في عالم تتسارع فيه وتيرة النزاعات، وتتزايد فيه التحديات على المستويين الإنساني والدولي، تبدو الحاجة إلى قراءة أكثر عمقًا للواقع، وإلى خطاب يتجاوز التهويل والتبسيط، متجهًا نحو الرجاء الفاعل لا الرجاء المتوهم، ونحو الإيمان المسؤول لا الانعزال الروحي.
لقد أصبحت العواصف التي نواجهها– سياسيًّا، واقتصاديًّا، وأخلاقيًّا– لا تعرف حدودًا. فالأزمات باتت كونية التأثير، تتجاوز الجغرافيا والسياسة، لتنعكس على الفرد والمجتمع في كل مكان. ومعها، تنتشر انطباعات خادعة توحي بانسداد الأفق واستحالة التغيير، مما يرسّخ ثقافة الخوف والانكماش والانعزال.
غير أن الإيمان الحقيقي لا يعرف الهروب، بل يدفعنا للمواجهة. والإبحار وسط العاصفة لا يتم بالشعارات، بل بالوعي، وبالإرادة المجتمعية، وبالمثابرة المبنية على قيم العدل والرحمة. ونحن كمؤمنين وفاعلين في المجال العام، مدعوون لا إلى رثاء الواقع، بل إلى تغييره.
أولًا، إن الرجاء ليس بديلًا عن العمل، بل هو وقوده. الرجاء الذي نتحدث عنه ليس انتظارًا سلبيًّا، بل هو فعل إيجابي نابع من الثقة في وعد الله، ومترجم إلى مسؤولية تجاه واقعنا. فمواجهة العاصفة تبدأ من الداخل، من ثبات القلب وسط رياح القلق، ومن تمسك العقل بمبادئ الوضوح والعدل.
ثانيًا، السلام لا يُمنح، بل يُصنع. ومثلما أن الحروب نتاج قرارات وخيارات بشرية، فإن السلام كذلك فعلٌ واعٍ نُسهم فيه جميعًا. ويتطلب ذلك إعادة الاعتبار للحوار، وللدبلوماسية الشعبية، وللجسور التي تربط بين الشعوب والثقافات، لا للجدران التي تعزلها.
ثالثًا، لا تنمية بلا عدالة، ولا استقرار دون شراكة حقيقية. فغياب العدالة، وتهميش الفئات المستضعفة، وغياب تكافؤ الفرص، تُعد عوامل مؤججة للصراع. أما التعليم، والصحة، وبناء الإنسان، فهي استثمارات استراتيجية في مستقبل أكثر سلامًا.
رابعًا، الخطاب أهم من السلاح. فالكلمات تُلهب النزاعات كما يمكن أن تُخمدها. لذلك فإن مواجهة خطاب الكراهية، والتطرف، والعنصرية، لم تعد ترفًا، بل أولوية قصوى. نحن بحاجة إلى إعلام مسؤول، وتعليم يُكرّس قيم الاحترام، ومؤسسات دينية تبني لا تهدم.
خامسًا، إن احترام كرامة الإنسان هو حجر الزاوية في صيانة المجتمعات. فكلما تعززت حقوق الإنسان، كانت المجتمعات أكثر قدرة على الصمود، وأقل عرضة للانفجار.
وفي خضم كل هذه التحديات، نشكر الله من أعماق قلوبنا على وطننا العزيز مصر، الذي، رغم تعقيدات الإقليم، ينعم بقدر من السلام والاستقرار. سلام لم يأتِ صدفة، بل هو ثمرة وعي وطني، ومسؤولية جماعية، وحكمة في إدارة الأزمات.
ختامًا، إن عبور العواصف لا يتطلب فقط قادة شجعان، بل شعوبًا تؤمن، وتبني، وتثابر. إننا مطالبون بأن ننتقل من الخوف إلى الرجاء، ومن السكون إلى الحركة، ومن الترقب إلى الفعل.
لأننا نؤمن أن السلام ليس حلمًا مثاليًّا، بل هدف واقعي يبدأ من القلب، وينعكس على العالم.