بقلم: محمد الأبنودي
ثماني سنوات مضت كلمح البصر، لكنها حملت من الذكريات والدروس والتحديات ما لا يمكن حصره في سطور. واليوم، وأنا أكتب كلمتي الأخيرة كرئيس لتحرير جريدة “عقيدتي”، أشعر بمزيج من مشاعر الاعتزاز، والامتنان، والحنين، الممزوج بالأمل، تمامًا كما يشعر الأب حين يسلّم ابنه إلى طريق جديد في الحياة.
حين توليت رئاسة تحرير “عقيدتي” وانا أحد أبنائها منذ نشأتها عام ١٩٩٢وحتي الآن .. لم يكن التحدي سهلاً، فالجريدة التي انطلقت لتكون منبرًا للدعوة الوسطية والفكر الديني المستنير كانت تحمل على عاتقها مسؤولية ثقيلة، خاصة في ظل ما كانت تمر به البلاد من أحداث سياسية وفكرية، وما كان يعتري الساحة من محاولات التشكيك والتشويه والتطرف. كان الهدف واضحًا منذ اللحظة الأولى: أن تظل “عقيدتي” صوتًا للعقل، منبرًا للوعي، وملاذًا لكل من يبحث عن الدين الصحيح بلا غلو ولا تفريط.
خلال هذه السنوات التي توليت فيها مسؤولية رئاسة التحرير، لم انس توجيهات ودروس استاذي السيد عبد الرؤوف بألا نكون مجرد ناقلين للأخبار الدينية أو مفسرين للنصوص فحسب، بل نسعى دائما لأن نكون شركاء في صناعة الوعي، في تفكيك خطاب الكراهية، وفي تقديم الإسلام في صورته الحقيقية: دين الرحمة، والعلم، والعمل، والتسامح. علي دربه نشأت. وبخطواته تلمست.
توليت رئاسة التحرير وظروف البلاد ليست علي ما يرام، واجهنا مع فريق العمل تحديات كبيرة، على رأسها سرعة التغير الإعلامي، والتحول الرقمي، وضعف الإقبال العام على الصحافة الورقية، ولكننا – بعون الله – تمكّنا من الحفاظ على اسم “عقيدتي” بين الكبار، ونجحنا في تطوير محتواها لتلبي تطلعات القارئ المعاصر، من خلال فتح ملفات جريئة، وتقديم تحقيقات صحفية ميدانية، واستضافة كبار العلماء والمفكرين، وفتح نوافذ حوارية مع الشباب والمرأة والمجتمع المدني.
أشعر بفخر خاص تجاه الملفات التي تناولنا فيها قضايا الوطن من منظور ديني واجتماعي، ناقشنا الشائعات، والتكافل، والعنف الأسري، وخطر الغلو، والتطرف، واجهنا الارهاب، كنا يد بيد مع الوطن، وقمنا بدورنا المهني والوطني على أكمل وجه. كما لا أنسى لحظات التواصل الحي مع القراء، تلك الرسائل والمكالمات التي كانت تصلنا من قرى ونجوع ومدن، تؤكد لنا أننا نؤثر، وأن لكلمتنا صدى.
لم يكن هذا النجاح ليتحقق لولا فريق العمل الرائع الذي رافقني في هذه الرحلة. زملاء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واجتهدوا في صمت، وقدموا من وقتهم وجهدهم وإخلاصهم ما يفوق الوصف. كل فرد في هيئة التحرير، من المحررين الشباب إلى المحررين المخضرمين، ومن الزملاء في الإخراج والتجهيزات الفنية، وحتى العاملين في التوزيع والطباعة.. أنتم البناة الحقيقيون لهذا الصرح الشامخ.
وأخص بالشكر المؤسسة الأم، مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر، التي وفرت لنا المناخ والدعم رغم كل التحديات والمصاعب، ووقفت معنا في كل خطوة، وأتوجه أيضًا بالشكر إلى الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبد الصادق الشوربجي، على متابعتهم ودعمهم المستمر.
اليوم، أُسلّم الراية إلى من سيواصل المسيرة. أثق تمامًا في قدرة الزميل الفاضل مصطفي ياسين- الذي سيتولى رئاسة التحرير بعدي وفريق العمل معه، وأدعو الله أن يوفقه، فهو لا يبدأ من فراغ، بل يستلم تركة غنية بالتجارب والعطاء، ومؤسسة عريقة لها قراؤها، ومبادئها، ووزنها المهني والديني.
الصحافة ليست وظيفة، بل رسالة. ورئاسة التحرير ليست مجرد لقب، بل مسؤولية، وقد حاولت أن أؤدي هذه الأمانة بما استطعت بكل إخلاص وتفان والله علي ما اقول شهيد.
وإذا كان لي أن أترك وصية واحدة، فهي أن تظل “عقيدتي” وفيةً لرسالتها: لا تساوم ولا تهادن في الحق، ولا تخلط بين الدين والسياسة، ولا تستبدل التنوير بالاستقطاب.
في الختام، أتوجه بالشكر لكل من دعمني، وساندني، وانتقدني بصدق، فأنتم جزء من هذه الرحلة. كما أستميح كل من قصّرت في حقه عذرًا، وكل من أساء فهم موقفي أو كلمتي، فما أنا إلا بشر يجتهد ويصيب ويخطئ.
أغادر الكرسي، لكن قلبي سيبقى دائمًا مع “عقيدتي”، ومع كل كلمة تُكتب فيها لله، ومن أجل الوطن.
…….
وختاما :
قال تعالي
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ” صدق الله العظيم .
الزلزلة ٧،٨