مصر بتاريخها العريق وعلمائها الأجلاء ومؤسساتها الراسخة.. منارة للإسلام الوسطي المستنير
سَعِدَت “عقيدتى” هذا الأسبوع بعَقْدِ لقاءَيْن من أمتَع وأروع اللقاءات التى تفيضُ روحانيةً وصفاءً ونقاءً، ولِمَا لا وقد تَمَّا مع قامَتَين عظيمتين من قامَات العِلْم والدِّيْن فى العالم الإسلامى أجمع.
فقد أكرَمَنى المولَى سبحانه وتعالى بلقاء فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب- شيخ الأزهر الشريف– القيمة والقامَة، الذى لم ألتَقْه منذ أكثر من 20 عاما، حين كنت مندوبا لـ”عقيدتى” فى دار الإفتاء ألتقيه بصفة دورية، وعندما انتقل لرئاسة جامعة الأزهر قلَّت اللقاءات، وبعد تولِّيه مشيخة الأزهر لم ألتقه سوى مرّتين فقط، وكانت هذه هى المرّة الثالثة، ومع ذلك فهو فى القلب قبل العين، بِسَمْتِه المعهود، وصوْته الرخيم، وإطلالته البَهيَّة الوقُورة، ومَشْيَتِه المَهِيْبَة.
مهموم بقضايا الأمَّة ومشكلات المسلمين، تراه مُنْكَبًّا على كُتُبِه، مُنْغَمِسًا فى مطالَعاته الفكرية والعَقَدِيَّة.
بمجرد أن دَلَفْتُ إلى مكتبه- بصحبة الزميل العزيز عبدالهادي عباس، رئيس تحرير جريدة “اللواء الإسلامي”- أخذنى بـ”الحُضْنِ” وردَّد (فكَّرْتَنى بالماضى).
جلسنا بعد استقبال حارٍ من د. أحمد بركات، وأ. أحمد مصطفى، تناقشنا فى العديد من القضايا والملَفَّات الخاصّة بالدعوة والصحافة الدينية، وسُبُل التعاون والتنسيق فيما بين المؤسّسة الدينية الأولى فى مصر بل العالم الإسلامى كلّه، وبين “عقيدتى”، وفتحنا كثيرًا من أشكال وصور التعاون، الذى سيُؤتي ثماره- إن شاء الله- فى الأيام المُقبلة، خدمة للدعوة والوطن، بما يُرسّخ المفاهيم الصحيحة والقيم المشتركة لجميع المواطنين، ويُفَنَّد الأكاذيب والشائعات التى يروِّج لها أعداء الدين والوطن.
لقاء العلَّامة
سبق هذا، لقاء روحاني آخر-ونسَّقت اللقاء زميلتى إسراء طلعت مع د. أسامة رسلان، المتحدث الرسمى باسم وزارة الأوقاف- مع والزميل محمود الجلاد، الضِلْع الثانى ورأس المؤسسة الدينية الثانية، المنوط بها الدعوة والدعاة وتجديد الخطاب الدينى، ألا وهى وزارة الأوقاف، والتي يأتى على رأسها حاليًا، علَّامة فهَّامة لا يُشَقُّ له غبار فى العلوم الدينية والدنيوية، وهو الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري.
استبشرنا به خيرًا، لما يمتاز به من عِلْمٍ وصلاح وتقوى، فى مرحلة صعبة تمُرُّ بها الأُمَّة المصرية بل العربية والإسلامية جمعاء، من تفكُّك وتشرذُمٍ، وتكالُبِ أعدائها على جميع أطرافها، ما يستوجب إعادة ترتيب البيت من الداخل، وتقوية بنيانه وجدرانه، للتحصُّن ضد المخطّطات والمؤامرات التي تستهدف هدْمه والقضاء عليه.
ومن حُسْنِ الطالِع، بل من فضل الله على مصرنا الحبيبة المحروسة بعينه ورعايته، أن تجتمع هاتان القامتان، فى عهد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي يولِى الملفَ الدينى، وتحديدًا تجديد الخطاب الدينى، اهتماما كبيرا وأولوية قُصوى، ولا شك أن رأس المؤسسة الدينية ممثّلة في الأزهر الشريف، وبجانبه وزارة الأوقاف، تقع عليهما المسئولية الأكبر فى هذ الشأن، وتحقيق الرؤية الاستراتيجية للدولة المصرية فى مرحلة بناء “الجمهورية الجديدة”.
عصر التجديد
وكما يقول الرئيس السيسي: نحن في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى خطاب ديني مستنير، وفكرٍ رشيد، وكلمة مسؤولة، وندرك أن تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دُعاة مستنيرين، أغنياء بالعلم، واسعي الأفق، مُدركين للتحدّيات، أمناء على الدين والوطن، قادرين على تقديم حلول عمليةٍ للناس، تداوي مشكلاتهم وتتصدّى لتحدياتهم، بما يُحقّق مقاصِد الدين ويحفظ ثوابته العريقة.
