كتبت- إسراء طلعت
في ظل التوجّه الرقمي المتسارِع في حياتنا المعاصرة، برزت ظاهرة آخذة في الانتشار بين فئة الشباب، تتمثّل في “منصّات وتطبيقات المواعَدَة”، التي تسوِّق لنفسها على أنها (وسيلة لتسهيل التعارف بين الجنسين)، لكن يبقى السؤال: هل تطبيقات المواعَدة حلال أم حرام؟ وما هو المباح منها؟
في تصريح خاص لـ”عقيدتي”، قال د. هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: لا يوجد في الإسلام ما يسمَّى بالصداقة بين رجل وامرأة أجنبية، بل الموجود هو التعامل بين الجنسين في إطار الضوابط العامة، موضحًا أن التعامل بين الرجال والنساء لا مانع منه شرعًا ما دام ذلك في حدود الآداب العامة والتعاليم الإسلامية.
انحراف عن القيم
أضاف: مجرد كلام الرجل للمرأة هو مِن أمور الحياة الطبيعية التي نَطَقَت به الأدلة الشرعية؛ قال تعالى في قصّة سيّدنا موسى مع البنتين: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، موضحًا أن تصدير التعامل بين الرجل والمرأة على أنَّه قائم على الشَّكِّ والرَّيبة والتَّحفُّظ لهو تَصنُّع وتَكَلُّف تأباه قواعد الشريعة ومناهجها السَّمْحة.
أوضح أنه في ظل التوجّه الرقمي في حياتنا المعاصرة ظهر نوع من التعامل في هذا السياق يُخرجنا عن هذا الأصل العام السابق تقريره، وأعني بذلك “منصّات وتطبيقات المواعَدة” كأداة حديثة تدِّعي تسهيل التعارف بين الجنسين، لكنها في حقيقتها تمثّل انحرافًا خطيرًا عن المبادئ الشرعية والأخلاقية التي تحفظ كرامة الإنسان ونقاء المجتمع.
وأكد أن تطبيقات المواعدة بكافة أشكالها واختلاف مسمياتها ما هي إلَّا مساحة للرذائل والفُسُوق، ومُسَمَّى ما يُقال فيها “الحصول على زواج” هو مِن دَسِّ السُّمِّ في العَسَل، مؤكِّدًا أن هذه المنصات والتطبيقات غير الأخلاقية تقوم في جوهرها على عرض الصور والمواصفات الجسَدية كسلع في سوق إلكتروني، تجرِّد العلاقة بين الرجل والمرأة من قداستها وهدفها السامي المتمثّل في تكوين أسرة مستقرّة، وتحوّلها إلى مجرد مساحة مفتوحة للعبث واللهو والبحث عن المتع العابرة.
التزام الآداب
ومن حيث النظرة الشرعية، أوضح أنه وإن كان الكلامُ والتعاملُ بين الرجال والنساء لا مانع منه شرعًا من حيث الأصل العام كما سبق، إلَّا أنَّه مقيَّد بكونه في حدود الآداب العامة والتعاليم الإسلامية؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلۡنَ قَوۡلًا مَّعۡرُوفًا﴾. واستشهد بقول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ﴾، وفي حَجَّة الوداع لما سألت المرأةُ النبيَّ عن أمور الحج، وكان معه ابن عمه الفضل بن العباس لَوَى النبيُّ عُنُقَه ليصرفه عن النظر إليها، وقَالَ: “رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا”.
تابع: هذه النصوص الشرعية السابقة تجعلنا نقول أنَّ تَجنُّب الخَلْوة والمحادثات غير الضرورية التي قد تُؤدِّي إلى الفتنة أو الوقوع في المحرمات هو مِن سلامة القَلْب وعلامات الإيمان.
مخاطر أخلاقية
أما من حيث النظرة الأخلاقية، فأوضح أنه تحمل “منصات وتطبيقات المواعَدة” في طيّاتها مخاطر أخلاقية عميقة تهدِّد بنْيَة المجتمع القيمية، فهي تعمل بشكل ممنهج على تطبيع فكرة العلاقات المحرّمة خارج إطار الزواج، وتقدّمها للشباب على أنها سلوك اجتماعي مقبول وعصري، موضحًا أن هذا التطبيع يُضعِف وازع الحياء، ويقتل غيرة الرجال، ويهتك ستر النساء، ويجعل من الخيانة الزوجية خيارًا سهلًا ومتاحًا بضغطة زر.
ثقافة الاستهلاك
أشار إلى أنَّها تُرسِّخ للأسف ثقافة الاستهلاك في العلاقات الإنسانية، فالمستخدم يتصفح وجوه البشر كما يتصفح قائمة طعام، يختار ويرفض بناءً على معايير سطحية ومادية بحتة، مما يقتل مفهوم الالتزام والمسئولية والتقدير الحقيقي للطرف الآخر، مؤكدًا أن هذه السطحية تُؤدِّي إلى علاقات هشَّة ومؤقّتة لا تبحث عن الاستقرار، بل عن الإشباع الفوري للرغبات، وهو ما يتعارض مع الفِطرة السليمة التي تَتُوْق إلى السكن والمودّة والرحمة.
الابتزاز الإلكتروني
وحذَّر من أنَّ هذه التطبيقات تفتح الباب على مصراعيه أمام جرائم “الابتزاز الإلكتروني” و”الاستغلال الجنسي”، حيث يتم استدراج الشباب والفتيات لمشاركة معلومات أو صور خاصة، ثم تُستخدم لاحقًا لتهديدهم وتدمير حياتهم، مؤكِّدًا أن هذه المنصات والتطبيقات بحقٍّ ليست مجرد أدوات للتعارف، بل هي مصائد مُتْقَنة تنشر الفسوق وتفكِّك الروابط الأُسرية وتهدِم الأخلاق التي قامت عليها المجتمعات السويّة.