بقلم الدكتورة: مروة محمد مصطفى
اجتمعت قريش في دار الندوة، وعقدوا العزم على أذية رسول الله ﷺ، ورصدوا أموالهم في سبيل القضاء عليه، ورغم ذلك لم يعرف الخوفُ أو اليأسُ طريقًا إلى قلب النبي ﷺ، فلقد كان واثقًا من نصر الله، لكنه لم يتواكل، بل أخذ بالأسباب وأعد خطة محكمة ثم نفذها بكل سرية وإتقان، قال الله تعالى: ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:40].
وفي الطريق كان أبو بكر يمشي أمام رسول الله ﷺ، ويمشي خلفه، ثم يمشي عن يمينه، ثم عن يساره، كل ذلك وهو كثير الإلتفات خوفًا على رسول الله ﷺ يود لو كان ضرر أصابه هو وسَلِمَ رسول الله ﷺ، أما رسول الله فثقته وطمأنينته بالله لم تفارقه، جعل يمشي ينظر تلقاء وجهه، لا يلتفت، يقرأ القرآن، ويدعو الله عزَّ وجلَّ.
وفي الغار لم يزل أبو بكر رضي الله عنه يخشى على رسول الله ﷺ من أذى قريش، وحين تأزمت الأمور، وحضرت قريش بأكابر مجرميها، حتى وصلت إلى الغار الذي يوجد فيه رسول الله ﷺ وأبو بكر، يقول سيدنا أبو بكر: قُلتُ للنَّبيِّ ﷺ وأنا في الغار: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فقال: “ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟!” متفق عليه.
ومن هنا علَّمتنا الهجرة، حُسْن التوكل على الله، واليقين في وعده سبحانه، بالإضافة إلى صدق الصُّحبة، حب الأوطان، والتفاني في تبليغ دعوة الحق، فكانت هجرة الرسول ﷺ من مكة أحبّ البلاد إلى الله إلى يثرب أنذاك (المدينة المنورة)، هجرة شملت الديار، والأموال، والذكريات، إلى بلدٍ وحياةٍ مختلفة يعلم الجميع أنها ستكون شاقَّةً؛ استعدادًا لبناءِ أعظمِ دولةٍ في تاريخ البشريَّةِ، فلو أن الله معك من ذا الذي يكون عليك؟!.
ولقد عظَّم اللهُ أجرَ المهاجرينَ؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [الحج:58ــ 59].. والمسلمُ يستطيع أن يكون مهاجرًا إلى الله سبحانه بترك السيئات وهجران المعاصي والمنكرات، يقول رسول الله ﷺ: “وَالمهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ” رواه البخاري.