باقة ورد لكل أم في عيدها وأقول لها: أنت نصف البشر، وتلدي لنا النصف الآخر، فأنت البشرية بأسرها، وأنت الأرض الطيبة التي ينبت ما يحرث فيها، وأنت النبع الصافي التي لا يجف ماؤه، وأنت النسيم العليل الذي يطيب النفس باستنشاقه، وأنت الحضن الدافئ الذي تطيب الجراح بين دفّاته، وأنت ببركتك يغفر الله لي هناتي، وبدعواتك تُقضى حاجاتي، وببسمتك في وجهي تشرق الشمس في حياتي، وبرضاك يرضى عني الرب في السموات، فأنت مدرسة الحب إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وأنت الروض إن تعهدته بالري أورق أيما إيراق، وأنت أستاذ الأساتذة التي ملأت مآثرها مدى الآفاق، فويل لمن يغضبها أو يعصيها في معرف، أو يأفف لها، لقد كرم الإسلام الأم فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير)، ثم أوصى بها عند الكبر والشيخوخة فقال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) ثم أوصى بها رب العزة خيراً حتى لو كانت مشركة فقال: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفً)، ولقد أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم- بحسن صحبة الأم ثلاث مرات ثم قال أبوك، لأن الجزاء من جنس العمل، فالأم تحمل الجنين في بطنها تسعة أشهر مع شدة ضعفها وترضعه عامين أي أنها تجمع بين (الحمل والضعف والرضاعة)، قال تعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، أما الأب فحمله في ظهره خفة ووضعه شهوة- وهذا لا يقلل من قدر الأب- فهذا بالنسبة له بداية المشوار وعليه بعد ذلك جميع المهام، وعندما جاء رجل إلى النبي يستشيره في الخروج للغزو في سبيل الله فقال له: هل لك أم؟ قال: نعم، فقال: (فالزمها فإن الجنة تحت قدميها)، وعندما سألته أسماء بنت أبي بكر في بر أمها- وكانت كافرة- فقال لها: برّيها يا أسماء فإنها أمك، كما أن بر الأم من أعظم أسباب دخول الجنة، قال- صلى الله عليه وسلم-: (لن يدخل الجنة عاق)، وقال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات)، ورأى في رحلة الإسراء والمعراج عندما دخل الجنة رجلا يقرأ القرآن، فقال: من هذا؟ فقيل له: هذا حارثة بن النعمان، فقال: كذلك البر- أي هذا جزاء بره بأمه- فإنه كان أبرّ الناس بأمِّه.
ولقد أخبر النبي عن أويسي بن عامر القرني- من اليمن- وكشف عن سناء منزلته عند الله تعالى وأنه مستجاب الدعوة، وطلب ممن يلقاه من الصحابة أن يسأله الدعاء، وكل هذا كان سببه أنه كان باراً بأمه حتى أنه آمن في حياة النبي ولم يقدم المدينة للقائه حتى لا يترك أمه بلا من يخدمها ويعولها، فكان الجزاء من جنس العمل، حفر اسمه على جبين التاريخ مع الصالحين حتى يلقى رب العالمين، والنماذج في بر الأم في التراث الإسلامي كثيرة وعظيمة.
وختاما أرجو أن يكون بر الأم وودها ورعايتها خاصة في الكبر دوما لا يوم، فالأم بيدها مفتاح الجنة، وملعون من لحق أبويه في الكبر أو أحدهما ولم تُغفر ذنوبه ولم يدخل الجنة!