ولا تنحصر مهمّة تجديد الخطاب الديني في تصحيح المفاهيم المغلوطة فحسب، بل تمتد لتقديم الصورة المُشْرِقَة الحقيقية للدِّين الحنيف، كما تجلّت في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكما نقلها الصحابة الكرام، وكما أرسى معالمها أئمة الهُدى عبر العصور.
ومصر بتاريخها العريق وعلمائها الأجلاء ومؤسساتها الراسخة، كانت وستظل منارةً للإسلام الوسطي المستنير الذي يُعلي قيمة الإنسان، ويُكرّم العقل، ويحترم التنوع، ويرسي معاني العدل والرحمة.
وما نشهده اليوم يؤكد مُضِيَّ الدولة المصرية بثباتٍ وعزمٍ في مشروعها الوطني لبناء الإنسان المصري بناءً متكاملًا، يُراعي العقل والوجدان، ويجعل من الدين ركيزةً للنهوض والتقدم، في ظل قيم الانتماء والوسطية والرشد.
كما نلحظ حرْص الرئيس السيسي، على متابعة مُستَجَدَّات العمل لصياغة رؤية استراتيجية لتجديد الخطاب الديني، ودائما ما يوجِّه بمواصلة التنسيق مع الجهات المعنية لتعزيز قُدْرَات الأئمة، وتأهيل كوادر مُتميِّزة قادرة على مواجهة التحديات والارتقاء بمستوى الخطاب الديني، وتطوير آليات التواصل خاصة في مكافحة الفكر المتطرّف وترسيخ الوعي والإدراك بقضايا العصر.
المبادرات التوعوية
وفي سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتجديد الخطاب الديني، تتبنَّى الأوقاف عددا من المبادرات التوعوية المهمة، منها: المنصّة الرقمية الجديدة للوزارة، والتي تأتي ضمن جهود صياغة خطاب ديني رشيد، يواجه الفكر المتطرِّف ويحافظ على الوطن ويعزِّز الوعي، وتتضمن أبوابًا متعدّدة تغطّي مختلف جوانب العلوم الإسلامية والموسوعية، والخطط المستقبلية لتطوير المنصَّة وتحويل محتواها إلى مرئي ومسموع يمكن تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى مبادرات لترشيد السلوك ومواجهة الظواهر السلبية التي قد توجد في المجتمع مثل التنمُّر، إيذاء ذوي الهِمَم، تعاطي المخدّرات، تخريب الممتلكات العامة، وعدم احترام آداب الطريق.
وكانت الحكومة على قدْر المسئولية فى الاهتمام بهذا الملف تحديدا، فقد شهد د. مصطفى مدبولي- رئيس مجلس الوزراء، إعلان د. الأزهري، إطلاق المبادرة رسميا، بحضور عدد من الوزراء.
وأعرب د. مدبولي، عن سعادته لإطلاق المبادرة، مؤكدا أنها تعد ركيزة أساسية في بناء وعي مجتمعي مستنير وراسخ يستند إلى فهم ديني وإنساني صحيح، من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة والتصدّي لكل الأفكار والسلوكيات المُدمِّرة التي ينتج عنها تراجع القيم والأخلاق داخل المجتمع.
ولم تقف جهود العلَّامة د. الأزهري، عند هذا الحد بل يسعى لتنفيذ عدد من المسابقات مثل مسابقة “الأصوات”، وتهدف لاكتشاف أفضل الأصوات في تلاوة القرآن الكريم، الابتهالات الدينية، الإنشاد، بما يعكس ريادة مصر في هذا المجال وحرصها على اكتشاف المواهب المتميّزة.
وأكد د. الأزهري، أن المبادرة تمثل إحدى أدوات “الجمهورية الجديدة” في بناء وعي الإنسان المصري، من خلال تناول أكثر من أربعين قضية مؤثِّرة، أبرزها: حُرْمَة المال العام، التحرُّش، إدمان المواد الإباحية/ الرقمية، التنمُّر، الغش، التطرف، حبوب الغلة، الإدمان، التفكُّك الأُسَرِي، التدخين، وغيرها من القضايا الأخرى.
وأوضح د. الأزهري أن المبادرة ليست فعالية وقتية، بل مشروع وطني ممتد يقوم على تكامل الأداء التوعوي والدعوي والإعلامي، عبر محتوى متنوِّع يشمل الفيديوهات، المسرح، المشاهد الدرامية، المقالات، البرامج، القوافل الميدانية، الفعاليات المجتمعية، التغطيات الإعلامية؛ سعيًا للوصول إلى كل بيت ومدرسة ومنصَّة إعلامية.
وتدعو وزارة الأوقاف جميع مؤسسات الدولة، والإعلاميين، والمعلِّمين، والأُسَر، والشباب، إلى التفاعل البنّاء مع المبادرة، بما يُسهم في استعادة منظومة القيم، وتحصين المجتمع من الداخل.
وهكذا تتضافر جهود المؤسسة الدينية لخلْق حالة من الانسجام والتنسيق لـ”تحيا مصر” آمنة مُطمئنة، كما أراد لها الحقُّ سبحانه وتعالى.