّة في مخاطبة الشباب حول قضايا الدين، إذ تواكب لُغتهم ووسائل تفاعلهم اليومية. فالتواصل معهم عبْر المنصّات الرقمية يُسهّل إيصال الرسائل بشكل جذّاب ومؤثّر. ومن خلال المحتوى الإبداعي والمناسب، يمكن بناء وعي ديني راسخ ومتناغم مع روح العصر.
تابعت: وفي هذا الصدد، تلعب المؤسسات الدينية دورًا محوريًا في تعزيز ثقافة التسامح من خلال نشر القيم الأخلاقية والتعاليم التي تحثّ على قبول الآخر. ويمكنها التعاون مع الأسرة لترسيخ هذه القيم منذ الطفولة، ومع وسائل الإعلام لتوجيه الرسائل الإيجابية المعتدلة. كما يمكنها أن تسهم في دعم المناهج التعليمية في المدارس والجامعات بما يعزّز الحوار والانفتاح. هذا الدور الشامل يضمن بناء مجتمع متماسك ينبذ العنف والتطرّف.
استطردت “فيبى”: على صعيد متّصل، يُعد “الوقف الخيري” من أهم أدوات تعزيز التكافل الاجتماعي، حيث يسهم في تعبئة الجهود التطوّعية لخدمة قضايا ومشروعات التنمية. كما يُمثّل وسيلة فعّالة لدعم التعليم والرعاية الصحية ومساعدة غير القادرين. وننتظر جميعا من صندوق الوقف الخيري الذي أُنشئ حديثاً أن يكون منصّة مستدامة لتوجيه أموال الوقف نحو مشروعات تنموية حقيقية يستفيد منها المجتمع. ونقدّر ما تعمل عليه وزارة الأوقاف لتوسيع قاعدة الوقف، وتحفيز رجال الأعمال والمجتمع للمشاركة. ونتطلّع إلى المزيد ليتحقّق التكامل بين الجهد الرسمي والتطوّعي لبناء مجتمع أكثر عدلاً وتراحماً.
صاحب الفضل
وقال المستشار فرج حافظ الدري-: الأمانة تقتضي أن نُرجع الفضل لصاحبه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي نادى مرارا منذ بداية ولايته إلي تجديد الخطاب الديني، لجعله أكثر ملاءمة للعصر الحديث، والتركيز علي القيم الدينية التي تعزّز التسامح، والعدالة، والمساواة، في مواجهة التطرف والإرهاب وتعزيز قيم التعايش السلمي، والتسامح بين مختلف الثقافات والديانات، وأهمية دور الأزهر في تعزيز هذه القيم .
أضاف: إن تحقيق ذلك لا يقتصر علي المنابر، والمعاهد الدينية، بل يمتد الى العديد من الهيئات، أخص منها الهيئة الوطنية للإعلام, برئاسة أحمد المسلمانى، طالبا منه مساحة أطول واختيارا أفضل لمن يطلّون علينا فى المنابر الإعلامية تحقيقا لهذا الهدف، ومن حسن الطالع أنه بالنسبة لعلماء الدين فمصر زاخرة بهم وفي المقام الأعلي منهم فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ناشر الفكر الوسطي والذي لا يتسع المقام لحصر مآثره، وعلمه، وتواضعه وزهده، وما يلقاه من تقدير في الداخل والخارج, يؤازره المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، ويسير علي نهجه وزير الأوقاف د. أسامة الأزهري، وفضيلة مفتي الديار د. نظير عياد .
