د. نظير عياد: العنف الأسري ناقوس خطر يهدد سلامة المجتمع ويستدعي مواجهة علمية ومجتمعية
د. هالة رمضان: نتطلع لتعزيز التعاون مع الإفتاء لترسيخ الاستقرار الأسري والاجتماعي
أكد المشاركون في ورشة عمل نظمها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع دار الافتاء المصرية التركيز على أهمية التكامل بين كافة العلوم فى مواجهة مشكلة العنف الأسرى، مطالبين بإنشاء مراكز نفسية متخصصة في علاج الآثار المترتبة على العنف الأسري، مع ضرورة الاهتمام بدور الخطاب الإعلامي والدراما في مواجهة العنف وخاصة مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي.
وشدد المشاركين على ضرورة توعية الآباء بالأساليب التربوية السليمة وفهم دورهم في بناء بيئة أسرية صحية، وإنشاء برامج الكشف المبكر للعنف الأسرى بالمدارس من خلال أخصائى الإرشاد النفسي.
وطالبوا بضرورة وجود قضاة متخصصين للنظر فى قضايا العنف الأسرى، مع ضرورة الاهتمام بالعنف الأسري الموجه لكبار السن، مع الاهتمام بدراسة الاعراف الاجتماعية التى قد يتسبب بعضها فى ترسيخ ظاهرة العنف الأسرى.
وكان المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قد عقد ورشة عمل تحت عنوان “العنف الأسرى فى مصر: رؤية تكاملية بين الإفتاء والعلوم الاجتماعية والجنائية “بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، وبحضور فضيلة أ.د. نظير عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
وخلال كلمته، أكد مفتي الجمهورية، أن الحديث عن العنف الأسري لم يعد مجالًا للنقاش النظري أو الطرح النخبوي، بل صار ناقوس خطر يدق بقوة في ظل ما نواجهه من تحولات اجتماعية وتحديات تربوية خطيرة، مشيرًا إلى أن هذا المصطلح الذي كان يومًا ما استثنائيًّا ونادر الاستخدام، بات اليوم شائعًا ومتداولًا على نطاق واسع، خصوصًا مع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي، ما يحتم علينا التوقف أمامه بجدية، والبحث عن أسبابه وآثاره وسبل معالجته؛ حفاظًا على الأسرة التي تُعد الحصن الأول للمجتمع، ومصدر توازنه وهويته.
وأوضح المفتي، أن الأسرة تمثّل الكتلة الصلبة في بنية المجتمعات العربية والإسلامية، فهي التي تحفظ للناس توازنهم وهويتهم في مواجهة موجات التغيير والاختراق، مؤكدًا أن الجهات التي تعمل على زعزعة استقرار المجتمعات شرقًا وغربًا، تدرك جيدًا أن المساس بالأسرة هو أول مدخل للهدم والتفكك، ومن ثم فإن قضية العنف الأسري تكتسب خطورة استثنائية، وتتطلب من الجميع أن يناقشوها بجرأة وواقعية، بعيدًا عن التحيز أو الخوف أو الإنكار.
وبيّن فضيلته أن مفهوم العنف الأسري يتناقض تمامًا مع جوهر الأسرة التي أرادتها الشرائع السماوية والمذاهب الوضعية سكنًا ودرعًا وسياجًا للأخلاق والانتماء، مشددًا على أن الدين لم يأتِ إلا لصلاح الناس في دنياهم وأخراهم، وأنه يتحتم علينا أن نبحث بعمق عن الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى هذا النوع من العنف، والتي قد ترجع إلى عوامل نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تربوية، من بينها الفهم الخاطئ والقراءة المبتورة لنصوص الدين.
وأشار د.نظير إلى أهمية الورشة وما شهدته من حضور نوعي متنوع، شمل مختصين في الشريعة والاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد والإعلام، وهو ما يعكس ضرورة تكامل هذه التخصصات وتلاقيها، مؤكدًا أننا لم نَعُد في عصرٍ تُعالَج فيه الظواهر برؤية واحدة أو منهج منفصل؛ بل بات من الضروري النظر بمنظور شامل يجمع بين الرؤية الدينية والمعالجة النفسية والاجتماعية والقانونية، من أجل تشخيص الداء ووصف العلاج على نحو علمي وواقعي.
