د. فودة السيد: الأزهر عندهم هو قبلة العلم.
لديهم حب فطري للدين واحترام عميق لعلماء مصر
الشعب الموزمبيقي يجلون الطيب والشعراوي ويعشقون عبد الباسط والمنشاوي ومصطفى إسماعيل
حوار- محمد الساعاتي
عقب تكريم الداعية المصرى الدكتور فودة السيد فودة إمام وخطيب مسجد الإمام الشافعى بالقاهرة، المتواجد حاليا بدولة موزمبيق، عقب نجاحه كداعية متميز بها، ولكونه يعد أحد سفراء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية المتميزين، حرصت “عقيدتى” على لقاء د. فودة السيد فودة ابن قرية أبو العاص مركز كفر صقر بمحافظة الشرقية للتعرف على دوره الدعوى المتميز، مما جعل طلاب العلم من أبناء الشعب الموزمبيقى يتأثرون بعلمه فى الحوار التالى:
حبهم لطلب العلم
*: نود التعرف على دورك فى العمل الدعوي والتعليمي في المجلس الإسلامي الموزمبيقي (معهد حمزة) بدولة موزمبيق وأهم ما لفت نظركم؟
** منذ أن وطئت قدماي أرض موزمبيق، وتحديدا إلى معهد حمزة لفت نظري شغف الطلاب وحبهم لطلب العلم، وحرصهم على الاستفادة من أي لحظة في دراستهم لعلوم الدين.
* وماذا عن أهم ما تدرسه لهم؟
** أدرّس لهم القرآن الكريم، اللغة العربية، الفقه، الحديث، التفسير، السيرة النبوية، ،الخطابة، والتجويد، ويكون ذلك وفق جدول علمي منتظم ومتكامل.
يومى الدعوى
* كيف تقضى يومك الدعوى فى معهد حمزة بموزمبيق؟
**يومي الدعوي في معهد حمزة يبدأ من صلاة الفجر، بقراءة ورد من القرآن مع الطلاب، يعقب ذلك دروس في الفقه أو الحديث، (بحسب الجدول)، ثم فترة استراحة، ثم نستأنف بعد ذلك بدروس التجويد أو السيرة النبوية، أما بعد الظهر، فأخصص وقتا للأسئلة والمراجعة الفردية مع الطلاب، خاصة الذين يستعدون للمسابقات القرآنية أو الإجازات.
حب فطري
* وماذا عن استجابتهم وتفاعلهم؟
** ما وجدته من أهل موزمبيق عامة، والطلاب في معهد حمزة خاصة، هو تجاوب قلّ نظيره، لديهم حب فطري للدين، واحترام عميق لأهل العلم، خصوصا إذا علموا أنك من الأزهر الشريف، حين أذكر لهم أنني أزهري، تتغير ملامح وجوههم فرحا واهتماما، وكأنما يرون فيك امتدادا مباشرا للإمام الشافعي أو الشيخ الشعراوي، والطلاب هنا يحبون العلم حبا شديدا، ويطلبونه بإلحاح، تجد أحدهم لا يفهم مسألة في الفقه، فيبقى واقفا أمامك بعد الدرس، يطلب توضيحا حتى يتقنها تماما، (هم لا يملون)، ويعيدون السؤال لا من باب التكرار، بل من باب الحرص على الفهم.
العلم نور
وما هى المواد التي تدرسها لهم ومعك زملاءك؟
**: أدرس لهم الفقه على المذاهب الأربعة، والخطابة، والتجويد العملي والنظري.
من الزملاء فضيلة الشيخ محمد عمر خليفة يقوم بشرح الأربعين النووية في الحديث، وفضيلة الشيخ علي مصطفى يعلمهم اللغة العربية، وفضيلة الشيخ أحمد الطويل يعلمهم القراءات، وفضيلة الشيخ سامي قنديل يعلمهم التفسير..
الأزهر قبلة العلم
*: وماذا عن مكانة الأزهر في قلوبهم؟
**: الأزهر عندهم هو قبلة العلم، وأن أزهريا واحدا يساوي عندهم مجلسا من الفضلاء، وخير دليل على ذلك ما قاله الشيخ أمين الدين محمد رئيس المجلس الإسلامي الموزمبيقي ومستشار رئيس الجمهورية: -مصر بلد العلم والعلماء ونحن نتعلم منكم كما تعلم أهل إفريقيا قديما من رجال الأزهر- .
هم يجلون شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ويحبون الشيخ الشعراوي جدا.
المذاهب الفقهية
وماذا عن دراستهم للمذاهب الفقهية وماذا عن دورك معهم فى هذا المجال؟
**: هم يدرسون الفقه على المذاهب الأربعة، وغالبهم يتبع المذهب الحنفي، لكن عندهم رغبة قوية لفهم الخلاف الفقهي وأدب الاختلاف..
أحرص دائما على ترسيخ هذا الفهم لديهم.