التطرف الدىنى
من جانبه، حذَّر النائب علاء مصطفى، من أن مصر تواجه تحدّيات جمَّة، لعلّ أبرزها ظاهرة التطرف الدينى التى تؤثّر بين الحين والآخر على السلْم الاجتماعى والأمن القومى وفى الوقت ذاته، تُشرق على أرض مصر حضارة عريقة تعرف بقيم التسامح والاعتدال، متجسِّدة فى التعايش السلمى بين مختلف الأديان والثقافات على مرّ العصور كما أن مكافحة التطرف الدينى وتعزيز ثقافة التسامح فى مصر مسئولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من مختلف فئات المجتمع، بدءاً من الدولة ومؤسساتها، مروراً بالمؤسسات الدينية والأزهر الشريف، وصولاً إلى المنظّمات المدنية والأفراد فمن خلال العمل معاً، يمكننا بناء مستقبل أكثر أمانا وتسامحا لجميع أبناء مصر، محافظين على هويتها الحضارية العريقة وقيمها النبيلة.
أوضح أن ظاهرة التطرف الدينى فى مصر تتجلى بأشكال عديدة، منها التطرف الفكرى الذى يقوم على تبنّى أفكار متعصّبة تكفِّر المخالِف وتبرّر العنف باسم الدين كما يظهر التطرف السلوكى فى صورة أعمال عنيفة أو تحريض على الكراهية، أما التطرف المؤسّسى فيتمثّل فى وجود جماعات أو كيانات تنشر أفكاراً متطرّفة وتشجّع على العنف.
وتنبع جذور التطرف الدينى فى مصر من عدّة عوامل متداخلة، نذكر منها الجهل الدينى الذى يجعل البعض عُرضة للتأثّر بالأفكار المتشدّدة كذلك يُعدّ الفقر والبطالة بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة، خاصة بين الشباب، ويلعب الخطاب الدينى المتطرف الذى يُسىء فهم النصوص الدينية ويشجّع على الكراهية والعنف، دوراً بارزاً فى تغذية التطرف ولا نغفل عن التأثيرات الخارجية لجماعات وتنظيمات متطرّفة تسعى لنشر أفكارها فى مختلف الدول.
ولمواجهة التطرف وتعزيز التسامح، تبذل جهود كبيرة على عدّة مستويات على الصعيد الحكومى تنظم حملات توعوية للتصدّى للخطاب المتطرّف ونشر الوعى الدينى الصحيح.
كما يتم تطوير المناهج الدراسية لتعزيز قيم التسامح والاحترام للآخر، بالإضافة إلى محاربة المحتوى المتطرف على الإنترنت.
مكافحة التطرّف
وقال علاء مصطفى: فى هذا السياق تتّخذ وزارة الأوقاف خطًّا أساسياً وثابتا وواضحا فى مكافحة الفكر المتطرّف وترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك، وذلك من خلال العمل على محورين الأول: بناء نظرية فكرية فى مواجهة التطرف وذلك من خلال تصحيح المفاهيم ونشر الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح من خلال ما يقرب من 370 مؤلَّفا ومترجماً إلى العديد من اللغات الأجنبية المختلفة.
والثانى: العمل الميدانى وذلك من خلال الدخول فى صميم المواجهة، بتكثيف العمل الميدانى والتحصين الفكرى المباشر، ولاسيما ما يتصل بتحصين النشء والشباب من الفكر المتطرف، من خلال مساجد الأوقاف والعلماء والأئمة المتميزىن والواعظات المتميزات.
أضاف: ومن جانب آخر اتّخذ الأزهر خطوات جادة لتجديد الفكر، ومنها مؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية، الذي هدف إلي تصحيح المفاهيم التي حرّفها المتطرّفون وتفنيد آرائهم ودحْض نظرياتهم، إضافة إلي مناقضة الغلو والتطرّف والعوامل التي تؤدّي إلي انتشارهما، كما تناول أسباب انتشار الإرهاب وخطورته علي السلْم والأمن العالمي وترسيخ مفهومي المواطنة والتعايش السلمي وذلك من أجل نشر ثقافة الاختلاف والتنوّع والتعايش المجتمعي، وسعي الأزهر إلي إنشاء مرصد باللغات الأجنبية لمكافحة الإرهاب والتطرّف والذي حقّق تواجداً قويّاً ودوراً بارزاً في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تبثّها الجماعات المتطرّفة باستخدام كافة الوسائل والتقنيات الحديثة.
