عُبِّرَ عن تقوى الله بأنها اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه في كل قول وفعل يقوم به الإنسان، ويبدو المعنى بسيطا ويسيرا، ويبدو كذلك المتّقي كإنسان عادي بل قد يراه البعض ضعيفاً فهو لا يرفع صوته ولا يصارع لتحقيق منافع ولا يهابه أحدٌ، ولكن الواقع أن ذلك المتقي هو أقوى الخلْق لأنه استطاع أن يلزم نفسه تقوى الله، استطاع ان يتغلب على هواها ورغباتها وتمكَّن منها فسيَّرها بما يرضي ربَّها “الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ”.
فنجد قول النبي- صلى الله عليه وسلم- يصف ذلك الذي نراه يملأ الدنيا كبرياءً وعزّة ومكانة بالعاجز فقد أدار حياته بمعزل عن أوامر الله بل انطلق يحقق منافع دنيوية يغبطه عليها الناس، والحق أنه منهزم في امتحانه اليومي هزيمة نكْراء، ففي كل يوم يواجه المؤمن صراعا بين القيم والمباديء وبين منفعة يريد تحقيقها، فمنّا من يحسبها حِسْبَة دنيا فيؤْثِر المال والمنصب والمكانة وإن كلّفه ذلك التنازل عن قيم معتبَرَة، ويُعد هذا منهزما أمام نفسه فلا يستطيع الانتصار على نَمْلة.
ومنّا من يقيس كل قول وفعل بمقياس الآخرة فيقْبَل ما يرضي الله ويرفض ما دون ذلك، وهؤلاء هم المفلحون، فالفلاح هو النجاح الدنيوي الأخروي والذي يأتي كالحصاد بعد جهد الزرع والحرث، فعندما أرى من ترَك الراحة ليقيم عباداته وترك الظلم خشية غضب الله وأتقن عمله ليرضى عنه ربُّه وأمِن الناس من شرِّه وسارع في الخيرات لينفع عباد الله، أجده في عيناي إنسانا قويا متوازنا مدركا لحقيقة الحياة وقيمة الآخرة، فأُجِلَّه وأوَقِّرَه. “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ”.