لا أستطيع استكمال هذه القضية دون الحديث عن الجريمة الإرهابية البشعة التى وقعت فى نيوزيلاندا، وراح ضحيتها خمسين مسلما بينهم أربعة مصريين حال وجودهم فى بيت من بيوت الله، بما يؤكد أن الإرهاب لا دين ولا وطن له، وأن إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامى فرية عظيمة يروج لها الغرب الذى ترتعد فرائصه خوفا من المد الإسلامى فى بلادهم، رغم الاضطهاد والتضييق المغلف بدعاوى حرية العقيدة وممارسة الشعائر، فى الوقت الذى تمتلئ فيه مناهجهم الدراسية بالأكاذيب عن الإسلام والمسلمين، وتغذية الروح العدائية لكل مظهر إسلامى، فى الوقت نفسه يحاولون أن يفرضوا علينا مناهج تبتعد بالنشء فى بلادنا عن مبادئ الدين الحنيف، حتى ينشأ عندنا جيل ممسوخ الهوية فاقد الوعى بعظمة عروبته وإسلامه.
وقد كفانى الزملاء فى “عقيدتى” أن أطيل الحديث فى هذه القضية بعمل ملف يحتضن مقالى هذا، فجزاهم الله خيرا.
أعود إلى موضوع المقال وأستكمل الحديث عن مسؤولية الدولة في حماية الأوقاف، فأقول وبالله التوفيق:
فى المقالات الثلاث السابقة أكدنا أن الدولة مسؤولة عن تعيين ناظر على الوقف إذا كان الواقف لم يعين ناظرًا عليه، وإذا تصرف الناظر بما ليس في مصلحة الوقف منعته الدولة، وأبطلت تصرفه، ولهذا نصَّ أكثر العلماء على منع الناظر من تأجير الوقف مدة طويلة قد ترتفع خلالها الأجور، فيحرم الوقف من هذا الارتفاع، كما يمنع من تأجير الوقف لمن يخاف منه إتلاف عينه، ويمنع كذلك من تأجير الوقف لنفسه، أو لولده، أو والده، أو زوجه، لأنه متهم بالمحاباة على حساب الوقف، وإذا أجر الوقف بأقل من أجرة المثل لزمه ضمان ما نقص عن أجرة المثل، ولو منعه الواقف من تأجير الوقف مطلقًا أو ألا يؤجره أكثر من سنة، فخالف الشرط بطلت الإجارة، ولم يصح تصرفه.
كما أنَّ يد الناظر على الوقف يد أمانة، فإذا تعدى أو فرط ألزمته الدولة بضمان ما تلف بتعديه أو تفريطه، وإذا كانت مصلحة الوقف تقتضي عزل الناظر واستبداله بأصلح منه، أو ضم ناظر آخر إليه؛ لأنه تصرَّف بخلاف شرط الواقف، أو قصَّر فيما يجب عليه تجاه الوقف، فلها ذلك.
ولعل ما يسعى إليه الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف من عمل حصر دقيق لجميع الأوقاف لتعظيم الاستفادة منها وإعادة النظر فى بعضها لمخالفتها شروط الواقف، فإن مبعث هذا التحرك الجاد هو حرص الرئيس السيسى على التزام وزارة الأوقاف بشروط الواقفين وصرف ريعها فى مصارفها الشرعية، وفى تقديرى أن الأنفع في النظارة على الأوقاف لكي تحفظ أعيانها، ويتضاعف ريعها، أن يتم تعيين مجلس نظارة مكوَّن من ثلاثة أشخاص أو أكثر، بحيث يكون الرأي جماعيًّا، ورأي الجماعة أكثر سدادًا من رأي الفرد، وينبغي أن يُنص في صك النظارة على هؤلاء النظار، وأنه إن حصل لأحدهم عارض يمنعه من الاستمرار من وفاة، أو تخريف، أو غيبة بعيدة، أو غير ذلك؛ فإنه يلزم بقية النظار تعيين واحد مكانه بعد أخذ موافقة القاضى، وإصدار صك نظارة جديد.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.