جهود ملموسة
تابع: ولعلّ أيضاً من أبرز الجهود المبذولة في هذا الأمر ما يقوم به دار الإفتاء في كيفية معالجة قضايا التطرّف وقضايا الإرهاب، وجهوده في مواجهة الأفكار المتشدّدة، وفي سبيل ذلك دشَّنت دار الإفتاء مرصد الفتاوي التكفيرية والآراء المتشدّدة، عام 2014، وهو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولي في مجال الفتوي، وتم تدشين مرصد الإسلاموفوبيا عام 2015، ويختص برصد ظاهرة الخوف من الإسلام ومعالجتها، وتقديم كل التصوّرات والتقديرات الضرورية لمواجهتها، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج.
مسئولية مجتمعية
استطرد النائب علاء مصطفي: ولكن لا يقتصر دور مكافحة التطرّف علي المؤسّسات الرسمية، بل يمتد ليشمل الأسرة والمجتمع، فغَرَس قيم التسامح والاحترام للآخر في نفوس الأبناء منذ الصغر، ونشر ثقافة الحوار والنقاش البنّاء، من شأنه أن يحصّن أفراد المجتمع ضد الأفكار المتطرّفة.
ولتحقيق نجاح ملموس في مكافحة التطرّف وتعزيز ثقافة التسامح، لابد من اتّخاذ خطوات عملية، وذلك من خلال تحسين جودة التعليم الديني ونشر الوعي الديني الصحيح، بالإضافة إلي تعزيز مهارات التفكير النقدي لدي الطلاب كذلك يعدّ تفعيل دور الإعلام عنصراً مهمّاً، سواء من خلال نشر ثقافة التسامح والاحترام للآخر، أو من خلال محاربة خطاب الكراهية والعنف علي كافّة المنصّات الإعلامية ولا يمكن إغفال أهمية التعاون الدولي في مكافحة التطرف الديني والإرهاب وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول بالإضافة إلي تعزيز التعاون الدولي والذي من شأنه أن يُضْعِف من قُدرة الجماعات المتطرّفة علي الانتشار والتأثير.
إن مكافحة التطرّف الديني وتعزيز ثقافة التسامح مسئولية مشتركة علي عاتق الجميع من خلال تضافر الجهود علي كافة المستويات، يمكن بناء مجتمع مصري متسامح ومتعايش.
استقرار الدولة
وقال النائب محمد شوقي العناني: يُعد تجديد الخطاب الديني أحد المرتكزات الأساسيّة لاستقرار الدولة الوطنيّة وتماسُك نسيجها المجتمعي، وهو ما يتطلّب بناء رؤية علمية شاملة تعتمد علي أسس معرفية متينة، تتجاوز الأسلوب الوعظي التقليدي، وتُعْلي من مقاصد الشريعة وتضع في اعتبارها تحوّلات النَسَق الثقافي داخل المجتمع.
وقد أظهرت الأدبيات الحديثة أن غياب خطاب ديني متماسك قد يؤدّي إلي تهيئة المجال العام أمام أنماط من التديّن المنفصل عن مقاصد الشريعة، أو المرتبط بسياقات أيديولوجية مغلقة ومن ثمّ، تبرز أهمية التنسيق المؤسّسي بين الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء وغيرها من الجهات المعنية لضمان تكامل المرجعيات العلمية وتكامل الأدوار في بلورة خطاب جامع، يعكس روح الإسلام الحقيقية وينفتح علي أسئلة الواقع دون انغلاق.
