شخص واحد يتفوَّه ببعض كلمات ظالمة قد تهدم إنسانا بالكلية وتغير مجرى حياته، كلمات جارحة قد تصيب شخصا ببعض الأمراض والضغوط العصبية التى قد تورده مورد التهلكة، ألفاظ نابية وأوصاف لا تليق قد تجعل المظلوم يدعو عليك بما لا تُحمد عقباه، لذا وجب على كل مخطيء فى حق الآخرين أن يعتذر وكما شهَّر بإنسان على الملأ واتهمه زورا وبهتانا ،وجب عليه عندما تصله الحقيقة أن يعتذر له على الملأ ويرد له اعتباره حتى لا يحاسبه الله تعالى، فالاعتذار كلمة رائعة لها سر عميق وتأثير ساحر على القلوب وجب على كل منا أن يتحلى بها ويجعلها منهج حياته، ودعنى أسألك: لمن تقولها أيضا؟ هل ستقول عفوا يا أبى لأنى أرهقتك ماديا ومعنويا وحمَّلتك فوق طاقتك بأشياء لم أكن بحاجة إليها وجعلتك تتعب وتكد فى الحياة كى ترضى أحلامى وغرورى؟ أم ستقول: عفوا يا أمى فقد صبرتى على رعونتى كثيرا وتحمّلتى من أجل إسعادى فوق طاقتك على الرغم من صوتى العالى وإنفعالى السريع المبالَغ فيه دون داع؟ أم لك أخت ظلمتها فى ميراثها وأخذت حقها وتريد أن تقول لها: الآن عفوا يا أختاه لقد أعمتنى زخارف الدنيا وأكلت أموالك بالباطل؟ أم صديق قد ائتمنك على سرّه فلم تحافظ عليه وتريد الآن أن تعتذر منه؟ أم صاحب عمل لم تكن أمينا عليه وأتلفت أمواله؟
من تريد أن تقول له: ظلمتك وسأقف فى موقف عظيم لتقتص منى؟! أنا أقول لك ما يريح قلبك وينقّى روحك: لقد حان وقت الاعتذار من الله، لقد حان وقت الوقوف بين يديه الآن تناجيه وتناديه فتقول له: عذرا يا الله عما قدمت. عفوا ياربى مما فعلت، فالاعتذار عند الله مقبول وطريق العودة مفتوح شريطة أن ترجع الحقوق لأصحابها، أتسمع جيدا؟ انتبه وأرجع الحقوق لأصحابها أولا ثم اعتذر إلى الله بعدها وتعاهده أن تعود إلى رحابه وتظل دائما على بابه تطرقه بالندم والاستغفار وبالدموع والاعتذار، وإذا كان هذا هو حالك دائما، حال العبد النادم الراجع إلى سيده ومولاه، فلتعلم أن بابه سبحانه مفتوح وينتظر منك العودة إليه فى كل وقت وحين، ولكنك يا مسكين غافل عنه فى دنيا غرورة أخذتك وجعلتك تلهث وراءها وتترك الآخرة التى سوف تجنى فيها حصاد ما زرعت وما قدمت، هذه الآخرة لن تجد فيها إلا أعمالك التى أحصاها الله عليك فإن كانت خيرا فقد فُزت وربِّ الكعبة وإن كانت شرًّا زيّنها لك الشيطان فوالله قد خسرت، فلا تلهثوا وراء ملذات العيش تائهين فى دوامة الحياة وتؤجّلوا الرجوع إلى الحق يوما بعد يوم حتى يفاجئكم الموت الذى بات يحصد الصغير قبل الكبير! لكن الامل موجود فالله تعالى فتح لنا بابآ آخر غير التوبة وهو باب الحسنات ننهل منه إذا أردنا ان نصلح ما أفسدنا وجعل هذا الباب ماحيا لخطايانا شرط أن نرد الحقوق لأصحابها فقال سبحانه: (إن الحسنات يذهبن السيّئات) لذا أدعوكم إلى البحث عن طريق الحسنات فأكثروا من الاستغفار، واطلبوا العفو والسماح من الله الذى قال (غافر الذنب وقابل التوب) فإذا استغفرت يا عبد الله وأرجعت الحقوق إلى أصحابها فإن الله قادر على أن ينزع من بينكم الخصومة ويصلح ذات بينكم ويؤلّف بين قلوبكم، والآن، ألم يحن الوقت أن تقولوا: عذرا لمن ظلمناكم، والآن نعود إلى رحابك يا الله ونطرق الباب فلا تردَّنا خائبين ولا عن بابك مطرودين ولا من رحمتك آيسين فأنت سبحانك أرحم الراحمين.