كفرالشيخ- حمدين بدوى:
تحل هذه الأيام الذكرى الـ103 لميلاد أحد أعظم قرّاء القرآن الكريم في التاريخ، وهو الشيخ أبو العينين شعيشع الذي يعدُّ رمزًا من رموز التلاوة التي خلّدها التاريخ.
الشيخ شعيشع كان ولا يزال شرَفًا لمصر، فلم يكن مجرد قارئ، بل مدرسة في التلاوة، بصوته المتميّز وأدائه الخاشع الذي وصل إلى قلوب المسلمين في كل مكان، وأن مكانته لم تقتصر على مصر وحدها، بل طاف دول العالم ممثِّلًا لمصر والإسلام، ناشرًا لكلمات الله تعالى بصوته العذب، وكان خير سفير للقرآن الكريم.
وُلد الشيخ أبو العينين شعيشع في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ في 12 أغسطس 1922، بدأ حفظ القرآن في سنٍّ صغيرة، وظهرت موهبته في التلاوة مبكّرًا، مما جذب انتباه أساتذته والمُقرئين في منطقته، وكان يُقلِّد كبار القرّاء مثل الشيخ محمد رفعت، لكنه سرعان ما كوّن لنفسه أسلوبًا خاصًا جعله أحد أشهر قرّاء مصر والعالم الإسلامي.
التحق «شعيشع» بالإذاعة المصرية عام 1939، وكان في سنّ السابعة عشرة، ليُصبح أصغر قارئ يُعتمَد في الإذاعة آنذاك، وقد تنقّل في قراءاته بين المساجد الكبرى، وشارك في إحياء العديد من المناسبات الدينية، وكانت له تلاوات تُذاع من مسجد الإمام الحسين، والجامع الأزهر، وغيرها من المساجد الشهيرة.
امتاز «شعيشع» بصوته الرخيم وإتقانه لأحكام التلاوة والتجويد، وقُدرته على التأثير في المستمعين، مما جعله محبوبًا بين الناس داخل مصر وخارجها، وتولّى عدة مناصب مرموقة في مجال تلاوة القرآن، أبرزها: عضو في نقابة قراء القرآن الكريم منذ تأسيسها، ونقيب القرّاء في مصر لسنوات طويلة، شارك في تحكيم مسابقات دولية لتلاوة القرآن وكما قام برحلات قرآنية عديدة إلى الدول العربية والإسلامية، وكان سفيرًا للقرآن بصوته وأخلاقه.
توفّي «شعيشع» عام 2011 عن عُمر يناهز 89 عامًا، بعد رحلة طويلة مع القرآن دامت أكثر من سبعين عامًا، وقد ترك إرثًا كبيرًا من التسجيلات القرآنية التي ما تزال تُذاع وتُتداول حتى اليوم، وتُدرَّس طريقته في التلاوة في العديد من معاهد القرآن الكريم.
سيرة الشيخ أبو العينين شعيشع تُعدّ مثالًا يُحتذى به في الإخلاص للقرآن وخدمته، فقد قضى حياته في تلاوته وتعليمه ونشْره، وسيبقى اسمه خالدًا في ذاكرة الأمّة الإسلامية، ومرجعًا لكل من أراد أن يتعلّم التلاوة على أصولها.
وتفتخر محافظة كفرالشيخ بانتماء هذه القامة الكبيرة إلى أرض كفرالشيخ، وأن مصر تظل منبعًا للعلم والدين والقرآن الكريم، وأنها تزخر برجالٍ حملوا كتاب الله بأمانة وبلّغوه للعالم بأرقى صورة.