وأكّد “العناني” أنه في ظلّ التغيّرات العميقة التي طرأت علي أنماط التلقّي المعرفي لدي الأجيال الجديدة، تبرز أهمية إدماج أدوات التحوّل الرقمي في منظومة الخطاب الديني، فالشباب اليوم لا يكتفون بالمسجد أو الكتاب المدرسي كمصدر وحيد للمعرفة الدينية بل ينفتحون علي فضاءات رقمية متعدّدة، بعضها يفتقر إلي الحدّ الأدني من الضبط الشرعي أو العلمي، وعليه فإن تطوير تطبيقات تعليمية ومنصّات تفاعلية رقمية، تقدّم محتوي رصينا بلُغة عصرية وتربط بين القيم الدينية ومفاهيم المواطنة يمثّل ضرورة استراتيجية لحماية الوعي الجمْعي من التزييف وتعزيز الانتماء الوطني.
كما أن المعالجة الناجحة لقضية تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن تنفصل عن البيئة المؤسّسية والتشريعية الحاضنة لها، إذ ينبغي إعادة تقييم الأُطر المنظّمة لتأهيل الدُعاة، ومعايير الترخيص بالخطابة، ومناهج المعاهد الدينية، بما يضمن إخراج كوادر دعوية قادرة علي الجمع بين الدراية الشرعية والوعي الاجتماعي والثقافي.
الوقف الخيري
وأشار النائب علاء الدين محمد جاد، إلي دور الوقف الخيري في دعم المؤسسات العامة وتحقيق التنمية المجتمعية المتكاملة قائلا: يُعد نظام الوقف الخيري- بمختلف أشكاله وصوره- من أعرق الآليات القانونية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي التي اعتمدت عليها المجتمعات في تنظيم موارد مُستدامة موجّهة إلي مجالات النفْع العام وقد أقرّ المشرع المصري بأهمية هذا النظام، ونصّ في المادة »90« من الدستور علي التزام الدولة بتنظيم شئونه وتشجيعه باعتباره أحد روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويمثّل الوقف الخيري إحدي الصِيَغ القانونية والاقتصادية التي تجسّد فلسفة العطاء المستدام في المجتمعات المتقدّمة وهو في جوهره آلية تهدف إلي تعبئة الموارد الطوعيّة وتوجيهها نحو مقاصد النفع العام بما يعزّز من التكافل الاجتماعي ويحد من الفجوات التنموية وقد شهدت السنوات الأخيرة تطوّراً ملحوظاً في المقاربة المؤسّسية للدولة تجاه الأوقاف، تجلّي في إنشاء صندوق الوقف الخيري بموجب القانون رقم »145« لسنة 2021 ككيان مستقل يهدف إلي إدارة وتطوير وتنمية الموارد الوقفية وتوجيهها نحو أولويات المجتمع وذلك في إطار من الحوكمة والشفافية والالتزام بشروط الواقفين.
وتتأكّد أهمية هذا الصندوق في ظلّ تصاعد الحاجة إلي موارد إضافية غير تقليدية لتمويل مشروعات الرعاية والتنمية، لاسيما في ضوء التحديات الاقتصادية العالمية، والضغوط الواقعة علي الموازنة العامة للدولة ومن هنا، يثور التساؤل حول: مدي تفعيل السياسات الكفيلة بتحقيق الغايات المرجوّة من الصندوق لاسيما فيما يتّصل بتوسيع نطاق نشاطه، وتحديد أولوياته التمويلية وتطوير آليات عمله بما يواكب المتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية.
أضاف: إن منظومة الوقف الخيري، بما تحمله من بعد قانوني ومجتمعي، تتيح للدولة فرصة بناء نموذج متوازن للتنمية المستدامة يُراعي التكامل بين القطاع العام والمجتمع الأهلي، ويُسهم في ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال دعم الفئات الأولى بالرعاية، والمشاركة في تمويل قطاعات استراتيجية كالتعليم، الصحة، الإسكان، مشروعات البنية التحتية ومن ثمّ، فإن تفعيل دور صندوق الوقف الخيري يتطلّب رؤية مؤسّسية واضحة تعكس فهما عميقا لمفهوم “الوقف الخيري التنموي” وتؤسّس لنموذج استثماري رشيد في إدارة أموال الوقْف، قادر علي تحقيق عائد مستدام يوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
ويتطلّب الأمر أيضا تقييم مدى التنسيق بين وزارة الأوقاف والوزارات المعنية في توجيه عوائد الصندوق نحو المشروعات ذات الأولوية، بما يضمن التوضيف الأمثل للموارد الوقْفية وفْقا لشروط الواقفين ووفقا لما يحقّق المصلحة العامة في ضوء اعتبارات الكفاءة والفاعلية، كما تبرز الحاجة إلي الوقوف علي ما أحرزته الوزارة من تقدّم في تطوير البنيّة الرقميّة لحصر وإدارة الأصول الوقْفية، ومدي قُدرة تلك البنية علي دعم الشفافية وتعزيز ثقة المجتمع في منظومة الوقف.
