يجمع عبق الماضى والطراز المعمارى وروحانية المكان
حوار- محمد الساعاتى:
يعدُّ مسجد سادات قريش بمدينة بلبيس، بمحافظة الشرقية، أول مسجد يتم بناؤه فى قارة إفريقيا ومصر بعد الفتح الإسلامى لها، وسمِّى بهذا الاسم تكريما لصحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذين استُشهدوا فى معركتهم ضد الرومان عند فتحهم لمصر، ويتميّز المسجد بأنه يجمع بين عبق الماضى وقِدَم الطراز المعمارى وروحانية المكان الذى يقصده أهالى بلبيس للصلاة فيه على مدار العام.
“عقيدتى” التقت الشيخ هانى حسين الزعبلاوى- إمام وخطيب المسجد- وأجرت معه الحوار التالى.
* حدثنا عن المسجد وما الفرق بينه وبين مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة؟
** يُعدُّ مسجد سادات قريش هو أول مسجد أُقيم في قارة إفريقيا بعد دخول الإسلام إلى مصر.
وقد شُيّد في عهد عمرو بن العاص عام 18هـ (639م)، أي بعد الفتح الإسلامي مباشرة.
والفرق بينه ومسجد عمرو بن العاص يوضِّح تاريخيا أن “سادات قريش” أُنشئ عام ١٨هـ، أى قبل مسجد عمرو بن العاص بعامين، والتاريخ مدوَّن بالمسجد.
وكان المسلمون قد أتوا إلى مصر وعلى رأسهم سيدنا عمرو بن العاص- رضى الله عنه- من جهة الشرق، وكانت بلبيس هى البوابة الشرقية للدخول إلى مصر، وكان الحكم الرومانى موجودا، حتى أن بعض الأقاويل: إن مسجد سادات قريش أنشئ على أثر قصر الحاكم الرومانى، ويتكوّن المسجد من ٨ أعمدة رخامية، و١٨ عامودا رخاميا وسط المسجد، و٢ فى المحراب، وهذا المحراب تضبط عليه أى قِبْلة فى كل الأماكن.
تسمية المسجد
* وما سبب تسميته بـ”سادات قريش”؟
** سمِّى بهذا الإسم نسبة إلى السادة من بني قريش الذين نزلوا بالمنطقة وأُقيم لهم هذا المسجد.
* وماذا عن الأهمية الدينية والتاريخية؟ ومن أشهر المصلّين فيه؟
** يكفينا أن نقول: صلَّى فيه عمرو بن العاص أثناء فتوحاته، حيث يُعد من أوائل المنارات التي شعَّ منها نور الإسلام إلى أنحاء إفريقيا وشهد العديد من الفتوحات والمناسبات الدينية على مر العصور.
أعرق المساجد
* وما الذي تودُّ أن يعرفه الناس عن هذا المسجد؟
** يعد “سادات قريش” أعرق مسجد على أرض مصر؟ فمنذ عام ١٨هـ وهو ما زال يقف شاهدا على أولى خطوات الإسلام في إفريقيا. فهنا صلَّى الصحابة، وانطلقت الفتوحات، ولا يزال النور يشع.
عَبَق الصحابة
* وما هي نوعية زوَّار المسجد؟
** لأنه يعدُّ جزءا من التاريخ، لذا يأتى لزيارته الآلاف من مسلمى العالم، وخاصة من الطلبة الوافدين الذين يتعلّمون بالأزهر، الجميع يتسابقون من أجل أن يتنفَّسوا عَبَق التاريخ والصحابة.
وقيل: تم دفن أربعين صحابيا و٢١٠ من التابعين بجوار المسجد، وقيل: دفنوا تحت المسجد.
وسمّى المسجد بهذا الاسم تكريما لصحابة رسول الله الذين استُشهدوا فى معركتهم ضد الرومان عند فتحهم لمصر.
ويقصد المسجد الآلاف للاستمتاع بالفن الإسلامى والمُقَرْصَنَات والتّحف الإسلامية نادرة الوجود.
كما يقصده أهالى مركز بلبيس الذين يتباهون ويتفاخرون بأن مدينتهم بها أقدم مسجد فى قارة إفريقيا.
محراب مسجد الرسول
* اذكر لنا أهم ما يسعدك فى المسجد؟
** أهم ما يسعدنى أنه مدفون فيه ٤٠ صحابيا، ومن المعلوم فى تعريف الصحابة أنه قد رأى رسول الله رأى العين.
الأمر الثانى: أن محراب المسجد قريب الشَبَه بمحراب مسجد سيدنا رسول الله فى المدينة المنورة، بذات الشكل والتصميم، من الناحية الدينية، والمسجد له طقوس خاصة، حيث أعدّت مديرية أوقاف الشرقية، بإشراف د. محمد إبراهيم حامد- وكيل الوزارة- خطة لتقديم دروس العلم ومقارئ القرآن الكريم وتهيئة أجواء التعبُّد طوال أيام العام، وفي الشهر الكريم (رمضان المعظم) على الوجه الأكمل خاصة.
أهم المعالم
* هل كان للمسجد اسم آخر؟ وماذا عن زيارات المسئولين؟ وهل يخضع للآثار مثلما هو تابع للإشراف من قبل الأوقاف؟
** المسجد خاضع لهيئة الآثار والتراث، وزيارات المسئولين لا تتوقف، لكونه من المساجد الأثرية الهامة على أرض الشرقية، ويعتبر من أهم المعالم الإسلامية البارزة، كما يعد من أقدم المساجد فى مصر.
وكان المسجد يسمَّى (الشهداء) نسبة لشهداء معركة بلبيس فى الفتح الإسلامى، فعندما أتت السيدة زينب- رضى الله عنها، بنت الإمام على كرَّم الله وجهه- ومعها عدد من آل البيت والصحابة الناجين من معركة كربلاء، استقبلها والى بلبيس 61هـ، وأقامت فى المسجد شهرا لكى تُمّرِّض قائد الرَكْب لها “الأمير مدين”، الذى مرض وتوفّي ودُفن فى أرض بلبيس.
نوافذ زجاجية
* ما هي مساحة المسجد؟
** تبلغ مساحته نحو ثلاثة آلاف متر مربع، والمسجد مستطيل من الداخل مقسَّم أربعة أروقة موازية لجدار القِبْلة ومقسّمة ثلاث صفوف من الباكيات، كل باكية مكوّنة من ستة عقود محمولة على أعمدة ذات تيجان مختلفة الشكل، وللمسجد ثلاث واجهات رئيسية: الشمالية والشرقية بها كتلة المدخل.
وتم تجديد بناء المسجد فى نهاية العهد العثمانى على يد الأمير أحمد الكاشف- أمير مصر السابق- والذى أنشأ مئذنة المسجد، فيما يضم المسجد بعض المعالم الفرعونية الموجودة غرب المسجد على هيئة نوافذ زجاجية وسقف خشبى، ورغم تواجده فى المركز الخامس عشر للمساجد الأشهر على مستوى العالم، إلا أن آخر ترميم للمسجد تم فى عهد الخليفة المأمون، بالعصر العباسى.
ورغم ذلك فالمسجد بحق هو محط أنظار العالم، حيث يقصده الآلاف من داخل مصر وخارجها، ومن الباحثين المشتغلين فى الآثار والفنّانين والممثّلين وغيرهم.