مشاهير القراء
*: وهل يعرفون مشاهير دولة التلاوة المصرية ويتابعونهم؟
**: نعم.. الكثير منهم يعرفون كبار القراء ويقلدون مدرسة التلاوة المصرية خاصة القراء القدامى مثل: الشيخ عبد الباسط عبدالصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوى، والشيخ مصطفى إسماعيل، بل ويحاكون أصواتهم العذبة، وهذا يدل على عمق التأثر الثقافي والروحي بمصر، حيث نجد منهم من لديه صوت عذب وتلاوة سليمة، ومنهم من لا يزال يتعلم، لكن الجامع بينهم هو الرغبة في إتقان كتاب الله تعالى..
أحيانا أسمع طالبا يتلو بصوت تخشع له القلوب، فأشعر أن الله لم يحرمنا أجر هذا السفر والدعوة إلى دين الإسلام والحنيفية السمحة..
لغات متعددة.. ولكن
*: حدثنا عن اللغة الرسمية لموزمبيق واللغات الأخرى؟
**: اللغة الرسمية الأولى عندهم هى البرتغالية، لكن أغلب الناس يتحدثون بلهجات محلية مثل: الماكوندى والسواحيلى، ومع ذلك هناك عدد كبير من الطلاب يتقنون العربية بفضل حفظهم للقرآن الكريم وخصوصا فى المعاهد الدينية ويحبون استخدامها.
نور يتجدد
*: ماذا يعنى الدين الإسلامى فى حياة شعب موزمبيق؟
**: هو بالنسبة لهم نور يتجدد في القلوب والألسنة، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الإسلام في موزمبيق له جذور عميقة وتاريخ ضارب في القدم، فهذه البلاد الواقعة على الساحل الشرقي لإفريقيا، والتي تطل على المحيط الهندي، استقبلت الإسلام قبل مئات السنين، عن طريق الدعاة والتجار المسلمين الذين حملوا نور الرسالة المحمدية، لا بالسلاح ولا بالسلطان، بل بالخلق والأمانة وطيب المعاملة..
واليوم، وعلى الرغم من التحديات، ما يزال الإسلام في موزمبيق حيا نابضا، يدرس، ويتلى، ويحفظ، وهنا نرى مشهدا عجيبا: أطفالا وشبابا وشيوخا أعينهم تلمع بالعزيمة، وألسنتهم تلهج بآيات الذكر الحكيم، يتعلمون القرآن الكريم، ويحملون مشاعل النور في أطراف الأرض..
حب النبى والشريعة
*: حدثنا عن أبرز ملامح الحضور الإسلامي بمعهد حمزة؟
**: وجود المجلس الإسلامي الموزمبيقي متمثلا في معهد حمزة الإسلامي لتعليم علوم الشريعة بواسطة علماء وزارة الأوقاف، في هذا المعهد، يعلم الشيوخ الطلابَ القرآن الكريم حفظا وتجويدا، ويغرسون فيهم حبّ النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرحون لهم أصول الدين، من عقيدة وفقه وسيرة، بل ويعلمونهم اللغة العربية رغم أنها ليست لغتهم الأم، حبا في فهم كلام الله..
فقراء.. ولكن
وماذا عن أحوال طلاب العلم بموزمبيق ماديا ومعنويا؟
**: أغلب هؤلاء الطلاب يأتون من أسر فقيرة، ورغم أنهم يأتون من جميع أنحاء موزمبيق، إلا أنهم يقضون الساعات الطوال يكتبون ويكررون، يراجعون ويستظهرون، وكلّهم شوقٌ أن يختموا كتاب الله، ويصيروا دعاة وعلماء في بلادهم.
العلم الشرعي
وماذا عن اهتمامهم بالعلم الشرعي؟
**: العلم الشرعي لديهم هو سبيل النهضة والتجديد، ورغم ندرة الكتب والمراجع، وقلة الموارد، إلا أن الهمة التي تراها في نفوسهم تذكرك بجيل الصحابة والتابعين، يجتهدون، ويثابرون، ويرون في العلم الشرعي سبيلا لحفظ هويتهم، ووسيلة لنقل الإسلام لأجيال جديدة، في وجه تيارات التغريب والتحديات الاقتصادية..
هذه البلاد وإن كانت بعيدة لكنّها قريبة من القلب..
صدق القلوب
وختاما.. خلاصة الإسلام فى موزمبيق من وجهة نظركم؟
**: الإسلام في موزمبيق ليس مجرد أرقام أو إحصائيات، بل هو واقع حي تجسده تلك العيون اللامعة، والأيدي الصغيرة التي تمسك الألواح، والألسن التي تلهج بالقرآن، والقلوب التي تعلقت بالعلم الشرعي رغم البعد والفقر.
ومن يشهد هذا الواقع عن قرب، يعلم أن الإسلام لا يقاس بعدد المساجد فقط، بل بصدق القلوب، وثبات الهمم، وعظمة النية.