بقلم: فضيلة الدكتور عبدالحميد متولي
رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام – البرازيل
في التاريخ محطات فاصلة تُعيد تشكيل ملامح الأوطان، وتُحدث تحولًا جوهريًا في مصير الشعوب. ومن هذه المحطات المضيئة، جاءت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، لتكون تجسيدًا لإرادة شعبٍ رفض الانكسار، وقرر استعادة هويته ومكانته الحضارية.
لم تكن تلك الثورة مجرد احتجاجات، بل كانت نداءً جماعيًا من ملايين المصريين لإنقاذ دولتهم من السقوط، واسترداد روحها الوطنية التي كادت أن تُغتال باسم الديمقراطية الزائفة والمشاريع الوهمية.
أولًا: في الداخل المصري – إنقاذ وهوية ونهضة
لقد أنقذت ثورة 30 يونيو مصر من مصيرٍ كان سيؤدي إلى تقسيم الدولة، وتفتيت مؤسساتها، وتسليم مفاتيحها إلى فئة متطرفة لا تؤمن بالدولة الوطنية، ولا بالديمقراطية الحقيقية. ومِن أبرز ما حققته داخليًا:
- استعادة الدولة لمكانتها وهيبتها: عادت مؤسسات الدولة تعمل بتناغم وانضباط بعد أن كانت رهينة التجاذبات الحزبية والأيديولوجية الضيقة.
- محاربة الإرهاب والتطرف: أطلقت الدولة المصرية، بدعم شعبي واسع، معركة شاملة ضد الإرهاب، وأثبتت أنها قادرة على دحر قوى الظلام وإعادة الأمن والاستقرار.
- تحقيق قفزات تنموية ضخمة: انطلقت مشروعات قومية غير مسبوقة، في البنية التحتية، والطاقة، والإسكان، والتعليم، والصحة، والرقمنة، لتضع مصر على طريق التنمية الحقيقية.
- ترسيخ مفهوم المواطنة: أعادت الثورة التأكيد على أن مصر لكل المصريين، دون تمييز ديني أو طائفي، رافضةً خلط الدين بالسياسة.
ثانيًا: على الساحة الخارجية – استعادة الدور المصري الرائد
ما بعد 30 يونيو لم يكن مجرد إصلاح داخلي، بل انطلقت مصر من جديد إلى العالم، حاملةً رؤية واضحة، وسياسة خارجية متوازنة، من أبرز معالمها:
- استقلال القرار الوطني: أصبحت مصر تتخذ مواقفها من منطلق مصلحة الأمة، لا تبعية فيها ولا إملاءات من قوى خارجية.
- دعم قضايا المنطقة: دعمت مصر وحدة ليبيا، ورفضت التدخلات في سوريا، وسعت لحل القضية الفلسطينية، وأكدت على الأمن العربي المشترك، خاصة في الخليج واليمن.
- الحضور الدولي القوي: استعادت مصر دورها في القارة الإفريقية، وقادت ملفات هامة في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
- نشر خطاب الاعتدال والسلام: حملت مصر رسالة الوسطية والتسامح، من خلال مؤسساتها الدينية كالأزهر الشريف ودار الإفتاء، وأطلقت مبادرات لمحاربة الكراهية والتطرف حول العالم.
ختاما أقول:
إن ثورة 30 يونيو ليست مجرد ذكرى تمر علينا كل عام، بل هي روح متجددة، تعلّمنا منها أن الأوطان لا تُهدى، بل تُصان بالوعي والإرادة والعمل. لقد أعادت تلك الثورة رسم مستقبل مصر، ليس فقط في الداخل، بل جعلتها نموذجًا يُحتذى في الدفاع عن الدولة الوطنية في زمن التفكك والاضطراب.
رحم الله من ضحّى، وبارك الله في من حافظ، ووفق مصر وشعبها إلى ما فيه الخير والسلام.