حرص الإسلام على صيانة النفس البشرية وحمايتها من كل ما يُفسدها أو يضُرَّها، وجاءت أحكام الإسلام رحمة بالناس لا عبئًا عليهم، ومن ذلك أنه حرّم كل ما يؤدي إلى الإهلاك والتدمير، سواء للبَدَن أو العقل أو المال، وجعل الإسلام حفظ النفس والعقل والمال من مقاصد الإسلام الكبرى، ولذلك جاء تحريم الخمْر والمخدّرات والدُّخان وغيرها لأنها تُفسد العقل، وتُنْهِك الجسد، وتُهدر المال، وتوقِع الإنسان في دائرة العبودية لعادات مُهْلِكَة، فكلّ ما يضرّ الإنسان محرّم، وكل ما يحفظه نِعمة يجب أن تُشكر.
والحشيش حرامٌ كحُرْمة الخمْر سواء بسواء، لا فرق بينهما في الحكم الشرعي، فكل منهما يُذهِب العقل، ويوقِع الإنسان في التبلُّد الذهني والانحراف السلوكي، ويدمِّر الصّحّة والنفس والمال، والادّعاء بحِلِّه ليس مجرّد خطأ عابر، بل هو خطأ فادح، وتضليل واضح للناس، يُلبِس الباطل ثوبَ الحق، ويدُسُّ السُّمَّ في العسَل.
وإن خطورة هذا الادّعاء تتضاعف إذا صدر عن شخصيات عامّة أو أكاديمية أو من يُظَنُّ بهم التأثير في الرأي العام، إذ إن في ذلك فتحًا لأبواب الفساد والانحراف، وتشجيعًا غير مباشر على التهاون في تعاطي السموم المدمِّرة، وبخاصة بين فئة الشباب، لذا وجب التحذير الشديد، والتنبيه الحازم، من التهاون في هذا الباب أو محاولة تسويغ تعاطيه بأيّ صورة من الصور، تحت أي ذريعة أو تبرير.
ولن أطيل في هذا المقام بذكر تفاصيل الحكم الشرعي المستقِرّ، إذ إن علماء الأمّة المُعتبرين قد سطّروا فيه ما يكفي ويشفي، ومن أبرز هؤلاء الإمام بدر الدين الزركشي، الذي ألَّف كتابه النفيس (زهر العريش في تحريم الحشيش)، وهو كتاب مطبوع مشهور بين العلماء وطلبة العلم، وكذلك العلامة السيد عبدالله بن الصدِّيق الغماري، في كتابه القيم (واضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش في القرآن)، وهو كتاب نافع طُبع مرارًا وتكرارًا، وفي أقوال هؤلاء وأمثالهم ما يغني عن كل جدل، ويقطع كلّ شكٍّ، ويؤكد بما لا يدع مجالًا للَّبْسِ أن الحشيش حرام، كتحريم الخمْر، نصًّا ومعنًى، عقلًا ونقلًا فِهمًا واستنباطًا.
وإن الاستسهال في تعاطي الحشيش أو الترويج لتحليله هو جريمة شرعية وأخلاقية ومجتمعية، وأن الإثم يتضاعف إذا كان المُتعاطِي ممن يقود مركبة أو وسيلة نقل عام، لما في ذلك من تعريض لحياته وحياة الناس للخطر، لأنه حينئذ لا يرتكب مُحرّمًا فقط، بل يُعرِّض أرواحًا بريئة للفناء، وإثم ذلك عند الله عظيم.
ومن هنا تأتي ضرورة تحصين الوعي العام، والرجوع إلى أهل العلم الثقات في فهم الأحكام، وتحمُّل المسئولية الوطنية والشرعية في التصدّي لكل ما من شأنه أن يُضلَّل الناس أو يُشجِّع على الانحراف، وتصحيح مفاهيم كل ذلك من واجب الوقت، ولأجل هذا انطلقت في وزارة الأوقاف حملة وطنية قومية كُبرى عنوانها: (صحِّح مفاهيمك)، برعاية ودعم من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي– حفظه الله-، وتضامُن وتضافُر من كلّ مؤسّسات الدولة المعنيّة، من أجل تصحيح كافّة المفاهيم المغلوطة.