ولذا فإن هذا الطلب يهدف إلي معرفة المعايير التي تحكم عمل صندوق الوقف الخيري، ورؤيتها في تطوير دوره بوصفه ذراعاً وقْفية تنموية فاعلة في خدمة الأولويات الوطنيّة، وسبل الارتقاء به ليكون نموذجاً مؤسّسياً قادراً علي تعبئة المدّخرات الوقْفية وتوجيهها إلي حيث تكون أكثر أثراً ونفعاً للمجتمع.
.. و”دينية النواب”: الموافقة على “تنظيم إصدار الفتوى الشرعية”
من ناحية أخرى، استجابت اللجنة الدينية والأوقاف بمجلس النواب- أمس الاثنين ٥ مايو برئاسة د. على جمعة- لطلب الأزهر بإضافة “مجمع البحوث الإسلامية” للمختصّين بالفتوى العامة، وإضافة “مركز الأزهر العالمى للفتوى” للمختصّين بالفتوى الخاصة، بناء على المقترح المقدّم من د. محمد الضويني، وكيل الأزهر.
كما وافقت اللجنة من حيث المبدأ على مشروع القانون المقدّم من الحكومة بتنظيم إصدار الفتوى الشرعية، بحضور: د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية، المستشار محمد عبدالعليم كفافي، المستشار القانوني لرئيس المجلس، د. محمد الضويني، وكيل الأزهر.
شهد الاجتماع اعتراض الأزهر على ما ورد في المادة الثالثة من المشروع، والتي تمنح لجنة بوزارة الأوقاف حق الإفتاء، دون اشتراط مشاركة أبناء الأزهر.
وقال د. الضويني، إن الأزهر يضم قطاعات متعدّدة، من بينها قطاع المعاهد الأزهرية الذي يشمل 170 ألف مدرّس، منهم 50 ألفًا على الأقلّ من خريجي كلية الشريعة والقانون. «ورغم ذلك لا يُعطى لهم حق الإفتاء، رغم أنهم من أبناء الأزهر».
جاء هذا التصريح ردًا على د. أسامة الأزهري، الذي دافع عن المادة المقترحة، معتبرًا أن العاملين في الأوقاف هم من أبناء الأزهر: «نحن لا نقول إن كل من يعمل في الأوقاف يجوز له الإفتاء، بل يجب أن يجتاز برامج التدريب والتأهيل التي تضعها دار الإفتاء، وفقًا لشروط يحددها الأزهر».
وسأل د. على جمعة: «ما مقترحاتكم؟»، كاشفًا أن هيئة كبار العلماء انتهت إلى رفض مشروع القانون لهذا السبب. واختتم متسائلًا: «هل نترك الفوضى كما هي؟»، بينما ردّ ممثّلو الأزهر بأن الوضع القائم هو الأنسب، مطالبين بأن تظل الفتوى حصْرًا على الأزهر ودار الإفتاء، مع رفض تشكيل لجان فتوى تابعة للأوقاف.
واتفق الجميع على وجوب إصدار قانون تنظيم الإفتاء واستمرار المناقشات لجلستين أخريين. ومن المقرر أن تستكمل اللجنة مناقشة مواد مشروع القانون في اجتماعها المعقود صباح اليوم الثلاثاء ٦ مايو.