ومن جهتها، أكدت الدكتورة هالة رمضان مديرة المركز، على أهمية تواصل الجهود لمناقشة كافة القضايا المجتمعية فى ظل عالم مليء بالمخاطر، حيث تنعقد تلك الورشة للتعرف على أسباب العنف الأسرى، فالأسرة هى الدرع الحصين للأفراد مما يعنى أنه لا مكان للفردية والعنف والشجار والمشاحنات والجريمة، والذي يمثل خطراً يفرض ضرورة فهم المشكلة من مختلف الزوايا النفسية والاجتماعية والقانونية وغيرها، بالإضافة للتعرف على دور المجتمع ومؤسساته المختلفة تجاه تلك القضية.
وأشارت إلى أن المركز من خلال نتائج الأبحاث سوف يحاول تقديم بعض التفسيرات والحلول للعنف الأسرى بهدف كسب المزيد من المعرفة حول تلك الظاهرة من خلال الرؤية البحثية الشاملة للمجتمع، مؤكدة تطلع المركز إلى تعزيز أواصر التعاون مع دار الإفتاء بما يسهم في بناء منظومة فكرية ومعرفية متكاملة تسهم في ترسيخ الاستقرار الأسري والاجتماعي.
أدار المناقشات أ.د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة ومدير مكتبة الإسكندرية، حيث أكد أن الأسرة هي اللبنة الأساسية للتكوين العمراني وهي الملاذ الأساسي للفرد، والمكان الذي تتحقق فيه المودة والرحمة والسكينة والأمان والاطمئنان، فلا يجب أن تتعرض الأسرة إلى انتشار الجرائم والعنف الأسري مما يخلق حالة من القلق لدى كل من يحرص على سلامة المجتمع، ويستدعى ذلك ضرورة فهم مدى عمق تلك الظاهرة لدى الأسرة المصرية بشكل عام؛ وذلك سعيًا لمستقبل واضح يسوده الأمن ويحقق التقدم، كما أشار سيادته إلى أهمية التداخل البيني لفهم طبيعة الظروف المتداخلة التى تؤدي إلى وقوع أشكال العنف المختلفة.
وتضمنت الورشة ورقتين علميتين الأولى قدمها د.عمرو الورداني أمين الفتوى وعضو اللجنة الاستشارية العليا للبحوث والتدريب بدار الإفتاء المصرية بعنوان “الحياة الطيبة هي المصدر الوحيد للمعرفة” نظراً لانتشار التقدم التكنولوجي مما أدى إلى اختلاف قيم الاحترام والطاعة وتحول الأبناء إلى كيانات رقمية، مشيرًا إلى معاناة الآباء من صدمة التغيرات التكنولوجية المتسارعة مما يؤدي إلى تعقد العلاقات الأسرية وتفاقم الصراعات بين أفراد الأسرة .
وعرض الدكتور وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع بالمركز الورقة الثانية بعنوان “العنف الأسري في مصر: الرؤية البحثية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية”، حيث طرح إسهامات المركز في رصد ودراسة ومواجهة قضية العنف الأسري في عدد من البحوث خلال الفترة من 2000 إلى 2025، وذلك بالاعتماد على التحليل الثانوي البسيط لبعض الإسهامات البحثية في مجال القضية محل البحث.
وتثير الورقة مجموعة من المحاور الأساسية للنقاش ومن أبرزها العنف الأسري وأشكاله الجديدة في ظل التكنولوجيا المتسارعة والتغيرات المجتمعية الراهنة، من أجل التوصل لسبل الحماية الدينية والاجتماعية والقانونية المبتكرة لمواجهة مخاطر العنف الأسرى، وفتح آفاق للتعاون مع معظم مؤسسات الدولة لتوظيف نتائج البحوث في خدمة قضايا الوطن.